شعار قسم مدونات

أمتي مكتوفة الأيدي

blogs قيود

قال أحد مشاهير الفلاسفة "أدموند بورك": إن كل ما تحتاج إليه قوى الشر لكي تنتصر هو أن يظل أنصار الخير مكتوفي الأيدي دون القيام بعمل ما. حقيقة واضحة كالشمس في كبد السماء، يراها ويعرفها الكثيرون ويعرفها آخرون غامضة مُبهمة وبذلك ينقسم العالم إلى فريقين:

– فريق مُضلل مخدوع، تمكنت الصهيونية بما تتمتع به من دهاء وخبث وبما تهيمن عليه من طاقات مادية ودعائية هائلة من السيطرة عليه فكرا وسلوكا وعقيدة، فأصبح كالقطيع توجهه الصهيونية وتٌسيّره وفقا لمخططاتها بعيدة المدى وإلى أهدافها السرية والعلنية سواء أدرك حقيقة تلك الأهداف أو لم يدرك بعد!

– وفريق على يقين تام بهذه الحقيقة إما لأنه يتمتع بسعة الأفق ودقة المتابعة مع قسط وافر من حرية في الرأي والتفكير، أو لأنه كان أحد ضحايا الغدر والنفاق الصهيوني وذاق مرارة الدمار والخراب والتشرد والمعاناة بسبب هذا الكيان الدي يتمدد كبقعة زيت في كل اتجاه.

ومن هذا الفريق الأخير الأمتين العربية والإسلامية وهما الهدف المباشر والدائم للصهيونية بوصفها الفئة الجامعة لكل قوى الشر والحقد والخراب في العالم والتي لا توفر أي فرصة في سبيل تنفيذ مخططاتها الاستعمارية المدمرة ولا تتوانى عن ذلك، ورعايتها منذ قرون عديدة الاضطرابات المادية والروحية والنعرات الفكرية والسياسية ونشرها حسب مخططات يتناقلونها جيل بعد جيل لبسط هيمنتها وتغلغلها في البلدان.

تستمر الحركة الصهيونية بتنفيذ مخططها في التسلل والاختراق الناعم إلى مفاصل الحياة في البلدان الإفريقية لتحقيق أكبر المكاسب بأقل التكاليف

فعلى الرغم من احتلالها لأرض فلسطين عام 1948، إلا أن أطماعها في القارة الإفريقية ظلت في عقولهم منذ انعقاد أول مؤتمر صهيوني في آب عام 1897 في مدينة بازل بسويسرا، حيث برزت في صدارة جدول أعماله خيار أوغندا ليكون وطنا قوميا لليهود بجانب الأرجنتين وفلسطين، وقد شجّع وزير المستعمرات البريطانية نيفل تشمبرلين هرتزل مؤسس الصهيونية على وضع مخططط لإنشاء وطن قومي لليهود في أوغندا، إلى أن قرر المؤتمر الصهيوني السادس في بازل عام 1903 رفض مشروع أوغندا..

لكنها اتبعت سياسة ماكرة في الزحف نحو أفريقيا وإقامة علاقات مع مجموعات أفريقية بعينها دون غيرها تتسم بكثرة عددية ونفوذ سياسي، فتقوم بدعم مجموعات قوية على حساب أخرى أقل قوة ونفوذا بهدف إشاعة الفوضى وعدم الاستقرار في تلك الدول المعادية لإسرائيل وسياساتها مثلما حصل مع الكثير من المجموعات وخاصة جماعة الدنكا في جنوب السودان وجماعة الأمهرا في إثيوبيا وجماعة الايبو في شرق نيجيريا، وكذلك في جنوب أفريقيا حين رُبطت أيديولوجيا بين الصهيونية والقومية الأفريكانية البيضاء.

هكذا تستمر الحركة الصهيونية بتنفيذ مخططها في التسلل والاختراق الناعم إلى مفاصل الحياة في البلدان الإفريقية لتحقيق أكبر المكاسب بأقل التكاليف واتباعها سياسة التدرّج في تنفيذ مخططها وتحقيق حلمها في منابع النيل، إضافة إلى حاجة إسرائيل للاعتراف بها كدولة من قبل الدول الإفريقية لكسب الشرعية السياسية والقانونية وهذا ما قاله وزير الخارجية الإسرائيلية الأسبق أبا إيبان، وكذلك الهدف من علاقاتها الأفريقية إلى عزل الدول العربية وتطويقها والحيلولة دون قيام تكتل عربي أفريقي ضدها وهذا ما أكده شكومو أفنيري مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلي عام 1975 قائلا: إن الأهداف التي كنا نتوخاها من وراء توطيد العلاقات مع الدول الأفريقية هي كسب صداقة هذه الدول من أجل الخروج من العزلة السياسية والحيلولة دون قيام معسكر إفريقي معاد يقف إلى جانب العرب في نضالهم السياسي ضد إسرائيل.

وبناءً عليه فالقارة الأفريقية ما زالت تُمثل أهمية بالغة للاستراتيجية الإسرائيلية، ويكفي الإشارة هنا إلى حديث رئيس الوزراء الأسبق ديفيد بن جوريون في الكنيست الإسرائيلي عام 1960 حين قال :الصداقة الإسرائيلية الإفريقية تستهدف في حدها الأول تحييد إفريقيا عن الصراع العربي الإسرائيلي كما تستهدف في أحسن حالاتها مساندة إفريقية للمواقف الإسرائيلية.

إن خطط الكيان الصهيوني المتآمر على العرب والمسلمين تكاد تكون هي ذاتها على مر العصور!
فكأن التاريخ يكرر نفسه بنفسه باستمرار!
وكأن العرب والمسلمين لم يتعلموا من دروس الماضي شيئا!
فهل ستبقى أمتي مكتوفة الأيدي دون عمل شيء ما؟ ..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.