شعار قسم مدونات

الفيسبوك ليس مجاني كما تعتقد

مدونات - الفيسبوك

هل فكرت يوماً لماذا تطلب التطبيقات التي تقوم بتحميلها بياناتك الشخصية؟ وإمكانية الدخول واستخدام معلومات الاتصال وبريدك الإلكتروني؟ أو كيف يمكن لمحل تجاري كنت تبحث عنه في جوجل أن يظهر أمامك على المستجدات في الفيسبوك؟ إن قيامك بالضغط على زر "لايك" أو مشاركة قد يكون سهلاً ولكنك بذلك تدفع للفيسبوك بضع قروش ودولارات وذلك لأن الفيسبوك سوف يقوم باسترداد هذه القيمة من الشركات المروجة والتي بدورها تستفيد من خلال قيامك بالشراء منها أو استخدام الخدمات التي تقدمها، ليس ذلك فقط بل يقوم الفيسبوك بجمع بياناتك، فحسب تقرير "صعود رأس مال البيانات" والذي أعده معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) بالتعاون مع شركة أوراكل: "البيانات الآن نوع جديد من رأس المال، وهي على نفس مستوى رأس المال بما يتعلق بتوليد منتجات وخدمات رقمية جديدة".

يدعو التقرير جميع الشركات إلى أن تحذو حذو شركات مثل أمازون وجوجل وأوبر في استثمارها في خوارزميات تستخدم البيانات الضخمة للتنبؤ بالسلوكيات الشرائية وتخطيط استراتيجياتها التسويقية. حيث أن سماحك لمختلف التطبيقات بالولوج لبياناتك الشخصية وقائمة اتصالاتك وبريدك الإلكتروني يتيح لهم جمع المعلومات عنك وعن آخرين من دائرة معارفك ولا تكتفي هذه المنصات باستخدام هذه البيانات بل تقوم ببيعها لجهة ثالثة كي تقوم باستخدامها وتزويد الشركات والمحلات التجارية في محيطك باستغلالها لأغراض تسويقية.

وقد تتنبأ هذه الخورازميات بالسلع التي قد تحتاجها في المستقبل بناءً على دراسة أنماط الاستهلاك والشراء لديك حالياً أو بسبب المشاكل الصحية التي تعاني منها أو قد تعاني منها بناءً على دراسة أنماطك السلوكية. فلا تتعجب أن يقترح عليك الفيسبوك مستقبلاً صفحات لنوادي رياضية أو دواء لتخفيف الوزن بعد أن قمت بمشاركة موقعك في محلات الوجبات السريعة والحلويات لفترة من الزمن.

أصبح بإمكاننا أن نتسوق ونرى البضائع معروضة أمامنا والتي يتم ترويجها من قبل المؤثرين الذين يوهموننا برغد العيش وكيف أن بنطال من إحدى الماركات المعروفة على سبيل المثال قد يغير حياتنا ويجعلنا أقل تعاسة.

وهناك شركات متخصصة في استخدام هذه البيانات وتحليلها وبيعها للشركات ومنها (EXperia)  وهو موقع متخصص بجمع وتحليل البيانات الشخصية المبنية على أحداث الحياة كالزواج وولادة طفل جديد أو الطلاق وغيرها من الأحداث الاجتماعية التي قد تتطلب منا شراء سلع جديدة أو استخدام منتجات معينة، وهناك أيضا (Datalogic) والذي يهتم بالمعلومات الصحية والتنقلات وكذلك معلومات التأمين الخاصة بالمستهلكين ويقوم بتحليلها وبيعها للجهات المهتمة من الشركات والمؤسسات.

من المنصات التي تستخدم هذه البيانات لصالح الشركات التجارية هي منصة الفيسبوك، هذه المنصة التي انطلقت منذ 2006 للعالم خارج أسوار الجامعات والمؤسسات التعليمية وأصبحت أكثر انتشاراً في فلسطين بعد انطلاق الثورة المصرية، حتى أنه في تلك الفترة سمحت جامعة بيرزيت لطلابها بتصفح الموقع في مختبرات الجامعة بعد أن كان من المواقع المحظورة، تحول الفيسبوك من كونه موقع للتسلية ومشاركة المعلومات والصور الشخصية بين الشباب إلى قاعدة انطلقت منها الثورات والتنظيمات وأصبح ملجأ للتعبير عن الآراء السياسة بجرأة دون خوف أو قلق وفرصة للشركات لتسويق بضائعها وخدماتها، لذلك أصبحت صفحاتنا مكتظة بالصفحات الترويجية لمحال وعلامات تجارية وعروض تقدم لنا مختلف الخدمات والسلع.

