شعار قسم مدونات

مقاولة إنشاء حياة سياسية بدون سياسة

مدونات - السيسي
يُحكي أن أحد المساطيل قابل شيخاً في الطريق فسأله قائلاً "يا مولانا هو ينفع الواحد يصلي من غير وضوء؟"، فأجابه الشيخ "لا يابني ما ينفعش طبعاً"، فرد عليه المسطول "طيب أنا عملتها امبارح ونفعت"، كنت أظن وأنا صغير أن هذه نكتة تم تأليفها للتندر على مدخني الحشيش، ولكن فيما بعد أدركت أنها ملخص لما يدور في مصر منذ عشرات السنين، فكما ظن ذلك المسطول مغيب العقل أن قيامه وركوعه وسجوده دون وضوء -وهو شرط لإتمام الصلاة -يُعد صلاةً صحيحة، وذلك لأنه "يُمثل" حركات المصلين، وهكذا يظنُ من يديرون مصر، فهم يُمثلون أنهم منتخبين وأنهم يقدمون خدمات للمواطنين ويحمونهم ويسهرون على أمورهم، وهم أبعد ما يكون عن ذلك، بل أنهم صاروا يُمثلون الاستياء من الحياة السياسية وضعف الأحزاب والقوى والمؤسسات التي صادروها واحتكروها ونكلوا بكل من اقترب منها.

"لا يوجد في الوقت الحالي أي حزب سياسي في مصر يستطيع أن يدعي أنه يتمتع بقاعدة شعبية واسعة ومؤثرة وحقيقية، أو يمارس دوره المنوط به بالكفاءة المطلوبة في التثقيف والتوعية المهنية والسياسية لبناء كوادر تستطيع على المدى المتوسط والطويل أن تمتلك خبرات سياسية متراكمة تجعلها قادرة على ممارسة الأداء النيابي بمنتهى الإبداع والإتقان" هكذا كتب العميد محمد سمير، المتحدث السابق باسم القوات المسلحة، في إحدى خواطره المنشورة بموقع اليوم السابع، لسان النظام الحاكم، ولعل من يقرأ تلك الكلمات يظن -وليس كل الظن اثم- أن كاتبها يعيش في عالم أخر غير الذي نعيش فيه، وخاصة وإنه أحد أبناء المؤسسة التي استحوذت على الحياة السياسية في مصر منذ 65 عاماً، ولم تترك أي قوة سياسية أو تنظيم سياسي مستقل عن سطوتها إلا وطحنته طحناً ونكلت بأعضائه وكوادره وقياداته.

ألم يخبر أحد سيادة المتحدث السابق أن السجون تمتلئ بعشرات الشباب الذين كانت جريمتهم الوحيدة هي ممارسة السياسة بكل سلمية؟، ألم يخبره بأن أمين تنظيم الحزب الديمقراطي الاجتماعي، إسلام فكري، محبوس بتهمة الانضمام لجماعة إرهابية؟، ألم يخبره أحد بأن هناك العشرات يقبعون في غياهب سجون النظام من أعضاء أحزاب العيش والحرية، والدستور، والتحالف الشعبي الاشتراكي، والديمقراطي الاجتماعي، والكرامة، وغيرها؟، ألم يقرأ ولو خبراً عن المئات من الشباب الذين تم التنكيل بهم والحكم عليهم بضياع سنين من أعمارهم، وغرامات طائلة كسرت ظهور ذويهم وأصدقائهم فقط لاعتراضهم سلمياً على ما قيام السيسي بالتنازل عن قطعة من أرض مصر؟

ألم يعرف المتحدث السابق باسم القوات المسلحة بأن تلك القوات تقوم بمحاصرة أي حزب يتجرأ بعقد مؤتمر أو فاعلية سياسية؟، ألم يُشاهد قوات الأمن مصحوبة بمعاونيهم من البلطجية وهم ينكلون بالمتظاهرين سلمياً؟
ألم يعرف المتحدث السابق باسم القوات المسلحة بأن تلك القوات تقوم بمحاصرة أي حزب يتجرأ بعقد مؤتمر أو فاعلية سياسية؟، ألم يُشاهد قوات الأمن مصحوبة بمعاونيهم من البلطجية وهم ينكلون بالمتظاهرين سلمياً؟

ألم يعرف بأن قوات الأمن تمنع أي مظهر من مظاهر العمل الحزبي حتى أنها منعت مؤتمراً لأحد نواب البرلمان؟، ألم يعرف بأن تلك القوات تقوم بمحاصرة أي حزب يتجرأ بعقد مؤتمر أو فاعلية سياسية؟، ألم يُشاهد قوات الأمن مصحوبة بمعاونيهم من البلطجية وهم ينكلون بالمتظاهرين سلمياً عشرات المرات منذ تولي السيسي منصب الرئاسة؟، إلا يعرف أن مهمة توزيع ورقة أو لصق منشور أصبحت مهمة انتحارية بعد القبض على المئات بتهمة حيازة ورقة أو ملصق؟، ألم يُشاهد شيماء الصباغ وهي تُقتل أمام الناس برصاص ضابط شرطة لحملها وردة؟ ألم يسمع من قبل عن بيبو ابنها الذي حرموه من امه لأنها أقدمت على الوقوف في فاعلية سلمية؟ وماذا عن علاء عبد الفتاح وغيره المئات الذين تضيع أعمارهم فقط لاهتمامهم بالسياسة؟، ألم يسمع من قبل عن اسلام الحضري؟ اذاً سأخبرك به يا سيادة العميد.

كان إسلام الحضري أحد الشباب الفاعلين سياسياً في مصر لسنوات طويلة، كان من الشباب الطاهر -كما تسمونهم- الذين خرجوا للإطاحة بالديكتاتور حسني مبارك، وعمل لسنوات في خدمة هذا البلد دون أي مقابل ولا منصب، كان صاحب العشرات من التصميمات واللوجوهات والحملات الانتخابية والحزبية التي تعترف بها الدولة، وبعد أن أطل علينا السيسي برأسه رئيساً وصادر الحياة السياسية بأكملها، انقطع نهائياً عن السياسة وعن أي عمل يقترب منها -بالرغم من أن ذلك حقه المشروع -وتفرغ لإعالة زوجته وابنه الرضيع، حتى قام أصدقائك من قوات الأمن باعتقاله هو ونائل حسن وعدد كبير من الشباب دون أي ذنب ولا جُرم، وحرمتموه من طفله وزوجته تحت تهم ملفقة مثلهم مثل آلاف غيرهم تمتلئ بهم سجون سيادة الجنرال، فعن أي حياة سياسية تتحدث؟

إن سؤال المتحدث السابق عن الأحزاب والحياة السياسية لأمر مضحك بالرغم مما يحمله من مرارة، ولكن المضحك أكثر هو مطالبته "لأجهزة الاختصاص في الدولة بحث كيفية تذليل العقبات وإزالة العراقيل، التي تحول دون الوصول إلى توفير البيئة الملائمة التي تسمح بنمو وازدهار الحياة الحزبية القوية في كل ربوع بلادنا المحروسة"، فماذا ستفعل "الأجهزة" بعد أن شكلت أحزاباً وبرلماناً وحكومة ومسؤولين؟، هي تلك التي لا يرضى عنهم سيادته، إذاً لم يبقِ إلا أن يتم طرح مقاولة إنشاء حياة سياسية دون سياسة وإسنادها للهيئة الهندسية للقوات المسلحة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.