شعار قسم مدونات

معوقات التعليم في مصر "المدرسة الإبتدائية"

blogs--
العالم يسير في ركب التكنولوجيا وأطفال العالم يستخدمون الكمبيوتر والألواح الإلكترونية في المراحل الأولى من التعليم الابتدائي، ويمارسون هواياتهم وألعابهم على هذه الأدوات.
 

لكن في مصر، فحتى مجرد تعليم القراءة والكتابة فشلت فيه المدرسة الابتدائية، بنسب متفاوتة من بيئة إلى بيئة ومن مكان إلى مكان، ولعلك تعجب حين تسمع خطابا لوزير أو قاضي كله أخطاء نحوية. ولا ننسى التسريب (الهروب من المدرسة) الذي يتم بين الطلاب في المراحل الابتدائية، ومن أسباب التسريب الأساسية عدم قدرة المدرسة على جذب اهتمام الطلاب، فالمدرسة لم تف بأية احتياجات للطالب ولم تلبي رغباته.


كتلة أسمنتية

المدرسة في مصر كمبنى عبارة عن كتلة اسمنتية قبيحة الشكل، ليس به فناء مناسب لعدد الطلاب ولا ملاعب رياضية لممارسة الأنواع المختلفة من الرياضات، ولا متخصصين لاكتشاف المواهب الرياضية والفنية. في الحقيقة المدرسة في مصر ليس بها حمامات نظيفة أو كافية لعدد الطلاب.

ليس بالمدرسة مسرح ولا حجرات لتعليم الموسيقى والرقص، ولا وجود لحجرات الفنون التشكيلية والرسم والنحت. المدرسة عبارة عن حجرات تسمى فصول للدراسة، وداخل كل فصل عدد كثيف من الطلاب يتجاوز المائة في بعض الفصول.


المدرس

وفي الفصل يوجد مدرس عليه أن يسكت هذا الكم من الطلاب ويخرس كل الألسنة بشتى الوسائل من الضرب والقهر والتوبيخ والتسلية والترفيه وكل المتناقضات داخل الفصل، من يشكو من فقدان أشيائه، ومن يشكو من ضرب زميل له، ومنهم من لا يستطيع الوقوف، ومنهم من لم يأخذ راحته في جلسته، ومنهم من يتذمر من حرارة الطقس أو من برودته، ومنهم -دون مبالغة- من يتنفس بصعوبة. صداع لا ينتهي… هذا يبكي وهذا يصرخ.. والتهوية قليلة.

لا تعليم داخل الفصل أو خارج الفصل وإنما هو تحايل يتم قانونيا بمساعدة إدارة المدرسة وبترحيب من الإدارة التعليمية ومن الإدارة نفسها.

لك الله أيها المدرس في هذا الجو الكئيب، إن صافي مرتبك لا يستطيع أن يشتري دواءً لعلاجك. ولعل أمراض ارتفاع ضغط الدم وأمراض المرارة وأمراض الصدر تتصدر قائمة الأمراض التي يصاب بها المعلم!

على المدرس أن يسيطر على هذا الفصل وان يبين من خلاله الشخصية الديكتاتورية المسيطرة على هذا الكم. هو يمارس نوعا من أنواع الاستبداد دون أن يقصد، فهو يقهر تلاميذه بالضبط كما يضبط القائد جنوده وكما يقهر الرئيس شعبه. وهذا هو الأسلوب الأمثل بالنسبة له، وهذا هو الحل الأوحد. كيف يمكن أن تفكر في حلول أخرى في ظل هذا المناخ السيء؟!