أصبح الناس اليوم أكثر اعتماداً على هذه المنصة التي تعكس واقع مجتمعاتنا، حيث بتنا نرى الانتفاضات الإلكترونية والهاشتاج الذي ينادي بتحرير فلسطين والأقصى، ولم يغب وجود الاحتلال الإسرائيلي عن هذه المنصة فامتلأت صفحات مثل المنسق وافيخاي ادرعي وغيرها والتي لاقت تهافت وتفاعل كبير من الجانب الفلسطيني. إلى جانب الأحداث السياسية والصفحات الإخبارية والصفحات التجارية أصبح الفيسبوك مكاناً لفض الخلافات العائلية ونشر العبر والأحاديث الدينية، كما أتاح لنا الموقع إمكانية التنقل بين رفوف المحلات التجارية ونوافذ البيع دون بذل أي مجهود ونحن جالسين في بيوتنا مما لعب دوراً كبيراً في تغيير أنماط الشراء لدينا.

undefined

فقبل فترة ليست بالطويلة كنا نحتاج أن نبذل وقتاً وجهداً لشراء ما نحتاج وكان لا بد لنا من الذهاب إلى السوق تحت الظروف الجوية المختلفة مما جعل التسوق في كثير من الأحيان عملية صعبة وغير مستحبة وتتطلب الكثير من الجهد واستعراض البضائع واتخاذ قرار الشراء، عملية كانت تحتاج أن نخصص لها وقتاً من يومنا وإن كان بغرض شراء قطعة واحدة فقط. لذا كان من السهل علينا أن نحتفظ بأموالنا وأن لا نقوم باستهلاك ما لا يلزمنا على مبدأ "البعيد عن العين بعيد عن القلب"، ولكن مع التطور الحاصل في حياتنا اليوم ومع التقدم التكنولوجي الكبير أصبح السوق بين أيدينا، أصبح بإمكاننا أن نتسوق ونرى البضائع معروضة أمامنا والتي يتم ترويجها من قبل المؤثرين الذين يوهموننا برغد العيش وكيف أن بنطال من إحدى الماركات المعروفة على سبيل المثال قد يغير حياتنا ويجعلنا أقل تعاسة.

تواجد الفيسبوك في حياتنا أمراً لا مفر منه ولكن لا بد من ضبط أنماط الشراء لدينا وأن نكون أكثر وعيا بضرورة التأكد من مدى مصداقية العروض والحملات التي نتعرض لها يومياً.

أصبحت العلامات التجارية أقرب إلى المستخدمين وذلك لأنها تستخدم بياناتهم الشخصية لاستهدافهم. فعلى سبيل المثال قد يستغل الفيسبوك الحدث الجديد في حياتك بالزواج أو الانتقال لبيت جديد للترويج لصفحات شراء الأثاث والأدوات الكهربائية وتذكيرك بما تحتاجه أو قد تحتاجه وأصبحت هذه الخوارزميات أكثر ذكاء. فيسبوك مثلًا وظفت معلومة تحديد عائلتك من أصدقائك حتى تمكّن المعلنين من استهداف عائلة بأكملها، كون العائلة مجموعة مؤثرة على قرارات الفرد.

خلقت هذه المنصة وغيرها من تطبيقات التواصل فرص عمل جديدة في السوق الفلسطيني وأدى لازدياد الثقة بالتجارة الإلكترونية وتهافت المجتمع الفلسطيني على الشراء أونلاين واستغلال هذه الظاهرة لتوفير الوقت والجهد خاصة من قبل الفئات التي تعيش في المناطق البعيدة عن المدن وعن أماكن تواجد المحال التجارية، وبالتالي اتساع الشريحة المستهدفة وتحقيق ربح أكبر للشركات والعلامات التجارية وأصبحت هذه الإعلانات تلاحق المستخدمين لتجدهم في كل مكان وفي جميع التطبيقات التي تستخدمها، وكأن استخدام هذه التطبيقات مشروط بتعرضك للكثير من الإعلانات والتي تختلف طرق عرضها ومدى تكرارها، ولكن من المؤكد أنها تلعب دوراً هاماً في قراراتك الشرائية والاستهلاكية فستجد هذه الإعلانات تطاردك عند تصفحك المواقع المختلفة أو مشاهدة فيديو معين أو سماع أغنية.

إن تواجد الفيسبوك في حياتنا أمراً لا مفر منه ولكن لا بد من ضبط أنماط الشراء لدينا وأن نكون أكثر وعيا بضرورة التأكد من مدى مصداقية العروض والحملات التي نتعرض لها يومياً، وكذلك الحذر من استخدام بيانات بطاقات الدفع الإلكترونية ومشاركة بياناتنا الشخصية خاصة مع غياب التشريعات الحكومية وحماية الخصوصية في بلادنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.