شعار قسم مدونات

نوبل للسلام لمن يقتلون السلام!

blogs أونغ سان سو تشي

حالة عدائية عاشها العالم (ومازال)، وحواجز وهمية شيدت مع مفاهيم الحب والحياة والسلام، حتى شاعت ثقافة القتل والتحريض وبث خطاب الكراهية، ناسين أو متناسين، أن الله هو السلام. في خضم حالة العبث بالأرواح وفوضى القتل والقهر اليومي، وعلو أزيز الموت على موسيقي الحياة كانت (جائزة نوبل للسلام) إحدى الجوائز الخمسة التي أوصى بها ألفرد نوبل ليكفر عن خطيئته بعد اكتشافه لمادة الديناميت التي كانت وقوداً للحروب وتسببت بقتل الملايين من البشر حول العالم.

كان باعتقادنا أن هذه الجائزة لن تتماهى مع مشاهد القتل اليومي، وأنها ستأخذ على عاتقها مسؤولية نشر معاني السلام للبشر، كل البشر، على اختلاف أعراقهم وألوانهم ودياناتهم، وأنها ستحيي في نفوسنا شعار "لا حياة دون سلام". أن تكون رسالتها تبحث عن الحياة في ثنايا اليأس والإحباط، تعظم الايجابية وتنبذ الأفكار السلبية، تسبر أغوار الذات لتجمع شتاتها وترمم ما لحق بها من نكسات.

فالجدير أن السلام بقاموسها ليس مجرد كلمة عابرة، بل هو أساسٌ الحياة، وركيزةٌ حياة الشعوب، بانعدامه تتلاشى أسباب الرخاء، وتتراجع كل فرص الحياة، ويعدو العالم أسوداً يسوده الدمار والقتل والحرب وسفك الدماء. اعتقدنا أنها الساعية لتعلو ضحكات الأطفال على بكائهم، وأن لا يضلوا طريق حدائقهم إلى مقابر، وأن لا تنقلب أهازيج الحياة إلى حداء، فهي الباحثة والمفتشة عن الساعين الى حياة ملؤها الحب والسلام.

"سان سو تشي" التزمت الصمت ولم تحرك أي ساكن منذ أحداث الشغب في ولاية أراكان من قتل وتهجير ضد مسلمي الروهينغيا عام 2012، وكانت ردة فعلها تجاه ما يحدث لهم بأن شأن المسلمين قد تعاظم في البلاد ويجب الحد منه
 

وفي مثال على ازدواجية المعايير الدولية تجاه تعريف السلام والإنسانية، ما شهدناه قبل سنوات من تحرك واستنفار الأمم المتحدة لحماية تمثال بوذا الذي أرادت حركة طالبان في أفغانستان هدمه، فيما هي ذاتها الأمم المتحدة تقف الآن صامتة تجاه ما يجري من قتل لآلاف البشر في بورما لا لذنب إلا أنهم مسلمون تمارس بحقهم أبشع حملات التطهير العرقي على أيدي أتباع ذلك التمثال من البوذيين.

وكعادة البشر بما يحملون من فضول ليتعرفوا على ملامح حامل لقب جائزة نوبل للسلام، نرى بعضهم يمتلكون ذات تقاسيم الوجه البشري، ولكن مع عينان تحملان الكثير من الخطايا، وشفتان تقطران دماً، فأحداث بورما وبالتحديد أراكان وما حلّ بمسلمي الروهينغيا ليس ببعيد، بل ما زلنا نتعايش مع مشاهد القتل والتعذيب والقهر والذل بكل أنواعه، فماذا لو علمنا أن المسبب والمحرض لكل ما نراه هي من مالكي جائزة نوبل للسلام.

