شعار قسم مدونات

سنغافورة.. أين كانت وكيف أصبحت

blogs - Singapore

لم تكن النهضة السنغافورية وليدة اللحظة بل كانت نتائج جهود جبارة من قبل بطل الدولة السنغافورية "لي كوان يو" فقد ظهر أمام الإعلام وهو ينهش بالبكاء بعد قرار ماليزيا بالانفصال والتخلي عن جزيرة سنغافورة التي كانت جزء منها فوجهت ماليزيا الصفعة عام 1965م للبلد الصغير والفقير ومحدود الموارد سنغافورة. عانت كثيراً سنغافورة من الفساد الإداري والمالي والأمني حيث كانت تصنف سنغافورة آن ذاك واحد من أخطر الأماكن في العالم لتعرضها للجرائم والسرقات فقد كان يسودها انفلات أمني بشكل كبير جداً.

     

وبعد رحيل المستعمر البريطاني من منطقة جنوب شرق آسيا خلفوا ورائهم فوضى عارمة فكان لزاماً على سنغافورة أن تواجه مخاطر التمدد الشيوعي في المنطقة خصوصاً وأنها دولة فقيرة محدودة الموارد قريبة من الدب الروسي ولم تجد حلاً لهذه المعضلة سوى الانضمام الى الاتحاد الملايو عام 1963م الذي ما يعرف الآن بماليزيا إلى أن هذا الاندماج لم يدم طويلاً وبعد عامين حصلت صدمات عرقية بين السكان الصينين والملاويين كانت كفيلة بخروج سنغافورة من هذا الاتحاد وبعد مطالبة بعض المثقفين الدارسين في بريطانيا للانفصال كانت حينها كطفل رمته أمه في صحراء قارصة لا يوجد بها سوى عقارب وثعابين الصحاري السامة وحرها المحرق.

     

بعد الانفصال شهدت البلاد وضع متردياُ جدا يسوده الفوضى والبطالة والفقر وعدم الاستقرار بعد أن كانوا يعتمدون على مواردهم من بلدان أخرى فقد كان يأتون بالأتربة بالقوارب والسفن ليبنوا بها داخل الجزيرة لانعدام ذلك بداخلها وأيضاً المعاناة الكبرى هي قلة وشحة المياه فيها فقد كان مصادر المياه فيها تستورد من ماليزيا. كان التخلف والثقافة المنحطة طابع يعكس مدى تدهور هذا البلد الصغير فكانت الشوارع مليئة بالمخلفات الطبيعية والضارة ومخلفات الصرف الصحي وبقايا الأكل ترمى إلى الشوارع لم يكن لدى الدولة إمكانيات لتخفيف من هذي المعاناة في بلد متخلف بكل ما تعنية معاني التخلف سوى سن وفرض القوانين الصارمة وفرض عقوبات جبارة لمن يرتكب أي نوعاً من المخالفات الممنوعة ولذلك سميًّ ببلد القوانين.

استطاع
استطاع "لي كوان يو" أن يبني نهضة اقتصادية وأن يجعل بلده من أهم البلدان كما كان يحلم، حيث اعتمدت سياسته في الاستثمار على الإنسان السنغافوري نفسه من خلال التعليم وتكثيف البعثات العلمية للخارج
 بعد عودة "لي كوان يو" من جامعة اكسفورد كان محامياً جيداً وسياسياً محنك وهو أول أمين عام وعضو مؤسس لحزب العمل الشعبي. ورأى ما وصلت إليه بلده من مستوى التخلف والرجعية مما كان يزيده ذلك أكثر حسرة وندامة على وطن ينظر إليه البعض بأنه خارج الكوكب الأرضي جاءت الانتخابات البرلمانية وفاز "لي كوان يو" بمنصب رئيس وزراء الجمهورية السنغافورية وحكمها لمدة ثلاثة عقود متتالية صنع نهضة حديثة في ظل تلك الظروف الصعبة والشاقة التي شهدتها بلده.

