شعار قسم مدونات

مأساة اليمن.. انقلاب الحوثي أم عاصفة الحزم

مدونات - اليمن
في الشهور الأخيرة أصبح الكثيرون يرددون أن في اليمن مأساة إنسانية بسبب تفشي وباء الكوليرا وبسبب استمرار الحرب لمدة تقارب الثلاث أعوام، وأصبح هؤلاء يربطون بحسن نية أو بسوء نية بين عاصفة الحزم وبين هذه المأساة الإنسانية.

أرى أنه من الظلم والإجحاف تحميل عاصفة الحزم لوحدها وزر أزمة اليمن الإنسانية، ربما تكون عاصفة الحزم قد فاقمت أزمة اليمن فقط بسبب فرضها الحصار الاقتصادي على مناطق سيطرة الحوثيين وبسبب القصف الجوي شبه اليومي، لكن الأزمة الإنسانية اليمنية قديمة يتحمل مسؤوليتها تحالف المخلوع علي عبدالله صالح ومليشيات الحوثي.

لقد قامت مليشيات الحوثي بفرض حصار خانق على منطقة دماج في صعدة في عام 2014م، وفرضت على سكان هذه المنطقة من أتباع المذهب الجامي السلفي الرحيل بالقوة أي أنها قامت بجريمة تهجير طائفي، وقد تم هذا الأمر مع الأسف بإشراف ووساطة الحكومة اليمنية. ثم افتعلت المليشيات حربا طاحنة ضد أهل عمران، وفي ظل دعم عفاشي مطلق لها انتصرت على معارضيها في عمران، ثم كانت الكارثة في 21 سبتمبر عندما دخلت قوات الحوثي إلى صنعاء.

يفرض الحوثيين حصارا ظالما على منطقة تعز فقط لأنها لا تريدهم ولا تريد حكمهم الإمامي
يفرض الحوثيين حصارا ظالما على منطقة تعز فقط لأنها لا تريدهم ولا تريد حكمهم الإمامي "البالي" وتؤيد الجمهورية ومخرجات الحوار الوطني اليمني.

لم تراعي قوات الحوثي في خلال حروبها السابقة في اليمنيين إلّاً ولا ذمة، وبالتالي فإن متاجرة بعض مؤيدي إيران والحوثي وتباكيهم على الأزمة الإنسانية في اليمن وتبرئة الحوثيين من الأمر هو من باب النفاق خصوصا أن الحوثيين خلال الحرب الأخيرة قاموا بمحاصرة عدن ومحاولة اقتحامها وارتكبوا عدة مجازر أبشعها مذبحة التواهي.

وإلى يومنا هذا يفرض الحوثيين حصارا ظالما على منطقة تعز فقط لأنها لا تريدهم ولا تريد حكمهم الإمامي "البالي" وتؤيد الجمهورية ومخرجات الحوار الوطني اليمني. لم تمتلك مليشيات الحوثي الطائرات ولا البوارج التي استطاعت بها عاصفة الحزم فرض الحصار على المناطق اليمنية، ولو كانت تمتلك هذه المليشيات الإجرامية مثل هذه الأسلحة لكانت استخدمتها منذ زمن بعيد. لقد شاهد الجميع في الفترة التي تسبق عاصفة الحزم استخدام المليشيا الإرهابية الحوثية لسلاح الطيران لقصف قصر المعاشيق في عدن حيث كان يعتقد أن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي متواجدا ً فيه بعد هروبه "الدرامي" من صنعاء إلى عدن، ومن يستخدم سلاح الجو لقتل الرئيس "المنتخب" من قبل ملايين اليمنيين لن يمانع في قصف "الناخبين".

