شعار قسم مدونات

الميزان.. في علاقة حماس بإيران

مدونات - حماس وإيران
رغم عودة العلاقات السياسية تدريجياً في الفترة الأخيرة بين حركة المقاومة الإسلامية حماس ذات المرجعية "السنية" وجمهورية إيران ذات المرجعية "الشيعية" خصوصاً بعد زيارة وفد حركة حماس للعاصمة طهران بدعوة رسمية من إيران لحضور مراسم تنصيب حسن روحاني رئيساً للبلاد، إلا أن تلك العلاقات تأرجحت بين الشد والجذب في مراحل متعددة من العقود والسنوات الماضية.

أولت حركة حماس اهتمام كبير لإقامة علاقات قائمة على الاحترام المتبادل مع كل الدول والجماعات التي تؤمن بعدالة القضية الفلسطينية، لذلك دأبت الحركة على البحث عن حلفاء لها لدعم أنشطتها السياسية والعسكرية "دون قيد أو شرط" كواجب يقع على عاتق العرب والمسلمين تجاه القضية الفلسطينية، وفي ذات الوقت نأت بنفسها عن الخلافات والتجاذبات "العربية العربية" رغبة في استقطاب الدعم للمقاومة الفلسطينية التي تواجه عدو مجرم تسانده معظم قوى الاستكبار في هذا العالم الظالم.

الدعم الإيراني للمقاومة الفلسطينية بدأ بمنظمة التحرير التي كانت تقاوم الاحتلال، فكان عرفات هو أول زعيم زار طهران بعد نجاح ما سُمي بـ "الثورة الإسلامية" في إيران، إلى أن انخرطت المنظمة في مشاريع التنازل والتفريط لتتوجه أنظار إيران لدعم حركتي حماس والجهاد الإسلامي، ومن الجدير ذكره أنه لمّا قامت الثورة الإيرانية، أنشدّ لها النّاس كونها ثورة شعبية على طاغوت، ولأنها ترفع شعار الإسلام. ولكنّ الشيخ أحمد ياسين قال: "يا أولاد.. هؤلاء شيعة!" في إشارة واضحة إلى التحذير من الفكر الشيعي المعادي لأهل السنة على مدى التاريخ.

أوصدت الحكومات في وجه حماس الأبواب وحاصرتها حصاراً شديداً، إلا أن إيران
أوصدت الحكومات في وجه حماس الأبواب وحاصرتها حصاراً شديداً، إلا أن إيران "الشيعية" فتحت أبوابها مشرعة لقيادات حماس في مشهد مؤلم لكل مسلم "سني".

توطدت علاقات حماس بإيران بعد تزايد شعبيتها خلال "انتفاضة الأقصى" بين جماهير الشعب الفلسطيني والأمة بفعل عملياتها الكبيرة التي هزت أركان دولة الاحتلال، وتطورت بشكل كبير بعد فوز الحركة في انتخابات عام 2006م وتشكيلها الحكومة الفلسطينية وما تلاها من خلافات بين حركتي حماس وفتح أظهرت انحياز واضح لمعظم الحكومات العربية وعلى رأسها السعودية ومصر لحركة فتح.

حركة حماس التي تتبنى خيار المقاومة كخيار استراتيجي لتحرير كامل فلسطين وجدت نفسها أمام معركة سياسية مفتوحة فرضتها الحكومات العربية التي تتبنى الحل السلمي للقضية الفلسطينية وفق مبادرة السلام العربية المجحفة بحقوق الشعب الفلسطيني، حيث أوصدت تلك الحكومات في وجه حماس الأبواب وحاصرتها حصاراً شديداً، إلا أن إيران "الشيعية" فتحت أبوابها مشرعة لقيادات حماس في مشهد مؤلم لكل مسلم "سني" حر محب لدينه ووطنه، إذ كيف تتآمر الدول "السنية" التي يجمعها مع حماس نفس العقيدة والمنهج ويقارعون عدواً واحداً للأمة وهو الكيان الصهيوني؟!

اضطرت حركة حماس مرغمة ودُفعت دفعاً للدخول في معترك التعقيدات في العلاقة مع إيران للخروج من هذه العزلة الشديدة التي فرضتها عليها الحكومات المحسوبة على أهل السنة، واضعة في حسبانها وأمام ناظريها في كل تحركاتها أنها نبتة سنية خالصة، نشأت وترعرعت على منهج أهل السنة والجماعة وربّت أبناءها وما زالت على فقه الإمام الشافعي وفكر الإمام حسن البنا وسيد قطب، ذلك الفكر السني الجهادي الخالص الذي نهض بالأمة بأسرها وانتشلها من واقع الخضوع والرضوخ للغرب إلى واقع الجهاد والتمرد على الاستعمار وأفكاره التي سعت لقتل الإسلام وانتزاعه من قلوب أبنائه.

لم يكن في حسابات حماس وخياراتها السياسية أن نظام الرئيس مرسي سيسقط ذلك السقوط المدوي بعد أن تم الانقلاب عليه بمؤامرة دولية كانت رأس حربتها السعودية والإمارات.
لم يكن في حسابات حماس وخياراتها السياسية أن نظام الرئيس مرسي سيسقط ذلك السقوط المدوي بعد أن تم الانقلاب عليه بمؤامرة دولية كانت رأس حربتها السعودية والإمارات.