"أون سان سو تشي" التي تشغل منصب مستشار الدولة في "ميانمار" أي بمثابة رئيس الوزراء، حصلت على جائزة نوبل للسلام سنة 1991م من أجل دعمها للنضال اللاعنفوي، فعن أي سلام يتحدثون وماهي المعايير الحقيقة للسلام بقاموسهم؟! "سان سو تشي" التزمت الصمت ولم تحرك أي ساكن منذ أحداث الشغب في ولاية أراكان من قتل وتهجير ضد مسلمي الروهينغيا عام 2012، وحمل موقفها حالة من اللامبالاة باعتبارها أنها لا تعلم إن كان الروهينغيا من أصول بورمية أم لا، وكانت ردة فعلها تجاه ما يحدث لهم ضمن وتيرة رؤيتهم بأن شأن المسلمين قد تعاظم في البلاد ويجب الحد منه وتقليصه. "سان سو تشي" كانت أيضا أعربت عن استياءها من مقابلة أجرتها معها "مشعل حسين" من وكالة البي بي سي وذلك لأن ديانة مشعل الإسلام ليس إلا !

ما يحدث للروهينغيا اليوم من تهجير وقتل وسلب للحقوق ومشاهد يومية دامية لا تحتملها القدرة البشرية ولا الفطرة الإنسانية، سيظل وصمة عار على جبين المجتمع الدولي، لا سيما وأن من يقوم بهذه الأفعال الإجرامية، أو على الأقل من يملك السلطة في ميانمار ويقبل ويؤيد كل ما يحدث فيها من جرائم ضد المسلمين، هو بعيد كل البعد عن أي معانٍ للسلام، بعيد عن أي معاني للفطرة البشرية وما تحمل من رحمة وشفقة، فكل البشر بعيدا عن الديانة والاعتقاد والمعتقدات والعادات والتقاليد يجمعنا سمت الفطرة السليمة وشيء من الرحمة فيما بيننا. 

عن أي سلام يتحدثون، وما هي الرسالة التي تبعث بها جائزة نوبل للسلام عندما يتلطخ سجلها بأسماء مجرمي حرب لن ينسى التاريخ ما ارتكبوه من جرائم قتل بحق الآلاف من البشر؟!

وليس بعيداً عن "سوشي" كان هنري كيسنجر الملقب ب "الشيطان الملائكي" مستشار الأمن القومي الامريكي عام 1969، نال جائزة نوبل للسلام في ذات العام، رغم كونه المخطط الأول للحرب على فيتنام والتي كانت جريمة بحق الشعب الفيتنامي راح ضحيتها مئات ألالاف من الفيتناميين . كما أن إسحاق رابين "إسطورة السلام المزيفة" ، وهو القاتل والمشرد والممارس لكل أساليب العنف والاضطهاد والسلب ضد الشعب الفلسطيني كان أيضا ممن نال جائزة نوبل للسلام، وسبقه في ذلك مناحيم بيجن زعيم مجموعة الأرجون الصهيونية التي ارتكبت العديد من المجاز عام 1948 وعلى رأسها مجزرة دير ياسين، ليكافأ بعدها عام 1977 بحصوله على جائزة نوبل للسلام بالتشارك مع الرئيس المصري السادات بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد للسلام.

أما شمعون بيريز الذي ارتكبت خلال فترة توليه رئاسة وزراء الكيان الصهيوني عام 1996 عدة مجازر مفجعة خلال العدوان على جنوب لبنان كان أبرزها مجزرة قانا التي راح ضحيتها حوالي 105 لبنانيين وأصيب 150 شخص آخرين، إثر قصف الطيران الإسرائيلي تجمعاً للاجئين في أحد مراكز الأمم المتحدة، وسبق ذلك عدة جرائم ارتكبها خلال توليه وزارة الحرب الصهيونية عام 1975، ورئيساً للوزراء عام 1984 فيما كرم لاحقاً بجائزة نوبل للسلام عام 1994.

فعن أي سلام يتحدثون، وما هي الرسالة التي تبعث بها جائزة نوبل للسلام عندما يتلطخ سجلها بأسماء مجرمي حرب لن ينسى التاريخ ما ارتكبوه من جرائم قتل بحق الآلاف من البشر، أم أن مفهوم البشرية والإنسانية له معان أخرى عندما يتعلق الأمر بالعرب والمسلمين، سؤال برسم الإجابة؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.