شعار قسم مدونات

وإني أهواكِ سوريا

blogs - Umayyad mosque
لقَد تسابَق الجميع، وانهالُوا لحفظ الصور ونشْرِها، لقدْ أكثَر محِبو الكتابةِ من ذكرِها بين صفحات أوراقهم، ولم تلبث تطبيقات التواصل الاجتماعي وأجهزَة التلفازِ إلّا وقد تحولت إلى محطةٍ لعرضِ الأخبارِ العاجلة، وصور القتلى وإحصاءِ عدد الضحايا بشكلٍ روتيني، لا تصادف أحداً من زملائك إلا وقد تصدرت الثورة الحديث المتداول بينكم، سبعُ سنواتٍ مرّت على ثورتِك "سوريا"، لكن ما الذي يدفعنا في كلّ سنةٍ إلى التقليلٍ من متابعةِ أخبارهم والاهتمام بقضاياهم؟ لماذا نثُور ثمّ ننسى؟ لماذا تُفقَدُ العزيمةُ من قلوبِنا وتتلاشى لِتدفن في أودية النسيان وأزقةِ العالمِ الذي لا يعنِينا؟! لماذا ينتصر الزمن علينا في كل مرة لينسينا بلاداً تراق وتسفك الدماء فيها يومياً في ظل غياب الضمير العربي والدولي، وإلى متى سنبقى في حالنا كالماء الراكد لا يعنينا شؤون المسلمين في أي بقعة من الأرض غير بلادنا، إلى متى؟!
أتَذكُر كم مرّة كنت تَدخلُ إلى "غوغل" طالباً كعنوان: سوريا اليوم، والآن بعد سبع سنوات يُنْكِر البعض حقّ هذا الشعبِ بالحصول حتى على حقوقهم! ما أجملَ روحَ ذلك الإنسانِ الذي لا يملُ من متابعةِ أخبار المسلمين وشؤونهم، إن عجزْنا عن مساندَتِهم، فلا تبخَلوا بدعائكم، سوريا التي لم أرها إلا على شاشة التلفاز، أو بعض ما تخيلتُ بناءً على ما روى لي جدي في صغري أو بعضِ مواضيع الوصف التي ركزّت على الشام وجمال أسواقها، وشعبها، وصفاتهم، إلّا أني أرى من خلالها وطناً يستهوني وكأني فيه وُلِدتُ.
 

لا تجعلوا مواقع التواصل فقط دائرةَ تعبيركم عن مدى حزنكم أو تأثركم بأخبار حلب، وحماه، وإدلب، وحمص، وغيرها
لا تجعلوا مواقع التواصل فقط دائرةَ تعبيركم عن مدى حزنكم أو تأثركم بأخبار حلب، وحماه، وإدلب، وحمص، وغيرها

يُؤسفني ذلكَ الجوابُ الذي أتلقاهُ بجمودٍ يكادُ يفتِك بقلبي: "ما لنا ولهم، فلنهتم ببلدنا نحن؟! لقد طالت ثورتهم كثيراً ومللنا من أخبارهم".. صَدقني أنتَ لم تملّ من أخبارِهم فقط أنت اعتدتَ على ذلكَ وهل ينسينا الاعتيادُ في كل مرةٍ الدعاءَ للأرامل والثكالى، الدعاء بالرحمةِ والمغفرة لهم، لا تجعلوا مواقع التواصل فقط دائرةَ تعبيركم عن مدى حزنكم أو تأثركم بأخبار حلب، وحماه، وإدلب، وحمص، وغيرها،
وكمْ من شخصٍ لا تستهويه جميع تلك المواقع يترقبُ بحذرٍ كل مساء ساعةَ الأخبار ليعرف ما الجديد في سوريا اليوم؟ فهنيئا له تلكَ الروح التي افتقدناها شيئا. فشيئا.
 
ومع أبواب قدومِ فصل الشتاء ترى صور الخلفياتِ للتطبيقات وجميع الحالات يدور مَوضوعها حول "السوريين ومعاناتهم في الشتاء" لكن هل فكرت يوماً بالسؤال عن أحد الجمعياتِ الخيريةِ الموثوقِ بها للتبرع ولو بمبلغ زهيد- بإمكانه- مع تكاتف أصحاب الأيادي البيضاء أن يساهم في كِسوة طفل نهشَ البردُ من جسده النحيل فلم يعد يشعر به، هل فكرت في تفقد بعض العائلات التي تسكنُ في حيّك فكم من لاجئ منَعَته عفّة نفسه عن الطلبِ فبادروا وأجركُم عظيم.
 

