شعار قسم مدونات

الحناجر.. إن لم تكن الخناجر!

blogs - مفتي السعودية

كل أبواب الدمار مفتوحة في هذه الأوطان، تود لو بوسعك تغيير المحال وتجري وتسعى نحو الآفاق. تتجدد مشاكلنا ولا تتغير كل الأقلام، تجف عند البحث عن حلها، لا ندري لما نتركها. هل ندعها لأهل السلف السابقين؟ نعم نحن العرب نبحث حلول حاضرنا من الماضي، آه ثم نشكوا ويلات الماضي. تقمصنا دور المريض كثيرا ولا نريد ولا ندري متى نتعافى، كل أرجائنا وأرواحنا تئن، أصبحنا لا نبحث عن السعادة، فنحن كما يقولون لم نخلق لنكون سعداء. هكذا أخبرنا رجل الدين عندما كنا صغارا، هل كان يكذب علينا خوفا من الحاكم لكي لا نبحث عن أسباب التعاسة والسر الكبير؟ 

أريد أن أصرخ بصوت أسمع فيه صاحب السعادة، حاكمنا العزيز لما أنت سعيد؟ آه رجال الدين والحكام يخافون كل أنواع السعادة، أتراهم نسوا بأن من خلق السعادة ربنا؟ كم هو مضحك رجل الدين عندما يستنكرعلى العلماني شرط فصل الدين عن الدولة وهو يفصل السعادة عن الإنسان، هذا ليس منطقيا يخافون على الدين من المرتد ولا يخافون على الإنسان من الظلم. يتملقون للحاكم بطاعته، ويتصدون لفقير ثائر بفتاوى قتله. من يخبرهم بأننا لا نريد السعادة؟ بل نطمح إلى ما هو أدنى من هذه الكلمة. نريد فقط السلام والسلام فقط. أما سعادة الشعوب فهي صعبة المنال، رجال الدين يتكلمون عن الحياة باستحياء، أرى وجوههم تحمر خجلا عند الكلام عن الفقير، أجل لأنهم أسباب فقره. 

 

لا أحد يعلم لماذا كل هذا الصراع في أوطاننا. ذلك يُقتل والآخر يُحاصر وثالث يغرق في بحور المحيط وما زلنا نردد دون أدنى استحياء بأننا صدر العالم
لا أحد يعلم لماذا كل هذا الصراع في أوطاننا. ذلك يُقتل والآخر يُحاصر وثالث يغرق في بحور المحيط وما زلنا نردد دون أدنى استحياء بأننا صدر العالم
  

كثيرة هي الأسئلة التي تدور حول رجال ديننا لم أجد لهم تبريرا منصفا، لا أدري لما كل هذا الخنوع والسكوت، بل إنهم لم يكتفوا بهذا وحسب، لقد أورث رجال الدين جيناتهم إلى مرتاديهم فأصبحت هناك أمة بأسرها تقدس الحاكم. يقولون وإن كان رأسه زبيبة فلنطعه، ليس المشكلة في رأسه فلو كانت زبيبة لأكلتموه، أنتم المشكلة في قلبه وعداوته، ليت رجال الدين تكون لديهم عصى أبي ذر بدل عمائم أبي جهل. في هذه الأرض لا تتكلم ولا تنطق الصواب واخلع عنك صفة الصدق والثورة، وإن تجرأت على فعل هذه الكبيرة في نظرهم ستجد من يترقبون وينتظرون حروف كلماتك، وعندها فلن تسمع سوى حثيث التراب وأقدامهم، وإن تحصنت جيدا فستسمع. أعداد هائلة تصرخ بوجهك إن تحدثت عن السلام، يخاف الحاكم على كرسيه ويخاف رجال الدين على رزقه. آه، الكرسي يجلب له الرزق، سنتعب كثيرا كسابق العصور إن لم نحدد مشاكلنا. 

الويل والثبور لك إن تكلمت، ستجد نفسك من المُبعدين وليس المبدعين. هكذا هي أوطاننا، إضحك كثيرا لأننا لم نجد السعادة ولم نجد السلام مع طلوع الشمس وقبل المغيب، أتساءل هل مشاكلنا فكرية أم سياسية أم دينية أم هي أخلاقية؟ إن سرحت بنظرك قليلا إلى ما خلف البحار ستجد مشاكلنا قد حلّت قبل ألف عام، أعتقد بأن لب المشكلة التي سقطت فيها أمتنا العظيمة هي الفكر المتدني لمعرفة تطور وعي الإنسان، نحن العرب مازلنا سجناء ماض سحيق. بين دفتي الماضي وعلى كل سطوره نتغنى بأحلامنا المخملية، نعم أوتار الماضي هاجس يغزونا، قد توصف بكلام حاد إن لم يكن سيفا حادا. 

إن صرخت بالحداثة أو العلم أو الثقافة، توهجت وتجهمت الوجوه صوبك وارتفعت الحناجر إن لم تكن الخناجر ضدك، وكأن الله تعالى لم يمنح الرقي والتقدم للإنسان، يجعلون بينك وبين العلم خنادق وجسورا، أنت تسعى لبنائهم ويسعون لهدمك. الكل يرمي والكل يقذف والجميع يتوعد الجميع. والجحيم تهمة لكل من خالف مذهبي وفكري، والكل يهتف باسم الله، ولا أحد سينجو بنظر الآخر، لا أحد يعلم لماذا كل هذا الصراع في أوطاننا. ذلك يُقتل والآخر يُحاصر وثالث يغرق في بحور المحيط ومازلنا نردد دون أدنى استحياء بأننا صدر العالم. ثقافة التجاهل منتشرة لدينا، لا تكاد تعرف أسباب السقوط الذي نحن فيه. تخلفنا ومع هذا نختلف. ميادين الحياة واسعة وقلوبنا ضيقة، العالم يتسع ونحن تضيق الدائرة علينا، ولا توجد حياة دون حضارة وحب وسلام.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.