شعار قسم مدونات

كيف غيّر النص البرمجي العالم اقتصاديا؟

blogs النص البرمجي

عندما انفجرت فقاعة تكنولوجيا المعلومات الأولى، عصر الشبكة، بنهاية تسعينات القرن الماضي ظنَّ الجميع أن الأمر قد انتهى، حينها ظهرت غوغل وفيسبوك كبشائر القرن الحادي والعشرين ليدخل العالم بالفقاعة الثانية، عصر الإعلانات. لكن وبأسرع مما نتوقع انفجرت هذه الفقاعة أيضا مع نهاية العام الثامن من الألفية الجديدة -ألفين وثمانية-، انفجرت الفقاعة هذه المرة مخلفة ورائها آثار مدمرة على السوق والعمال.

تزامن انفجار الفقاعة الثانية مع ظهور تكنولوجيا جديدة، لذلك لا يمكننا القول أن الأمر قد انتهى بهذا الشكل، فمع نهاية العام العاشر بعد الألفين تطورت تكنولوجيا الحوسبة والهواتف الذكية المحمولة، قادة شركة أبل هذا التطور وفتحت معها بذلك أبواب العالم على مصراعيه بثورة الحواسب اللوحية وفلسفة الهواتف الذكية القابلة للمس، رغم ظهور هواتفها بنهاية العام السابع فلم تلقى قبول الجماهير الواسع للثلاث سنوات السابقة.

تبِعَ نجاح شركة أبل انهيار العديد من الشركات القديمة كنوكيا وبزوغ فجر شركات أخرى بدعم من نظام أندرويد المفتوح المصدر للهواتف الذكية -المدعوم من شركة غوغل – ليكونوا بذلك محور انطلاق الفقاعة الاقتصادية الثالثة متزامنة مع إتمام الشبكة رُبعَ قرن من الزمان، منذ إطلاقها للعامة عام 1983 ومنذ ذلك الحين وهي تنمو وتنتشر.

أدى ظهور العملات الرقمية اللامركزية، المنفصلة عن التبعية للبنوك، لزعزعة النظام المالي العالمي، نظراً لطبيعتها اللامركزية فلا أحد يمكنه تتبع ثروتك، مقدارها ومكان تواجدها بل وحتى حركاتك التجارية
أدى ظهور العملات الرقمية اللامركزية، المنفصلة عن التبعية للبنوك، لزعزعة النظام المالي العالمي، نظراً لطبيعتها اللامركزية فلا أحد يمكنه تتبع ثروتك، مقدارها ومكان تواجدها بل وحتى حركاتك التجارية

لعلي تحدثتُ على عجل، قد تتساءل الآن، ما علاقة ذلك تحديداً بالنصوص البرمجية وكيف أثَّرت بدورها بالاقتصاد العالمي؟ دعني أحدثك الآن، كيف غيّرٙ النص البرمجي العالم. بادئ ذي بدء ما هو الاقتصاد؟ تُعَّرِفُ الموسوعة الحرة، ويكيبيديا، الاقتصاد بالنشاط البشري الذي يشمل إنتاج وتوزيع وتبادل واستهلاك السلع والخدمات. ولغوياً يعني مصطلح الاقتصاد التوسط بين الإسراف والتقتير. يُستخدم الاقتصاد عامة في الدولة كمعيار أو مقياس لدخل الفرد و قوة السوق، يعتمد الاقتصاد عادة وبشكل طبيعي على حركة السوق، العرض والطلب، سيولة النقود بيد التاجر والمستهلك ووصول خدمات العُمال لمحتاجيها وذلك تحديداً ما تأثر بثورة الحواسب الرقمية والشبكة العالمية العنكبوتية المتصلة للمعلومات.

تنامت في الآونة الأخيرة حرية العمل واستقلالية العمال، لم تعد بحاجة للعمل من المكتب أو حتى ضمن هيكلية إدارية، كل ما تحتاجه هو حاسب متصل بالشبكة، الإنترنت. وفرت الشبكة بيئة خصبة لتبادل الخدمات والسلع وحتى الاستشارات، أدى ذلك وبشكل طبيعي لثورة الشركات الرقمية – متواجدة بالكامل رقمياً- وظهور صناعات ووظائف جديدة لم توجد من قبل كنتيجة حتمية لذلك.

