شعار قسم مدونات

وجدي غنيم بين تونس وتركيا

blogs - وجدي غنيم
كتبتُ في التدوينة السابقة التي كانت بعنوان تونس المساواة في الإرث فأين المساواة في الثروة؟ عن الفوضى التي أحدثها الرئيس التونسي الشيخ الهرِم الباجي قايد السبسي بمناسبة اليوم الوطني للمرأة التونسية؛ وذلك بقراره إجراء مساواةٍ في نصيب أصحاب الإرث سواء المرأة أو الرجل، وأن الله قال "لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ" والسبسي قال "وللذكر مثل حظ الأنثى الواحدة لا الأنثيين"، وذكرتُ أن الأمر لا يعدو أن يكون سياسة إلهاءٍ يستهدفُ بها كل شرائح المجتمع التونسي سواء عامة الناس أو من يوصفون بأنهم حَداثيُّون وتنويريُّون..

ويبدو أن خطة الشيخ نجحتْ نجاحًا باهرًا، فقد بلغَنا أن الداعية المصري المقيم في تركيا الشيخ وجدي غنيم تكلَّم كلاما قاسيا نوعا ما على الإجراء الذي قرر السبسي اتخاذه، وأعلن حربًا حامية الوطيس على علمانيِّي تونس ومن يساندهم في الوطن العربي، وظهر فيديو الشيخ وجدي غنيم وبلغ الآفاق حتى وصل الخبر إلى أعلى سلطة في تونس وقررت الخارجية استدعاء السفير التركي لديها للاحتجاج على تصريحات الداعية المصري المقيم في تركيا! 

قانونيًّا وحسب المختصين والمحللين فإن هذا إجراء صحيح ومكفول في القوانين الدولية، ولكن لي عدة ملاحظات أود تسجيلها في كل ما جرى:

أرجو من العلمانيين العرب المؤمنين إيمانًا جازمًا بحب الأوطان والمقدِّسين لمفهوم الوطنية أن يبحثوا في الحدائق الخلفية لقصورهم الرئاسية فإنهم سيجدون حتمًا أن الآمر الناهي هو رجلٌ أشقر من باريس أو لندن أو واشنطن

1- أولا أرفع القبعة اعترافًا بنجاح الرئيس التونسي في إبعاد أنظار الناس كل الناس -إسلامييهم وعلمانييهم وحداثييهم وما بعد حداثييهم وحتى جهادييهم وانتحارييهم- إبعادهم عن المطالبة بإصلاح النظام الفاسد، وإبعادهم عن مراقبة نهب الثروات الوطنية وعن المطالبة باسترجاع السيادة وإلغاء التبعية لباريس والتي تعاني منها دول الشمال الإفريقي، فالشعب حاليًّا ينتظر أن يموت لهم ميتٌ حتى يطبِّقَ بعضهم قولَ الله ويطبق الآخرون قول السبسي، إنه نجاح باهر.

2- طريقة رد الشيخ وجدي غنيم على علمانيي تونس غير موفَّقة، ويبدو أن إخوان مصر لم ولن يتعلموا من أخطائهم، ألا يدري وجدي غنيم أن خروجه من مصر كان بسبب سياسات الإخوان الاستعدائية؟ ألا يعلم أننا نعيش تحت منظومة قمعية تتشكل من عدة أجهزة بينها الجهاز الإعلامي والعسكري والديني الرسمي وغيرها؟ وأن قراءة هذا الواقع المرير تحتاج رزانةً وحكمةً وأن رَدَّات الفعل غير المسؤولة تُتنج استقطابا حادًّا لا يأتي بخير لا لجماعة الإخوان ولا للأمة التي يعملون من أجلها؟ يبدو أن لعبة السياسة لم تُخلَقْ لأصحابنا هؤلاء!

3- إقحام تركيا في الأزمة له عدة تفسيرات من بينها: أن العلمانية العربية تعترف على مضضٍ بقوة تركيا الإسلامية وأنها لاعب قوي لا يمكن التغافل عنه، بل يجب أن يُحسَبَ له ألف حساب في كل القضايا الشائكة، والأمر الثاني أن بعض رموز الإخوان المقيمين بتركيا -أقول: بعض- قد يسببون لها حرجًا بسبب مواقفهم غير المدروسة، ومن المتوقع فعلا أن تقرر تركيا مطالبة بعضهم بالخروج من أراضيها، وهذا حقٌّ يجب الاعتراف به لأن مسيرة تركيا تتطلب التنازل عن بعض الأمور الجزئية لتحصيل مصالح أكبر منها، وهذا التصرف يدركه حُذَّاق السياسة كما يعرفه جيدا الباحثون في مقاصد الشريعة والعارفون بروحها وأسرارها، وأظن من بينهم شيوخ الإخوان المسلمين وطلابهم في الدراسات الشرعية.

أرجو من العلمانيين العرب المؤمنين إيمانًا جازمًا بحب الأوطان والمقدِّسين لمفهوم الوطنية أن يبحثوا في الحدائق الخلفية لقصورهم الرئاسية فإنهم سيجدون حتمًا أن الآمر الناهي إنما هو رجلٌ أشقر من باريس أو لندن أو واشنطن، وأن الوطنية التي يزعمون الدفاع عنها لا تحمل أي قيمة مستوحاة من تاريخ أوطانهم ولا من ثقافاتهم أو حتى أساطيرهم، لأنهم لحد الآن مستعمَرون ثقافيًّا وسياسيًّا، ثرواتهم الوطنية تذهب نسبة كبيرة منها إلى الاحتلال الفرنسي البريطاني الأمريكي -بوجهه الاقتصادي-، وأن لغاتهم الوطنية تتلاشى أمام اللغات الأجنبية، وأن موروثاتهم الشعبية تتضاءل في مقابل توحُّش العولمة والأمركة في عُقر ديارهم، فليس لهم من الوطنية إلا الاسم ولا من أوطانهم إلا بطاقات الهُويَّة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.