شعار قسم مدونات

رابعة العدوية وفلسفة الرمز..

blogs رابعة

كثيرة هيَ أسماء الأشخاص التي تمرّ في ذهن الإنسان مرتبطة بقيم عليا، فهؤلاء الأشخاص إما أن يكونوا قد ساهموا في إعلائها فأصبحوا رمزاً لها، أو عملوا على انتهاكها فأصبحوا رمزاً لنقيضها، مارتن لوثر كينج ومالكوم إكس مثلاً هما رمزين مرتبطَيْن بقيمة عليا، فما أن نستذكرهما حتى تستذكر قيمة المساواة، فهما في سعيهما الدؤوب في مناهضة العنصرية أرادوا تحقيق هذه القيمة في مجتمعاتهم، أرادوها مبنية على أسس المواطنة التي لا تُفرّق بين أبيض وأسود لا في الحقوق ولا في الواجبات. وعلى العكس من هؤلاء يأتي هتلر كرمز للنازية، كرمز للعنصرية والتشدّد ضدّ الأعراق الأخرى، كرمز للقمع والإبادة، وكرمز لكلّ ما من شأنه أن يُحطّم قيمة المساواة تحت طائلة الاعتقاد بالطهرية والأفضلية والغلبة والتفوّق.

والأحداث كما الأشخاص، منها ما يرد على ذهن الإنسان مرتبطاً بقيمة عليا أو انتهاك قيمة عليا؛ منها ما يرد على ذهن الإنسان مرتبطاً بقيم الحرية والعدالة والمساواة ومنها ما يرد على ذهنه مرتبطاً بضدّها؛ باللاحرية واللاعدالة واللامساواة.

هذا وإنّه ضمن سياق الحديث عن الأحداث كرمز للقيم العليا أو انتهاكها، فلا يُمكنني سوى أن أستذكر مجزرة رابعة العدوية، هذه المجزرة التي تعود ذكراها في الرابع عشر من أغسطس من كلّ عام لتحفّز الذهن على استدعاء رمزها وشعارها والبحث فيه عن دلالاته وارتباطاته، فما الذي يعنيه رمز رابعة العدوية؟ وما هو دلالته؟ وبماذا يرتبط؟ ولماذا كان -ولا زال- يُجنّ جنون نظام الانقلاب كلّما عاينه أو شاهده حتى لو جاء بعيداً عن المظاهرات وعثر عليه في شكل دبوس فوق قميص أحدهم أو كحمالة مفاتيح في جيبه؟

وبمقتضيات الإجابة عن الأسئلة السابقة، فيُمكن القول بأنّ شعار رابعة الذي أطلقه المتضامنون مع متظاهري ميداني رابعة العدوية والنهضة -وجاء على شكل أربعة أصابع أو يد مفتوحة ما عدا الإبهام – وأعلنوا فيه تأييدهم لمطالب المتظاهرين بعودة أول رئيس مدني منتخب ديمقراطياً واستنكارهم للمجزرتين اللتين ارتكبتهما قوات الجيش والشرطة بحقّهم، هو شعار له دلالات معنوية عديدة، وهو في دلالاته يَجمع بين الإشارة إلى قيم عليا ومناهضة انتهاكها في آن. 

رابعة.. ذلك الشعار الذي يحمل في ثناياه كثافة معنوية تجعل معاينته عند طاغية الانقلاب وأذرعه بمثابة الكابوس.
رابعة.. ذلك الشعار الذي يحمل في ثناياه كثافة معنوية تجعل معاينته عند طاغية الانقلاب وأذرعه بمثابة الكابوس.

فشعار رابعة هو رمز للحقّ، ورمز للشرعية، ورمز للثورة، وهو كذلك رمز للإنسانية، ولمناهضة الظلم والقهر، والطغيان. رابعة هو رمز رفض الاستبداد والوقوف في وجه الاستعباد. ورابعة في رمزيته يأتي بمثابة بطاقة إدانة جماعية يرفعها الثائر الحقّ والمثقّف الحقّ والإنسان الحقّ في وجه كلّ من أعطى تفويضاً للطاغية بقتل أشخاص سلميين عزّل وقمعهم واستباحة أرواحهم الإنسانية لمجرّد أنّهم إسلاميين يَختلفون معه في الفكر والأيديولوجيا.

ورابعة في ضمنيته يأتي بمثابة لا كونية يقولها أنصار العدل ومحبي الحرية ويرفعون بها أصواتهم عالياً أن لا للسطوة، لا لسلطة القمع والأنظمة السلطوية، لا للظلم، لا للقهر، لا للسجن، لا للتكبيل، لا للتكميم، لا للقتل، لا للانقلابات، لا لحكم العسكر، لا لانتهاك حرمة الأرواح.

إنّه رابعة إذن، ذلك الشعار الذي يحمل في ثناياه كثافة معنوية تجعل معاينته عند طاغية الانقلاب وأذرعه بمثابة الكابوس، وذلك الرمز الذي يحمل في ملامح خصوصيته المصرية بعضاً من عمومية تصلح لتجعل منه رمزاً عربياً يستذكره ذهنُ كلّ عربي حرّ وهو يستحضر لحظة انقضاض الثورات المضادة على ربيعه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.