مع انطلاق ثورات الربيع العربي وبعد نجاح الثورة المصرية وصعود جماعة الإخوان المسلمين للحكم في مصر، وعلى إثر تطور الأحداث في الثورة السورية، وجدت حماس لها فسحة من أمرها لتلتقط أنفاسها وتعود من جديد إلى حاضنتها الطبيعية وعمقها العربي والإسلامي "السني" الأصيل، فناصرت الثورة السورية وقطعت علاقاتها مع النظام السوري وغادرت البلاد، وأيدت (عاصفة الحزم) ضد الحوثيين الموالين لإيران.

جاءت هذه المواقف الواضحة من الحركة بعد أن وجدت نفسها تأوي إلى ركن شديد من أركان أهل السُنّة يتمثل بنظام الرئيس محمد مرسي الذي دعم من أول يوم مقاومة الشعب الفلسطيني ومشروعه التحرري كبديل عن الحليف الإيراني الوحيد سابقاً، وبديلاً عن النظام السعودي الذي ناصبها العداء وظل رافضاً لبناء أي علاقات طبيعية معها، لتتوتر العلاقات بشكل كبير في هذه المرحلة بين حماس والنظام الإيراني لمعارضتها للسياسات الإيرانية في المنطقة، إلا أن الطرفان حافظا على إبقاء شعرة معاوية ولم يصلا إلى حد القطيعة التامة.

لم يكن في حسابات حماس وخياراتها السياسية أن نظام الرئيس مرسي سيسقط ذلك السقوط المدوي بعد أن تم الانقلاب عليه بمؤامرة دولية كانت رأس حربتها السعودية والإمارات لإسقاط مشروع الإخوان المسلمين، فعادت حماس من جديد إلى العزلة السياسية واشتد عليها الحصار بشكل كبير، ليجتمع عليها ظلم وحصار الاحتلال الصهيوني والسلطة في رام الله داخلياً ونظام السيسي والنظام الدولي خارجياً الأمر الذي أدخلها في نفق مظلم استمر لسنوات.

أمام هذه التحديات وجدت حماس نفسها مضطرة لإذابة الجليد عن علاقاتها المجمدة مع طهران لمواكبة هذه الصعاب والرياح العاتية التي تعصف بالقضية الفلسطينية ومشروع المقاومة، لتعود من جديد لترميم تلك العلاقات مع النظام الإيراني بعد انتخاب قيادة جديدة للحركة في شهر نيسان الماضي، هذه القيادة وضعت في أولوياتها الانفتاح على أي قوة عربية أو إقليمية أو دولية تسعى لمناصرة الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الصهيوني الغاصب.

undefined

أبناء حماس ومناصريها في فلسطين ومحبيها في وطننا العربي والإسلامي الواحد يجب أن يكونوا على قدر عالي من الوعي أن هذه العلاقات ما هي إلا علاقات مصلحية وتوازنات سياسية ليست قائمة على مبدأ الولاء والمناصرة للمشروع الإيراني، وإنما هي التقاء مصالح واستثمار سياسات وتعقيدات إقليمية لدعم مشروع المقاومة المُحاصَر في ظل وضع عربي وإسلامي رسمي مخزي ومترهل متنكر لحقوق وثوابت شعوبه.

ويكفي حماس فخراً أن لها قيادة تمتلك القدر الكافي من الوعي الذي يؤهلها لإدارة هذا الملف المعقد بكل حكمة واقتدار، ومن المهم معرفته في هذا الإطار أن عدداً من قادتها هم من حملة الشهادات العليا في الدراسات الشرعية، منهم على سبيل المثال لا الحصر أ.د. صالح الرقب، أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة، ووزير الأوقاف السابق الذي ألف كتاب بعنوان "الوشيعة في كشف شنائع وضلالات الشيعة"، الذي تمت طباعة آلاف النسخ منه في قطاع غزة وتدريسها في المساجد وحلقات العلم، وغيرها من الكتيبات والنشرات المتعلقة بهذا الشأن.

الشعوب المسلمة في فلسطين وسوريا والعراق واليمن عليها أن تعذر حماس على خياراتها السياسية التي قد تضطر لها مرغمة بسبب تنكر حكامنا العرب لجهادنا ومقاومتنا، لكن من المهم أن يبقى الوعي حياً لدينا كشعوب يجمعنا نفس الهدف والمصير بطبيعة الصراع القائم بين إيران والعرب، فهو صراع ينم عن العقلية الإيرانية التوسعية الاقصائية التي لا تراعي ديناً ولا أخلاقاً أو حتى حسن جوار، ويجب مقاومة هذا المشروع بكل ما أوتينا من قوة عسكرياً وسياسياً وإعلامياً، ولندرك جيداً أن ما يسع السياسيين من المرونة والعمل وفق المصالح قد لا يسع العامة والشعوب، فشعوبنا يجب أن تكون على قلب رجل واحد توالي من يواليها وتعادي من يعاديها.

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى"

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.