شعار قسم مدونات

كلمة السر نحو التغيير

blogs - شاب ثائر في مصر
النهضة، الصحوة، البعث، التقدم… كلمات شكلت هاجسا للملايين من أمتنا خلال المائة سنة ماضية، أي منذ تدخل ثم دخول الاستعمار الأوربي في منطقتنا وإنهاء دورنا كقوة سياسية يحسب لها حساب في عالم يحكمه منطق القوة فقط ورغم المنادين بالنهضة فهي لم تتحقق فما لخلل هل هو فينا أم في خصومنا وأين يكمن الحل يا ترى أليس هناك وصفة ما أو طريق نسلكها لننجح في عصر أصبح من شدة تعقيده وتقدمه التكنلوجي كأنه قرية صغيرة لنحدد إن كان هناك كلمة سر للقوة أو وصفة ما لها فلابد أن نلقي نظرة خاطفة ولكن عميقة على المشهد الدولي وتعقيداته مع علمنا بأن النهوض يبدأ بالفكر والانهيار يبدأ بالفكر المشهد الحالي باختصار شديد.

العالم الغربي أصبح إمبراطوريات فائقة القوى والتقدم، لكنها تفعل كل شيء لتحقيق مصالحها وتحطيم خصومها، وقد فعلت الكثير منذ أكثر من مائة سنة أي منذ مؤتمر كامبل بنرمان 1905 إلى 1907 لتبقينا منقسمين وضعفاء بكل الوسائل، وللاستزادة يمكنك مشاهدة يوتيوب مؤتمر كامبل بنرمان مؤامرة 100عام.

مشهد التغيير للأفضل كان شبه مستحيل خلال المائة سنة الماضية، فسطوة الأنظمة العسكرية ترهب الجميع، بالإضافة إلى أن فرق القوة العسكرية بين الدول والشعوب يمنع أي تغيير في الأنظمة السياسية من قبل الشعوب وتتكفل أنظمة الاستخبارات الرسمية بقتل أي محاولة للإصلاح والتغيير في مهدها، بينما التدخل العسكري الخارجي أكثر تدميرا لأن هدفه تحقيق مصالح المتدخلين وليس مصلحتنا، كما حصل في أفغانستان والعراق وسورية حديثا.. نزلت الجماهير بالملايين في بلادنا طالبة التغيير للأفضل لكن هذا لم يحصل فقد خلطت الأوراق تماما ليصور الأمر أن إرهابيين يثورون ضد أنظمتهم وبالتالي فالتغيير ممنوع.

كلنا علمنا أن الشعب التركي هو من كسر العسكر، أفشل الانقلاب، ويبدو أن المشهد هذا تكرر في عموم تركيا ولخص صراع التاريخ فظهرت كلمة السر.

– دروس الربيع العربي:
ظهر مما سبق أن لدينا ثلاث معضلات:
1- أعداء أو خصوم خارجيين فائقي القوة والدهاء يحتاجون إلى طريق صحيحة للتعامل معهم
2- صفوف داخلية مهلهلة مليئة بالأخطاء والتناقضات مشغولة بالصراعات البينية على المصالح أو الأيديلوجيات الصغيرة، وهي سهلة الاختراق بالطرق التقليدية أي الترهيب والترغيب.
3- نخب غير مؤهلة عموما لم ترق إلى مستوى الوعي والتضحيات والأداء الشعبي البسيط، وهي لم تسع لنهوض شعب وأمة، وإنما سعت لتكون بديلا للطغاة بنفس طريقتهم، فهي تظن الشعب قاصراً وأنها هي الضمان والشرعية، وهي من يجب أن تمسك بالسلطات والأوطان.

– اضطراب المشهد وزوال التفاؤل بالربيع:
الحقيقة كنت ممن اضطربت رؤيتهم منذ عام 2013، فكيف ستكون النهضة في ظل هذا التدخل العالمي السلبي في أرضنا وهزال إمكاناتنا الذاتية، وخصوصاً وأنا أرى فشلنا كنخب في وصف طريقة النهضة للأمة وأرى تناقضاتنا وأمراضنا الكثيرة للأسف. أثق بالنصر والنهوض لأنه حتمية حركة التاريخ، لكن كيف الطريق بالضبط لا أعلم! ويبدو أننا نحتاج إلى إصلاح أجيال لننهض.

