شعار قسم مدونات

النزوح الكبير

A man is seen with a child who rides a bicycle inside damaged area in Misraba, Eastern Ghouta, near Damascus, Syria January 11, 2018. REUTERS/Bassam Khabieh
تساءلت في مقال سابق نُشر في 9 مايو/أيار 2017 بعنوان "في سوريا: التهجير يجري على قدم وساق" عن مصير إدلب والغوطة الشرقية، وعن استمرار سياسة التهجير في سوريا دون ردع، كتبت حينها: " ماذا تبقّى من جغرافية الثورة السورية الآن فيما عدا إدلب؟ تبقت الغوطة الشرقية، وتبقى ريف حمص، ومناطق من درعا لن يكون الإجهاز عليها وتفريغها بأصعب من حلب ومن داريا. هل يكون عام 2017 عام الحرب والتهجير من مناطق الثورة المتبقية؟ وماذا عن إدلب التي يلتقي فيها المهجّرون من كلّ مدينة مهجرّة؟ هل سيتركها التحالف الثلاثي تحدث له الصداع وتعده بالثورة فيما يأتي من أعوام؟ أم هل سيبقى هكذا في حرب لسنين أخرى حتى يقضي عليها هي الأخرى؟ وكيف سيمكنه هذا؟ هل يمكن للعالم أن يغير موقفه تجاه سوريا في لحظة من اللحظات؟"

نحن الآن في عام 2018 ولم يغيّر العالم موقفه تجاه سوريا، ويبدو أنّ التحالف الإيراني الروسي الأسدي لن يظلّ في حرب لسنين أخرى حتّى يقضي على إدلب، بل، مع كل الألم، يخوض التحالف حربه في إدلب في هذه اللحظة وقد يعني هذا انتهاء الحرب لصالحه مع نهاية 2018.

في الحقيقة إنّ الحرب الديموغرافية في سوريا بدأت منذ البدايات الأولى للثورة، لم تكن حينها ملفتة للنظر، لكنها أصبحت مرئية واضحة في عام 2013 مع هزيمة الثوار في القصير أمام حزب الله اللبناني، ثمّ تهجير أهالي حمص في فبراير 2014. بات واضحا منذ ذلك الحين أن التحالف الإيراني الأسدي لا يحارب حرب نصر وهزيمة، بل يحارب حربا من نوع حروب الإفناء والجينوسيد "إبادة العرق." من يُبادون هنا هم جموع الناس من السنّة المعادين للأسد، من أرادوا تحرير الناس من نير نظام حكم بالحديد والنار لعقود.

معركة إدلب مستمرة الآن، وموجة النزوح أشد مما كانت عليه في حلب في ديسمبر 2016، ولكن دون تسليط الضوء. بعض التقارير تتحدث عما يزيد عن 100 ألف نازح للشمال السوري
معركة إدلب مستمرة الآن، وموجة النزوح أشد مما كانت عليه في حلب في ديسمبر 2016، ولكن دون تسليط الضوء. بعض التقارير تتحدث عما يزيد عن 100 ألف نازح للشمال السوري
 

الحروب الديموغرافية من أشد الحروب خفاء وصمتا. المشكلة الحقيقية أن أحدا لا يصدق أنه يمكن أن تمزق جماعات البشر وتُفنى وتهجّر ثم لا تعود. لا أحد يصدق، لكنّ هذا قد حدث في التاريخ بالفعل مرات عديدة.

في الشهور الخمسة الأخيرة من عام 2016 وفي الشهور الخمسة الأولى من عام 2017 كان كل شهر تقريبا يشهد اتفاقية تهجير. كان كل من يهجّر، يهجّر إلى إدلب حتى إن الثوار قد ظنوا أن إيران وروسيا قد تتركان لهم مساحة من الأرض ليسكنوها ويحكموها بعد انتهاء الحرب. وبات الظن يتجه للتفكير في أن الأرض قد تقسم والحدود قد تُرسم من جديد؛ ولكن التقسيم الآن بات منالا بعيدا بل قد يكون مستحيلا للفصائل الثورية والجهادية. بل قد تنتهي الأرض السورية للتقسيم بين سورية الأسد من جهة والأكراد من جهة أخرى.

كان كثير يقولون بجدية وآخرون يتندرون أن النظام الأسدي يهجّر الثوار إلى إدلب ليجهز عليهم هناك. وفي حين كان هذا القول يُطرح، كانت بعض أقلام النظام الأسدي تأمل بدخول التحالف الروسي الإيراني إلى إدلب دون قتال، معتمدين في ذلك على الاقتتال الداخلي بين فصائل الثورة. كان النظام وإيران يرجوان أن تُفني فصائل الثورة بعضها ، وكانا يراقبان اقتتال "تحرير الشام" مع "أحرار الشام" بفرح وترقّب. قد يكون من المفهوم إذن لمَ أُجّلت حرب إدلب إلى نهاية 2017 عوضا عن إشعالها في بداية العام بعد معركة حلب مباشرة. كان عام 2017 عام المؤتمرات والمحادثات، وعام الاقتتال البيني بين الفصائل، في حين كانت الفصائل الموالية لإيران تعد وتخطط للحرب تخطيطا جيدا.

معركة إدلب مستمرة الآن، وموجة النزوح أشد مما كانت عليه في حلب في ديسمبر 2016، ولكن دون تسليط الضوء. بعض التقارير تتحدث عما يزيد عن 100 ألف نازح للشمال السوري، وبعضها يتحدث عن أرقام تصل إلى 400 ألف نازح. أين سيذهب كل هؤلاء؟

هناك تركيا التي تقف متفرجة، وكأنها تعطي إشارة غض الطرف عمّا يجري حتى تتم موجة النزوح وهزيمة إدلب. أُزيح السكان من مناطق حمص والغوطة إلى إدلب، والآن تحدث لهم إزاحة ثانية باتجاه المنطقة الآمنة في الشمال، التي أمّنها "درع الفرات" المعركة التي تحمّس لها فصائل من الجيش الحر، وبعضهم سوغ لها، ولم تدرك هذه الفصائل أنهم يحفرون مقبرتهم بأيديهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.