شعار قسم مدونات

الأدب العبري.. الكذبة التي صدّقها الجميع

مدونات العبرية

على الرغم من أنّ نكبة فلسطين سنة 1948 داهمت العالم العربي الذّي كان حينها يقبع تحت وطأة الاستعمار علاوة على التخلّف الثقافي والتبعية للعالم الغربي، فإنّ الصهاينة كانوا متأهبين كأحسن ما يكون لخوض الصراع بكلّ مخرجاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.. ولا نفشي سرّا حين نقول أنّ قيام إسرائيل جاء نتيجة تخطيط محكم كان الجانب الثقافي فيه سبّاقا لتشكيل الإطار العام في العالم عامّة وفي الشرق الأوسط خاصّة. وكانت الدعايات الكاذبة التّي اعتمدتها إسرائيل في إضفاء المشروعية على وجودها دعامة قوية ترتكز عليها انطلاقا من أن "أورشليم" هي أرض الميعاد، فإنّ الدعايات الثقافية أيضا لم تكن أقلّ وتيرة منها حيث تمّ الترويج لفكرة "الأدب العبري" و"الفنّ اليهودي" و"الحضارة اليهودية ".. إلخ مقابل تصوير العرب على أنّهم عبئ ثقافي يجثم على فكر العالم.

إنّ الصهيونية منذ بداياتها كانت تجنح للمواجهة دون الوقوف عند أيّ حدّ، بل اعتمدت كلّ الأساليب اللامشروعة لتحقيق غاياتها، وحتّى التاريخ والفنّ لم يسلما من يد الصهيونية. فالرؤية الثقافية التي روّجت لها الصهيونية استدعت أن يخدم الأدب والتاريخ الهدف الدعائي للحركة الصهيونية العالمية والتركيز خاصّة على فكرة "الخلاص" في كافّة الكتابات التاريخية. لكن السؤال المطروح: ماذا لو لم تحتوي الكتابات التاريخية على فكرة الخلاص هذه؟ على ضوء هذا التساؤل اعتمدت الصهيونية أداتان لإقحام فكرة الخلاص حتّى ولو أدى الأمر إلى تزوير الحقائق أو تغييرها.

ترددت نغمة قزية حاولت عزل الأدب العبري عن بقية الأدب من خلال كتابات "جاكوب مان" و"جويتين" و"آشتور" و"يوشع براور".. وغيرهم. هذه النغمة حاولت التعزيز من فكرة أن لليهود والعبرانيين أدبا وتاريخا وفنّا خالصا بهم يرتقون به عن بقية الأمم.

هاتان الأداتان هما التاريخ والأدب. التاريخ لما يحمله من مصداقية ذاتية تعكس تغيّر الزمان والمكان في حسم المواقف والأدب لما يحمله من تأثير على الوجدان الإنساني. ولهذا سعت الصهيونية انطلاقا من هاتين الأداتين إلى إعادة كتابة التاريخ العام والعرب خاصّة والمسلمين بوجه أخصّ، هذه المحاولات كانت أشبه بعملية تأليف سيناريو تاريخي هدفه تصوير اليهودي على إنّه شخص فاعل في تأسيس الحضارة الإنسانية عبر المكان والزمان ولم تكتفي الصهيونية بهذا بل عزلت سياقات تاريخية بأكملها واقحمتها في مفهوم مصطنع أطلق عليه الصهاينة أنفسهم تعبيرا قاسيا ومتعسّفا وهو "تاريخ الشعب اليهودي".

ثانيا: استغلال الأدب لمواصلة الترويج لهذه الفكرة عبر إظهار العرب في كتابات الكتّاب اليهود في صورة العالة على المجتمع العالمي والذين يعيشون على إنجازات العبقرية اليهودية من خلال افتعال هوية أدبية خاصة بالصهاينة ألا وهي الأدب العبري نسبة للغة العبرية. وهذا كلّه يتماشى مع ما يسميه الدكتور عبد الوهاب المسيري "تغييب الصهيونية للعرب" حيث يقول في كتابه "الأيديولوجية الصهيونية": الصهيونية تجرّد الإنسان العربي عن وجوده المتعين تجريدا متزايدا، حتّى يختفي كلية، ويتحول من العربي المتخلف إلى العربي الغائب.

إن تكرّر الحديث عن الأدب العبري في معرض حديث الصهيونية عن "التاريخ العبري" و"الفنّ اليهودي" و"الحضارة اليهودية".. إلخ هو أمر يجافي العلم والمنطق وحتّى الأدب والتاريخ. فالعبرية ليست جنسا كما أن اليهودية ليست جنسية أو مواطنة أو قومية، فالصهاينة أنفسهم فشلوا في تقديم الحركة الدعائية الصهيونية على أنها إحدى الحركات القومية التي تشبه تلك التي ظهرت في أوروبا.

ولم تتوانى كتابات اليهود والصهاينة في محاولة اقحام ما يسمى "الأدب العبري" في السياق العام للأدب وللأسف تمّ تمرير هذا المفهوم سواء عبر غضّ الطرف من بعض المتعاطفين مع الصهيونية أو لغياب الوعي بالذات التاريخية. وقد تدفّقت على الساحة الأدبية عشرات الكتب والدراسات التاريخية والمقالات الأدبية التي تنظّر لمفهوم "الأدب العبري" وتصنع للصهاينة أدبا مختلقا لا وجود له في التاريخ. وقد ترددت نغمة قزية حاولت عزل الأدب العبري عن بقية الأدب من خلال كتابات "جاكوب مان" و"جويتين" و"آشتور" و"يوشع براور".. وغيرهم. هذه النغمة حاولت التعزيز من فكرة أن لليهود والعبرانيين أدبا وتاريخا وفنّا خالصا بهم يرتقون به عن بقية الأمم. بل إنّ الهذيان وصل بجويتين للقول: إنّ سبب تخلّف العرب هو خروج اليهود من المنطقة العربية.

إنّ هذا المقال لا يعكس نطرية المؤامرة ولكنّه محاولة لإظهار الحقائق التي طمست، فالأدب العبري كذبة صدقها الجميع كما صدّق أن فلسطين هي وطن الصهاينة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.