شغلني حديث شريف رأيت أنه يعبر عن حالنا ببلاغة ورد في مسند الإمام أحمد وغيره عن ثوبان يقول فيه: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَتَدَاعَى الأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا قُلْنَا مِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ قَالَ لا أَنْتُم يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ يَنْزَعُ اللَّهُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ قِيلَ وَمَا الْوَهَنُ قَالَ حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ"، الحديث يصور حال أمة هائلة الأعداد لكنها مهانة، أعداؤها يعتدون عليها باستخفاف ويصف الحديث سبب تردي الأمة بأنه حب الدنيا وكراهية الموت، لكن السؤال المنطقي؛ ألم يصف الحديث هذا أو غيره سبيلا للخروج من هذا الحال؟!

كلمة السر ينبغي أن تكون ثقافة لكل فرد في المجتمع كل واحد منا، وننتهي من ثقافة راعي يقود قطيع أغنام، ويفعل بأغنامه ما يشاء.

– كلمة السر أخيراً:
أبحث عن الإجابة فلا أجدها! حتى شاهدت فيديو من تركيا يظهر حوارا ارتجاليا ولكنه عميق جدا بين العسكر وبين المواطنين على جسر البوسفور، العسكر يستخدمون عبارات الهيمنة السياسية المعهودة مثل لا فائدة من المقاومة، سنطلق النار من أجل الدولة، نحن مأمورين، العسكر انقلاب قوة ممنوع نحن هنا لخدمتكم، نحن نعرف مصلحتكم، ثم تصاعدت حدة التحدي فصرخ أحد المواطنين: هيا يا أصدقائي الإنسان يموت مرة واحدة فليمت بشرف، وأنا مستعد للموت، وصاح الآخر إن كان المكتوب لنا الموت اليوم فسنموت لندافع عن حريتنا، ويا للمفاجأة، لقد انقلب المشهد، ألهبت هذه الكلمات الجموع فصار العديد يرددونها، فانكسرت معنويات العسكر وتصاعد المشهد، فما هي إلا ساعات قليلة حتى اعتلى المدنيون العزل فوق الدبابات وصادروا أسلحة العسكر، طبعا لم يكن ذلك نزهة صيفية، فالعسكر أطلقوا النار فقتلوا وجرحوا عددا من المواطنين. 

كلنا علمنا أن الشعب التركي هو من كسر العسكر، أفشل الانقلاب، ويبدو أن المشهد هذا تكرر في عموم تركيا ولخص صراع التاريخ فظهرت كلمة السر أناسا عاديون من الشعب ليسوا قادة أو سياسيين بفطرتهم فسروا عمليا الحديث الشريف حين فضلوا الموت الشريف على حياة الذل، وحين ذاك زالت سطوة القوة العسكرية أمام شعب حل معادلة النهضة، وهي دنيا عزيزة أو موت شريف، لم يكن المواطنون هؤلاء يكرهون الدنيا، فهم يعيشون تفاصيلها الجميلة جيدا في إسطنبول لكنهم بالتأكيد يكرهون دنيا الذل والهوان بعد أن عاشوا 15 سنة أحراراً أعزاء، وبالتأكيد لم يكن هؤلاء يحبون الموت من أجل الموت، وإنما فضلوا الموت الشريف كما صرحوا على حياة الذل تحت أحذية العسكر وأسيادهم المُحركين من أميركا. 

إذا يمكن أن نقول بأن كلمة السر والمخرج، كره الدنيا الذليلة وحب الموت الشريف، أي عكس وصف المرض الوارد في الحديث الشريف، وبالتالي المرض هو حب الدنيا وكراهية الموت، والعلاج هو كره دنيا الذل والعبودية وحب موت الشرف والعزة، عندما توقن أمتنا بكلمة السر هذه فستنتصر لا ريب وستعود هيبتها أمام العالم ولن يتجرأ حاكم أو مستعمر على حياضها.

كلمة السر ينبغي أن تكون ثقافة لكل فرد في المجتمع كل واحد منا، وننتهي من ثقافة راعي يقود قطيع أغنام، ويفعل بأغنامه ما يشاء، وعلى من كان قائدا بحق أن يكون قائدا عظيما، وليس ناجحا، فكما تقول الحكمة، بأن القائد الناجح يجعل الناس يحترمونه، أما القائد العظيم فهو من يجعل الناس يحترمون أنفسهم، وإلى أن نرى أمتنا في صدارة الأمم لا تنسوا إخوتي كلمة سر العزة والحضارة ولنسعى لتعميم ثقافتها بين إخوتنا وشعبنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.