ومع تنامي الشركات الرقمية وقلة كلفة إنشائها، ازداد الطلب على العمال عبر الشبكة، افتراضياً، عبر وسيط ألا وهو الشبكة الأرخص والأوسع انتشارا. تغيرت طبيعة الأعمال وأصبحت التجارة الرقمية أمراً طبيعياً بل وأصبح تواجدك رقميا أمر ذا أهمية، إهماله قد يؤدي تدريجياً لزوال عملك. تدريجياً نشأ جيل جديد من المستهلكين المغرمين بالهواتف الذكية المتصلة بالشبكة الرقمية، الشراء عبر الشبكة عندهم تجاوز كونه رفاه اقتصادي إلى حاجة أساسية لا يتخيلون الحياة من دونها.

بدأت الدراسات على اعتماد العملات الرقمية من البنوك المركزية تنحني نحو الجدية بل وقام بعضهم بالتخطيط لإنشاء عملته الرقمية الخاصة المستقلة كبنك السويد المركزي مثلا

تنبه العديد من مصنعي برامج الشبكة والهواتف الذكية لطفرة المستهلكين الجديدة، وتبعوا ذلك بابتكارات تقود المستهلكين نحو التسوق والشراء، من تطبيقات المحمول الذكية لحلول الاتصالات القريبة المدى المدمجة بالهواتف النقالة للدفع الإلكتروني يتنافس عمالقة المحمول أبل، غوغل وسامسونغ لتقديم المنصة المتكاملة للدفع الرقمي، لننتقل تدريجياً للمحفظة الإلكترونية.

على الجانب الآخر من العالم، نمت سوق سوداء في الشبكات العميقة للشبكة، يتبادل فيها اللصوص مخالفي القانون بضائعهم الممنوعة. ابتكر هؤلاء – اللصوص – طرقهم الخاص بالبيع والشراء وحتى النقود الوهمية، انبثق نتيجتها ظهور تكنولوجيا قادرة على تغيير عالم المال مرة وإلى الأبد، تكنولوجيا العملات المشفرة الرقمية المتصلة رقمياً بالشبكة بلا وسيط، تكنولوجيا البلوك تشين، بت كوين أنموذجاً.

أدى ظهور العملات الرقمية اللامركزية، المنفصلة عن التبعية للبنوك، لزعزعة النظام المالي العالمي، نظراً لطبيعتها اللامركزية فلا أحد يمكنه تتبع ثروتك، مقدارها ومكان تواجدها بل وحتى حركاتك التجارية، تتم بسرية تامة، مما وتّر الحكومات العالمية ودعى للتنديد بها للنئي عن استخدامها. لكن نظرا لانتشارها المخيف واعتمادها كوسيط تجاري للتبادل فقد تنازل العديد من الحكومات وسمحوا بتداولها بل وفرضوا ضرائب عليها كألمانيا واليابان مثلاً.

أجبرت العملات الرقمية النظام المالي العالمي المستند على الذهب كمرجع لإعادة حساباته فقد أثبتت أنَّ البيانات هي الأثمن على الإطلاق. بدأت الدراسات على اعتماد العملات الرقمية من البنوك المركزية تنحني نحو الجدية بل وقام بعضهم بالتخطيط لإنشاء عملته الرقمية الخاصة المستقلة كبنك السويد المركزي مثلا.

أخيراً، غيرت تكنولوجيا المعلومات السوق والمال والأعمال وأنشئت بذلك أسواقاً جديدة ونماذج أعمال فريدة وأعطت الإمكانية للعديد من سكان الكوكب الأزرق من العمل بحرية واستقلالية عن بعد من منازلهم ببضع نقرات من حواسيبهم الشخصية، معطية بذلك بعد آخر لاقتصاد الدولة والفرد لم نتخيله حولنا مسبقا من قبل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.