عهداً عليّ أن أذكر اسمك كل مرة في دعائي، أردده في كتاباتي وأقرأُ عنكِ في رواياتي وأن أتحدث عنكِ لأولادي وأحفادي، أذكرهم ببلدٍ جميل، معالمه فاتنةٌ آسرة.

لا شكّ في أنّ مواقع التواصل ُ في بعض الأحيان تُسهل لنا مساعدة هؤلاءِ الذين قسى عليهم القدر فذاقوا مرّ الاغتراب والشوقَ لوطنهم، لكن عتبي عليكم عندما يُتاح أمامنا التواصل فلا نُساهم ولا نبادر، أتعملون لقد ازداد في قلبي التقدير لكلمة "مأوى،أمنٍ و وطن" كلماتٌ ثلاث تعني الكثير في ظلّ عصرنا الراهن وندفع ثمنها أياماً من حياتِنا.

لقد صادفتُ العديد من الأشخاص الذي ينتمون إلى تلك البلاد وإني استمديتُ منهم طاقةً غريبة داخليةً، لا تلبثُ أن تجلس معم ساعات حتى ترى أحلامهم الكبيرة التي تلامسُ النجوم يتحدثون عنها بكلّ ثقة رافضين أن تتحداهم كلمة "الحرب، لقد قالت لي إحداهن: "حلمي الصغير هو أن أصطحب جميع أصدقائي الذي يقطنون هنا إلى سوريا، فهي بلاد جميلةٌ جدا"، "يا عزيزتي ومن ينكر هذا؟!".

خلال حديثٍ عابر في إحدى اللقاءات الدورية لجمعية نسائية كانت إحداهن تتحدث عن جارتها التي تسكن في حيّها، لقد فقد زوجها شهادته عند مجيئه إلى لبنان، لقد احترقت واحترق معها مستقبل الرجل وزوجته وعائلته التي لا تجد في اليد حيلة فخرج الولد يعمل في أحد المحلات تاركاً تقديمه لشهادة البكالوريا وإكمال علمه ليكون معيناً لهم في محنتهم وتبقى العفة التي تميز هذه العائلة سيدة الموقف، صادفتُ أشخاصاً عدّة من ذلك البلد، لقد كانت إحداهن تحاول تهدئة ابنها قائلة: "صبراً يا صغيري، سترى والدك في الجنة"، كانت تلك الكلمات كالمهدئ المعنوي الذي استرسل في قلب الطفل ونزل عليه برداً وسلاماً. 

ما أعظمكِ وما أعظمَ شعبك وسلامٌ من لبنان إلى كل أسرة شهيدٍ ضحى بروحه ليتنشق عبير الحريّة، إلى كل أم جعلت فلذة كبدها فداء لهذه الثورة المشرفة في سبيل الحرية، عهداً عليّ أن أذكر اسمك كل مرة في دعائي، أردده في كتاباتي وأقرأُ عنكِ في رواياتي وأن أتحدث عنكِ لأولادي وأحفادي، أذكرهم ببلدٍ جميل، معالمه فاتنةٌ آسرة. 

ذكر أيمن العتوم في آخر صفحات روايته "خاوية" أن الحرب في سوريا ستنتهي عام 2023 بطوفانٍ تغرق فيه سوريا بأكملها، استوقفني هذا كثيراً، أن الأرض الذي ستنبت في سوريا ستكون خاوية من كل شيء، ستتطهر من كل شيء، وستنبت الأرض بإذن ربها، فسلامٌ عليها.

"لبنانية أنتِ" وما دخلك في ذلك البلد؟! تلقيتُ ذلك السؤال مراراً لكن فلتتذكروا أننا أمةٌ واحدة، وربها ودستورها واحدْ، فلتتحرروا من حدود البلد ولنصعد إلى حدود شعوب وأمة، يكون عطاؤها بلا حدود ودعاؤها أوحد، أجمع ولنرِ الله في أنفسنا خيراً فينصرنا نصراً عظيماً بإذنه..

وإنّي أهواكِ "سوريا".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.