 

الدروس الخصوصية والمجموعات المدرسية

والمدرس لا ينظر إلى مرتبه بقدر ما ينظر إلى كم الدروس الخصوصية التي سينالها من هذا العدد الذي تمثله هذه الكتلة الكثيفة من الطلاب. هو يتحايل بشتى الطرق لكي يكون أكبر عدد من هؤلاء الطلاب في دروس خصوصية عنده أو مجموعات مدرسية تعطى داخل الفصول وفي نفس أوقات العمل الرسمية. أذكر أن كثيرا من المدرسين والمدرسات في المرحلة الابتدائية كانوا يأمرون الطلاب الذين لا يحصلون على دروس خصوصية بالنوم في الفصل وهم جالسون أو الذهاب إلى الحوش لحين الانتهاء من إعطاء باقي الفصل مجموعات مدرسية داخل المدرسة!

 

وفي المجموعات المدرسية المدرس لا يعطي أكثر مما قاله في الحصة إن كان قد قال فيها شيئا يذكر. لا تعليم داخل الفصل أو خارج الفصل وإنما هو تحايل يتم قانونيا بمساعدة إدارة المدرسة وبترحيب من الإدارة التعليمية ومن الإدارة نفسها.



يشعر ولي الأمر دائما بأن العملية التعليمية هي مجرد عملية نصب وينظر إلى المدرس على أنه محتال
يشعر ولي الأمر دائما بأن العملية التعليمية هي مجرد عملية نصب وينظر إلى المدرس على أنه محتال
 

بيزنس المجموعات المدرسية

وربما تعجب حين تعلم أن نصيب الإدارة التعليمية من المجموعات المدرسية يفوق ما يحصل عليه المدرس نفسه وأن هذه النسبة تذهب إلى مديري الإدارات التعليمية والإداريين، والنسبة الكبرة منها لوكلاء الوزارة وللوزير نفسه، حيث أن الوزير ووكلاء الوزارة لهم نصيب في كل كبيرة وصغيرة.

المدرس عينه على جيب أولياء الأمور ومدير المدرسة والإداريون عينهم على جيب المدرس ووكلاء الوزارة والوزير عينهم على نسبتهم من الدروس الخصوصية تماما كما يتم في إدارة الدولة، فكل رئيس لمصلحة حكومية يتقاسم ما يحصل عليه الموظفون من أموال الشعب، ويصل الأمر إلى نسبة مخصصة للوزير، كل وزير حسب وزارته، والضحية هي الشعب المقهور. كذلك الحال في الفصل، الضحية هو ولي الأمر، يدفع في الغالب دون أن يحصل على مقابل، فلا تربية ولا تعليم.

 

ولي الأمر يشعر بأن العملية التعليمية هي مجرد عملية نصب وينظر إلى المدرس على أنه محتال. ضاعت شخصية المدرس ووصل الحد إلى تطاول بعض أولياء الأمور على المعلمين في ظل عدم الاهتمام بكرامة المعلم من جانب الوزير نفسه. أهان المعلم فأهانه أولياء الأمور، وقبل المعلم بذلك نظرا لحاجاته المادية.


ليس كل المعلمين يتعاملون بأسلوب قذر، وليس كل المعلمين شرفاء، وكم من معلم أخلص في عمله وتحدى كل الصعوبات ورضي بالقليل، وعامل تلاميذه بضمير واعتبرهم جميعا أبناءه، وكم من معلم استخدم أسلوب الضرب المبرح ضد ابني وابنك، وكم منهم فقأ عين تلميذ أو كسر يده أو سبب له ألما شديدا نتيجة للعقاب الشديد، وكم من مدرس أهين من أولياء الأمور واعتدي عليه بالضرب وحررت له قضايا وتخلت عنه الوزارة، بل أدانته ووقفت في صف ولي الأمر حتى ولو كان المعلم مظلوما.

 

ويلجأ ولي الأمر مضطراً إلى البعد عن المدارس الحكومية والاتجاه إلى التعليم الخاص، وليس حال المدارس الخاصة بأفضل من التعليم الحكومي ولكل مشكلاته وعيوبه. وسوف نتناول عيوب التعليم في مصر تباعا في مقالات قادمة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.