شعار قسم مدونات

أضغاث ثورة

blogs سوريا

آذار ربيع الحرية والثورة مرّ على سوريا بالسبعة الخدّاعات مختلف عن ربيع الثّورات العربية مسلوب الزهر والورد والطقس المعتدل، جارًّا فيضانات التهجير من خيمة الوطن لمخيمات منظمات الصحة والهلال والصليب الأحمر الدولية المتفرقة في صحاري العرب بعيداً عن بيوتهم وبيوت أبناء الجلدة وأولاد العمومة المجاورة وبني قحطان وعدنان، ربيعاً بالعنوان وشتاءاً بالمضمون متحوّلاً في بعض أيّامه صيفاً في خط الاستواء يعصف بعواصف امتزجت في هبوبها بالأرواح لم تكن قديمة كعهد الفكرة التي رسخت في أذهان معظمنا -أن لا موت إلا بالشيخوخة – بل قطفت الطفولة قبل الشيبة ورحّلتهم إلى السماء.

لست بما أكتبه ابتغاء التجرّد عن ثورتي أو قاصدا غيض الأم الثّكلى أو اليتيم أو المقاتل أو ألقي عليكم عاملاً نفسيّاً لأحبط عزيمتكم في ثورتنا اليتيمة، لا أنا بهذا اريد إيقاظكم وتذكيركم أن الأمر متعلق بالشّام التي مهما حاولوا وحاولتم فحفظ الله لن ينفك عنها ومطامع المستقصدين فيها لم ينالوه، لأوقظ بداخل كلٍّ منكم عمراً، عليّاً، مقاتلاً أو ركباً من ركوب الله يأخذه الانتماء والنسل العائد لبني كنعان والنافورة وذرات الأكسجين المختلطة بريحان الياسمين وشجرة الليمون التي تنفّسها إلى إصرار النّصر وحطّ أوزار المعركة التي حتماً محقق كسبها.

ثوروا على الاختلافات والمسميات والاستهتار على الأيادي التي توجّهكم والخنادق التي حُفرت في أرض إخوتكم بُغية الاقتتال على الرصاصات التي أطلقت بأنانيتكم وعلى فُوّهات البنادق والمدافع التي غيّرت وجهتها
ثوروا على الاختلافات والمسميات والاستهتار على الأيادي التي توجّهكم والخنادق التي حُفرت في أرض إخوتكم بُغية الاقتتال على الرصاصات التي أطلقت بأنانيتكم وعلى فُوّهات البنادق والمدافع التي غيّرت وجهتها

القتال في بداية الأمر كان منحسراً ضد النظام والمحتلين ممتداً بمعظم أرجاء سوريا متزايد النصر والتحرير في الاتجاهات الأربعة لم يردنا يومها أن فصيلا من الثوار تقاتل مع آخر ولم نتوقع هذا أبدا ولم يخطر في أذهاننا، ليحصل مالم نحسب عقباه، لننام في سبات طويل نتلذّذ به بعد نوبة قتالٍ شرسة قاتلنا فيها غربا وعربا وأكرادا، لنصفع بعودة رجال كنا نحسبهم ثوار إلى حضن الوطن المزعوم وحزب التصفيق ليتربعوا وفوقهم فخر صورة الطاغية، فيكون حلم نصر الثورة مجرّد يقظات بفعل هؤلاء العائدين إلى مكاتب ظلمهم وجورهم وتشبيحهم بعد فترة انسلاخ مؤقتة عنها قاموا بأداء دورهم التمثيلي بالقادة المتسلّقين المارقين في الثورة الذين أجّجوا للدّم وسكبوا الزيت فوق النار، الذين سلبوا الفرحة والشباب وسلبوا الحلوى التي كانت تباع بعربات الباعة المتجوّلين في الحارات التي اكتظت حولها طفولة تذكر في شريط ذكريات كل منا، سكنت أجسادها إمّا في شقوق الأرض أو تحت الأنقاض أو قاع البحر أو الفتات الّذي في فراغ الوطن بعد تفريغه من الحياة والذي لا يخلو من غبار الدمار وردم قبور الموتى.