          
تلقى الكثير من الصدمات أثناء حكمه فليس كان باليد شيء ليفعله سوى شعب فقير متخلف وحكومة عائشة ومتعودة أن تعيش على الفساد الإداري والمالي والاخلاقي بلد يعمه الرشاوي ونهب المال العام وخلافات ونزاعات عرقية مجتمعية بين أكثر من ثلاثة أعراق صينيون وملاويين وهنود وسكان شرق آسيا كان يحلم بأن ينقل سنغافورة من دول العالم الثالث إلى العالم الأول. بنى وطناً للمواطن وليس وطناً له حيث كانت الجزيرة مجرد قرية للصيادين تخلو من الموارد الطبيعية اسسها السير "توماس ستامفورد رافلز" عام 1819م وظهرت أهميتها كميناء لسفن البحرية منذ ذلك الوقت. 
             
بدأ "لي كوان يو" يغير في أنظمة بلده وسن قوانين جديده شيء فشيء ووضع حاجز للفساد الاداري والمالي لحكومته وشعبه، استطاع "لي كوان يو" أن يبني نهضة اقتصادية وأن يجعل بلده من أهم بلدان العالم كما كان يحلم حيث اعتمدت سياسته في الاستثمار في الإنسان السنغافوري نفسه من خلال التعليم وتكثيف البعثات العلمية للخارج وتطوير المستوى الانساني والصناعي بمجملة شقت سنغافورة طريقها معتمدة على الثروة البشرية وذوي الكفاءات، رأى "لي كوان يو" أن لا نهضة اقتصادية إلا  في استثمار الفرد ذاته وتأهيله فوضعت مناهج علمية حديثة وركزت على بناء المعلم فهو القاعدة الأساسية لبناء الأجيال القادمة. يتعدى سكانها خمسة مليون ونصف نسمة مساحتها 2776 ميل مربع.         

البعض يرى أن تلك الجزيرة الصغيرة التي استطاعت أن تفرض نفسها بين عمالقة العالم وكل شيء يوحي إلى الرقي والتقدم، والفضل الكبير يعود على تلك القوانين الصارمة والحرص على تطبيقها ومعاقبة من يتجاوزها

       

أين أصبحت؟ أصبحت الآن رابع أهم مركز مالي في العالم وخامس أغنى دول العالم من حيث احتياطات العملة الصعبة، ثالث أكبر مصدر للعملة الأجنبية حيث يصل إلى سنغافورة خمسة مليون ونصف سائح سنوياً، بلغ معدل الدخل الفردي من النتاج القومي الإجمالي أربعة وستون ألف دولار في عام 2013م لتحلل سنغافورة الترتيب الثالث على مستوى العالم. معدل البطالة لا يصل إلى ثلاثة بالمائة وتعتبر المركز المالي والتكنولوجي الأول في المنطقة. أنظف مدينة في العالم جميلة المنظر طيبة الهواء فناطحات السحاب والمباني ذات الأشكال الهندسية الحديثة والراقية وشموخ النخيل والأشجار والحدائق الخضراء الجميلة تجعل منها جنة في الأرض.

      

يعتبر "لي كوان يو" أسطورة من سحر الماضي ومجد المستقبل استطاع "لي كوان يو" باني النهضة السنغافورية أن يخمد كل تلك النزاعات العرقية داخل البلد حيث وحد اللغة وجعل أولويات الوطن هي الأولى وطبقها على جميع الطبقات الدينية والعرقية وأن الوطن ملك الجميع.

     

هناك أنظمة غريبة جداً في سنغافورة أول ما سيمع القارئ تلك القوانين وعقوباتها يشعر بأمر غريب، ما أداء الحكومة إلى سن وفرض تلك القوانين والعقوبات هو قمة التخلف السابقة الذي كان الشعب عليها فكان لا يوجد احترام أو مبالاة للمال العام والمحافظة عليه وعدم التزام المواطنين بأنظمة البلد مما دفع الحكومة إلى سن تلك القوانين والعقوبات فيمنع أكل اللبان (العلك) وعدم البصق في الشارع أو رمي أي شيء كان، عدم عبور الشارع إلا من ممر الرجلين، مراقبة المرحاض والمحافظة على نظافته في الأماكن العامة وعلى هذه المخالفات غرامات مالية وسجن والبعض ضرب بالعصا. 

             
فالبعض يرى أن تلك الجزيرة الصغيرة التي استطاعت أن تفرض نفسها بين عمالقة العالم وكل شيء يوحي إلى الرقي والتقدم والنظام، الفضل الكبير يعود على تلك القوانين الصارمة والحرص على تطبيقها ومعاقبة من يتجاوزها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.