شعار قسم مدونات

معلومات عن الحب والزواج.. لم يخبركم بها أحد!

blogs الزواج

"الانتصار على الأنانية ليس معركة يوم، وإنما معركة عمر وحياة.. ولكن ثمار المحبة تستحق كفاح العمر. وإذا قالوا لك إن معجزة الحب تستطيع أن تشفي من الأمراض فما يقولونه يمكن أن يكون علمياً فبالحب يحل الانسجام والنظام في الجسد والروح، وإذا كان الحب لم يشفِ أحداً إلى الآن؛ فلأننا لم نتعلم بعد كيف نحب"

"مصطفى محمود في الحب والحياة

 

إن ما جاء في الحديث الشريف: "انظرْ إليها، فإنه أحرى أن يُؤدمَ بينكما" لا يحصر سبب الإلف بينهما بمجرد النظر، فالتنصيصُ على الشيء لا يستلزمُ نفيَ ما عداه. يقول بشار بن برد:

يا قوم أذني لبعض الحيّ عاشقة .. والأذنُ تعشقُ قبل العين أحيانًا

قالوا بمن لا ترى تهذي، فقلت لهم .. الأذنُ كالعين توفي القلبَ ما كانا!

 

فهو لم يدرك منها سوى الصوت، فعشقها كلها، وأزعمُ – وكثيرًا ما أفعل – أن الحواس كالشُرُفات التي نتخايل فيها أرواحهم، فنستشفّها من هنالك، فنهواهم. لكن الحواس أكثر من خمس، وللأرواح شُرفاتٌ أخرى!

 

ليتوازن الأمر بين: المظهر والمخبر جاءت أحاديث تضع الجانب الأخلاقي والمعنوي موضع الاعتبار عند الزوجين كلاهما، كحديث:
ليتوازن الأمر بين: المظهر والمخبر جاءت أحاديث تضع الجانب الأخلاقي والمعنوي موضع الاعتبار عند الزوجين كلاهما، كحديث: "إن جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه"، وحديث: "فاظفرْ بذات الدين تربت يداك"
 

ثم إن في الحديث ما قد يُهدر ويُسقط قيمة الزمن في انعقاد المودة، فالمودةُ هي البذرة الأولى للرابطة الأعمق وهي "الحب"، إذ إن الحب علاقة حادة منتقعةُ اللون تُعتبر كالنهاية لمراحل تصاعدية ذات ألوان طيفية قبلها، فلا كلام إذن عن أي تحديدٍ زمني، إذ لا يمكن ضبطه بحد معين، لأن التجارب تختلف، فمن ثمَّ كان التعميمُ خطًا واضحًا.

 

ولنتذكّر أن هذا الحديث وأمثاله – في ظاهرها – لا يشترط العشق كأساسٍ مفترض لكل زواج سعيد، (فالواقع أن الزواج قد ينجح وإن لم يُسبق بقصة حب، والعكس يصح أيضًا وهو ما نتناوله في مقالٍ لاحق)، لكنها تؤسس وتشرّعُ صيغة تعارفية قبل عقد القران، قد تختصرُ في كثيرٍ من الأحيان في مجرد الرؤية، وربما في هذا ما يكفي لإحداث خرق – ولو ضئيل – في حاجز الجهالة المطبقة عن شريك العمر، ومن هنا فإن هذه الأحاديث الشريفة لا تتحدث عن الحب، فضلًا أن يُفهم منها ما يمكنُ أن يعدَّ تفسيرًا لهذا الشعور الغامض والساحر الذي نسميه "الحب".

 

مع أن في الحديث إشارةً واضحة – ومتطلّعة أيضًا- إلى أن تكون تلك "النظرة الشرعية" بابًا لأن "يُؤدمَ" بينهما، أي يُؤلف بينهما بأن يُوقع المحبة والألفة في قلوبهما في المستقبل، فربما تكون تلك النظرة كالجنين الذي سينمو على الأيام أطوارًا.

وأخشى أن نكون مكابرين إن فسّرنا هذا التشريع للنظرة الشرعية بأنها تحريضٌ نبوي لاستفتاح "قصة حب"، فدلالته لا تعدو أن تكون إباحةً للرجل أن يرى من المرأة ما لا يُرى عادةً قبل أن يعقد عليها، حتى لا يدخل على ما لا يعرف، وهي فرصة لها – هي أيضًا – لتراه عن قرب.

وغالبًا – لا دائمًا – ما تتمحور تلك الأذونات الشرعية حول الشكل الظاهري، بدليل ما رواه أبو هريرة – رضي الله عنه – أن رجلًا تزوج امرأةً من الأنصار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنظرت إليها؟" قال: لا، فقال الرسول: "فاذهب فانظر إليها، فإن في أعين الأنصار شيئًا"، أخرجه مسلم والنسائي.

 

يجب أن نفرق بين أن الكلام عن شروط النكاح وما يستتبعه شيءٌ، والكلام عن حقيقة الشعور بالحب ووجوده شيءٌ آخر مختلف تمامًا

قيل أن معناه أن عيونهم صغيرة، وهذا عيب جسدي شكلي. كما أن جابر – رضي الله عنه – يخبر عن نفسه وفهمه للإذن الشرعي أنه كان يتخبأ للمرأة التي رغب في الزواج منها حتى "رأى" منها ما دعاه لاحقًا إلى نكاحها، مع أن الإمام مالك كان يكره أن ينظر إليها وهي غافلةً خشيةَ أن يقع على عورةٍ منها. ورأيه هذا وجيه وعادل، ولأنه أحفظ لحق المرأة أيضًا في ألا تتحول إلى مجرد سلعة عمياء، إذ رأيها معتبر شرعًا كما هو معلوم!

 

وليتوازن الأمر بين: المظهر والمخبر جاءت أحاديث أخرى تضع الجانب الأخلاقي والمعنوي موضع الاعتبار عند الزوجين كلاهما، كحديث: "إن جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه" رواه الترمذي، وحديث: "فاظفرْ بذات الدين تربت يداك" رواه مسلم وغيره. وبهذا تُستكمل الشروط الدنيا والمبدئية للزواج المعقول والناجح. أما الارتباط الروحي بينهما – وهو الحب – فربما يتعمّقُ مع الأيام.

 

ختامًا، ما يهمني هو أن نفرّق بين: الحب، ما يُدّعى أنه "حب"، وأيضًا بين: شروط الزواج، وتحليل مشاعر المحبة كحقيقةٍ محسوسة قد توجد بوجود عقد شرعي أو بدونه. فالكلام إذن عن شروط النكاح وما يستتبعه شيءٌ، والكلام عن حقيقة الشعور ووجوده شيءٌ آخر مختلف تمامًا. والأصل المنهجي هو أن نميّز بين: الدلائل، وبين مجال البحث ونقاط الخلاف، كما أن التوصيف لابدَّ أن يتخلى عن المعيارية حتى لا ينحاز أو يخلط.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.