لا أستطيع تبرئة عاصفة الحزم وقوات التحالف العربي من أي انتهاكات قد تكون وقعت في اليمن وربما تكون هذه الانتهاكات ترقى لجرائم حرب خصوصا مع التقارير الحقوقية التي بدأت تتحدث عن قصف جوي عشوائي يستهدف سرادقات عزاء أو حفلات زواج ومدارس مكتظة بالطلاب لا مناطق عسكرية. ولا أستطيع تصديق كلام قيادة التحالف العربي أنهم يستهدفون مخازن الأسلحة لأنه وبعد ما يقارب الثلاث سنوات يفترض أن بنك أهداف التحالف العربي قد انتهى، ولو صدقنا أن منشآت مثل المستشفيات والمدارس فيها مخازن أسلحة فلن يكون لنا منطق أن ننتقد الغارات الإسرائلية التي تستهدف نفس المرافق في غزة بنفس حجة التحالف العربي وهو وجود مخازن أسلحة وصواريخ حمساوية.

سلوك بعض الدول العربية الموجودة في التحالف وخصوصا تلك المتهمة بإنشاء المعتقلات ومراكز الاحتجاز غير القانونية والتي بدأت في بناء قواعد عسكرية في اليمن سوف يضع قوات التحالف في مواجهة مع الشعب اليمني.
سلوك بعض الدول العربية الموجودة في التحالف وخصوصا تلك المتهمة بإنشاء المعتقلات ومراكز الاحتجاز غير القانونية والتي بدأت في بناء قواعد عسكرية في اليمن سوف يضع قوات التحالف في مواجهة مع الشعب اليمني.

الوضع الإنساني في المناطق المحررة من اليمن أيضا هو وضع سيئ وذلك بسبب وجود المليشيات التي لم تنتظم بعد في شكل جيش وطني رغم أن قيادة التحالف تسعى جاهدة لإنشاء هذا الجيش الذي سيكون سندا للشعب اليمن ودرعا جنوبيا للخليج.  هناك تقارير حقوقية تتمتع بمصداقية أصبحت تتحدث عن وجود سجون سرية ومعتقلات في اليمن يتم فيها اختطاف وتعذيب ممنهج لبعض الفئات المغضوب عليها من بعض دول التحالف العربي وهي الأفراد المنتمين لحزب الإصلاح أو أصحاب التوجه الإسلامي العام والجنوبيين (الوحدويين)، وتتحدث هذه التقارير عن خبراء تعذيب أجانب يشرفون على انتزاع الاعترافات من الضحايا وعن أن بعض هؤلاء المخطوفين مات تحت التعذيب دون أن يستطيع التواصل مع أهله، بل إن هناك تقارير تتحدث عن أن هناك معتقلين تم نقلهم إلى خارج اليمن حيث يتم تعذيبهم في قواعد عسكرية في دول إفريقية مجاورة لليمن.

يعتبر التعذيب في حد ذاته جريمة ضد الإنسانية.. فكيف هو الحال بأن تأتي قوات من دولة لتعذب مواطني دولة أخرى وقد بدأ متداول بين بعض الناشطين اليمنيين مصطلح احتلال لوصف تواجد قوات التحالف العربي خصوصا تلك التي تملك المعتقلات! لا أظن أن هناك أي دولة عربية جاءت إلى اليمن لتحتله فلقد جاءت الجيوش العربية إلى اليمن لمساعدة شعبه في 2015م، عندما سقطت الدولة اليمنية وسيطرت مليشيا مذهبية على عاصمة الدولة اليمنية فجاء التحالف العربي ليمنع الحرب المذهبية.

لكن سلوك بعض الدول العربية الموجودة في التحالف وخصوصا تلك المتهمة بإنشاء المعتقلات ومراكز الاحتجاز غير القانونية والتي بدأت في بناء قواعد عسكرية في اليمن سوف يصيب التحالف العربي بالشلل ويضع قوات التحالف في مواجهة مع الشعب اليمني. ربما تكون تقارير مراكز الاعتقال والقواعد العسكرية والسعي للسيطرة على الموانئ مبالغ فيها إعلاميا ومرتبطة بالأزمة الخليجية، ولكن عدم وجود نفي رسمي موثق بالأدلة من قبل قادة التحالف للصور التي تنشر عن بناء معتقلات وإنشاء مطارات بدون إذن الشرعية اليمنية يجعل التحالف على المحك.

كم هو كارثي أننا من بعد ما يقارب الثلاث سنوات نتساءل: أيهما المتسبب في المأساة الإنسانية لليمن التحالف العربي أم التحالف الانقلابي الحوثي الصالحي؟!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.