الأمر من غروب إلى ليل إلى أعاصير تسكنه، لا فجر فيه يبدأ بلسعاتٍ من شمس الرّبيع المعتاد تدفّئ معنوياتنا وتلهمنا السّلوان، الخاسرُ الأكبر فيه المغلوبون على أمرهم أصحاب الهالات السّوداء وأطلال الجحيم والحزن في القلب، المحبوسون في الألم وهم ليسوا من أهله، ممثّلو الصّبر المتصابرين فاقدي الأب، الأخ، الأخت أو المفقودين جميعهم في معظم الحال الذين تمّت المتاجرة بآهاتهم وبكائهم وويلاتهم فوق جثامين خِلاّنهم بمواد إعلامية تباع للقنوات بحجة نقل الحقيقة التي لا يجهلها أحد لا بكفيف ولا بأصم ولا بمن رقد هامدا في اللّحد.

سبعٌ عجاف نسأل الله أن تكون هي الثانية في التاريخ الإسلامي رغم اختلافهما الواسع، فهي لم تعش فقط في مجاعة كما في قصة نبي الله يوسف، بل أنتجت أكثر من 500ألف شهيد وغيرهم من المغيّبين والمعتقلين ومسمّيات كثيرة ابتدعت حديثا فيها تصب في قتلنا، ووردت ملايين إلى الخارج كل منهم هو قصة قهر وإعاقة أو فاجعة أو مشروعُ انهيار للسّد النّفسي.

هي سبعٌ تكاثرت فيها السّباع البشريّة وسباع العوامل الجوية سبع لم ترحم بتداول أيّامها أيّاً كان حتى كرّاسات المدرسة وشواهد القبور وفتحات الفم البسيطة التي كنا نسميها على ما أذكر سبتمات أو إبتسمات لا أذكر جيّدا كونها صارت في سلّة محذوفات عقولنا، فمنذ سنين عمي وابنك وزوجته ووالدها وعائلتكم كلّنا نحن فقدنا وفارقنا وحشرجة الغياب باتت تُسمع في أفئدتنا ونسينا الدّقّات.

لا تقطعوا فينا أمل العودة ولا تقتلعوا الياسمين وتهدموا النافورة ولا تضيعوا مفتاح النصر كما حصل بفلسطين، ارموا بالتفرقة خلف ظهوركم ووحدوا وجهة الرصاصات والقذائف المتبقية ولنرجع الثورة لأيامها الاولى
لا تقطعوا فينا أمل العودة ولا تقتلعوا الياسمين وتهدموا النافورة ولا تضيعوا مفتاح النصر كما حصل بفلسطين، ارموا بالتفرقة خلف ظهوركم ووحدوا وجهة الرصاصات والقذائف المتبقية ولنرجع الثورة لأيامها الاولى

كونوا كبداية الحقيقة قبل تلك السبع الموجعات كونوا عصبة وثورة على أنفسكم قبل الظلم، ثوروا على الاختلافات والمسميات والاستهتار على الأيادي التي توجّهكم والخنادق التي حُفرت في أرض إخوتكم بُغية الاقتتال على الرصاصات التي أطلقت بأنانيتكم وعلى فُوّهات البنادق والمدافع التي غيّرت وجهتها.

ثوروا قبل طوفان الغلبة، قبل عودة محرقة حماة وجسر الشّغور أحداث الثمانينات، وﻻ تكونوا في قائمة المدعو عليهم آناء الليل من الأمهات، المقيدون من تأنيب الضمير والندم والمحسوبون بصف المحتلين، فمهما حاولتم وحاولوا حفظ الله لن ينفك عن الشام وأصحاب البداية إن فارقوا الحياة فأتباعهم موجودون كما الأرقام الدّورية لا ينتهون ولا ينقطعون في عقولنا وأحلامنا وبقايا بيوتنا وأرحام الولاّدات، لا تأخذكم العنجهيّة وارتباطكم بالداعم ولا تحوّروا الثورة إلى ندم ونكسة، فلتعتزلوا ما يؤذينا رغم أذية المتكالبين ولترموا في الوسطية والمتشددة والعلمانية وأسماء أنستكم لبّكم في التحرير وعظمت خلافات قشوركم لتفتنكم.

لا تقطعوا فينا أمل العودة ولا تقتلعوا الياسمين وتهدموا النافورة ولا تضيعوا مفتاح النصر كما حصل بفلسطين، ارموا بالتفرقة خلف ظهوركم كما نرمي بالدنيا عند تكبيرة الإحرام ووحدوا وجهة الرصاصات والقذائف المتبقية ولنرجع الثورة لأيامها الاولى -أيد وحدة أيد وحدة، واحد واحد واحد الشعب السوري واحد- وإلا أصبحت أضغاث.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.