شعار قسم مدونات

شيءٌ عَفِن في الزبداني!

Blogs- alzabadani
وصلنا إلى مجرى النهر، فلم نجد النهر، بل وجدنا مكانه تدفقا مائيا هزيلا، صدمتني تفاهته أكثر مما صدمت زوجتي التي كانت تزور دمشق لأول مرة، أما أنا فقد رأيت قبلها بخمسة أعوام، كيف يدوي الماء هادرا في مجرى النهر، فحكيت لها عن تأثري بجماله، حين رأيته وأنا أتسكّع متجها صوب الجامع الأموي في قلب دمشق القديمة، وكيف وقفت يومها جوار النهر منتشيا، أدندن الأغنية التي جعلتني أحن لرؤياه قبل سنين من لقائه: "سلامٌ من صبا بردى أرقّ". 
 

لم يكن للمشهد الراهن حولنا أدنى علاقة بما حكيت عنه، ولذلك أخذت أعتذر لها بكثافة رأتها "أفورة"، في حين كنت أشعر بالمسؤولية عن دقة وعودي، فقد كنا في أسبوع العسل الثاني والأخير، بعد أن قضينا الأول في تركيا التي كانت أروع مما توقعنا، وكنت قد اخترت دمشق، لأنها بصراحة، الأنسب لميزانيتي المحدودة، ولأن انطباعاتي عن زيارتها الأولى خلال رحلة عمل قصيرة كانت رائعة جدا، برغم صدمتي مما رأيته من خوف رهيب يغلف المدينة ويغُل أهلها.

 
حين رأيت بَرَدى للمرة الأولى، بدا لي كتعريف جديد لكلمة (النهر) التي كانت مرتبطة بالنيل وحده، فهنا يزيل هدير الماء توجسك من السكون الخادع للنهر العرمرم مترامي الأطراف، وهنا يذكِّرك تطاير رذاذ الماء المندفع بموج البحر حين يروق مزاجه، أما في المرة الثانية، فقد كان من الصعب الإعجاب بما رأيناه في تلك القناة الممتدة في وسط المدينة والخاوية من نهرها، لنفهم من أولاد الحلال أن حال بَرَدى مرتبط بأوان زيارته، فقد كنت في أوائل الربيع "يوم أن قابلته أول مرة"، ولذلك كان فائضا حتى حافّتيه، بالمياه الذائبة من ثلوج الجبال التي تحيط بمنبعه في ريف دمشق، أما الزيارة الثانية فقد كانت في أوائل شهر يوليو الذي يكاد فيه النهر يجفّ، ويخنق حر تمّوز المدينة وأهلها، فيفرون نحو المصايف القريبة والبعيدة، يومها كنا في صيف 2005، ولم تكن الهواتف الذكية قد فرضت سلطانها على الحياة، وإلا لكان جوجل قد أغنانا عن سؤال الغشيم، ذلك المواطن الصالح الذي أفتى لنا ونحن على ضفة "سرسوب" بردى، بأننا إذا رغبنا في رؤية النهر في حال أفضل من هذه، فعلينا أن نذهب إلى منبعه في مدينة الزبداني التي تبعد عن قلب دمشق نحو نصف ساعة.

 

ما إن سمعتُ كلمة (الزبداني) حتى عاد أحمد بك شوقي ومحمد أفندي عبد الوهاب إلى صدارة المشهد مجددا، فلطالما قرأت عن حبهما للتصييف في حدائق الزبداني وبلودان الغنّاء، التي يرتادها أهل دمشق الفيحاء، ولذلك شعرت أن لدي فرصة أخرى، لأثبت لعروستي أن قرار المجيئ إلى سوريا في أسبوع العسل الثاني، لم يكن محض استرخاص، بل كان قرارا موفقا كسائر القرارات التي ستأتي بعده.

   

 المكتبة الظاهرية (مواقع التواصل)
 المكتبة الظاهرية (مواقع التواصل)

  

تحمّسنا أكثر للمشوار الذي لم يكن مُدرجا على جدولنا، حين عرفنا أن درجة الحرارة في الزبداني تقل عن دمشق بخمس درجات. لم يكن انطباع زوجتي عن دمشق سلبيا برغم الحر الخانق، فقد أحبت بالذات أحياءها القديمة التي سكنّا بالقرب منها، أما أنا فقد كنت منذ وصلنا أكتم رغبتي في التعبير عن خيبة أملي، لأن المدينة فقدت زهوتها التي شعرت بها أول مرة، ولم يكن الحر هو السبب الوحيد، فنحن لم نكن قادمين من اسكندنافيا، ولا معاناتي المريرة في مقاهي الإنترنت خلال بحثي عن موقع محترم غير محجوب، لأقرأ فيه ما يعينني على كتابة مواد صفحة (قلمين) التي كنت أحررها في صحيفة الدستور كل أسبوع، بل كان ما سمعته عن أحوال البلاد وهموم العباد، من أصدقائي الذين زاد عددهم واختلفت مواقعهم عبر السنين، والذين كان بعضهم في زيارتي الأولى مستبشرين بقيادة الأسد الشاب، الذي حلم المتفائلون منهم بأنه سيحدث في البلد تغييرا سياسيا وإعلاميا، ولو محدودا كالذي أحدثه ملكا المغرب والأردن الشابّين، ثم صفصفت أحلام التغيير على كوابيس كان أقساها أن وطأة القمع لم تتغير، في حين اشتدت وطأة الفساد، وزادت وتيرته بشكل فاجر.

 
تجسدت أمامي كل خيبات الأمل تلك، في يومنا الدمشقي قبل الأخير، الذي زرنا فيه دار الكتب الظاهرية العريقة، ونحن في طريقنا إلى زيارة قبر صلاح الدين والجامع الأموي، فما ظنناه في البدء تساهلا محمودا في دخول الزائرين إلى المكان، اتضح أنه مظهر لإهمال كارثي يفوق ما كنا نعهده في مواقعنا الأثرية في مصر، ففي حين نشكو لدينا من كثرة الموظفين، وثِقَل حضورهم ومبالغتهم في الظهور بمظهر حماة المخطوطات والكتب النادرة من الزائرين ومن نفسها، كانت دار الكتب الظاهرية خاوية على قاعاتها من موظفيها وزائريها، وحين دخلنا إلى قاعة تضم مئات الدواليب المكتظة بالكتب والمخطوطات، فوجئنا بمظاهر الإهمال والقذارة التي تحيط بالمكان، حيث تراكمت كراسي خشبية مكسورة في ركن من القاعة، وأنبأت شبكات العنكبوت الموجودة حولها أنها لم تنبعث من مرقدها هذا منذ زمن، في حين أُلقيت عدة كتب قديمة بإهمال على المكاتب، تنظر إلى السقف فلا تجد أجهزة إنذار ضد الحريق، وإلى الحوائط فلا تجد معدات إطفاء منتشرة بكثافة، كما يُفترض بدار من أقدم وأعرق دور الكتب في العالم، فيوسوس إليك الشيطان بأن سرقة بعض هذه الكتب النادرة سينقلها إلى مكان أكثر أمانا مما هي فيه، وتلوم نفسك لأنك لم تأتِ لزيارة الدار حاملا حقيبة كبيرة، ودون زوجتك التي لن تفهم تخريجاتك الأخلاقية لسرقة كهذه.

 

فور أن اقتربنا من التجمع المائي الذي أشار السائق نحوه وقال لنا أنه النهر، داهمتنا رائحة كريهة تشبه في حدتها، "تلك الرائحة" الكريهة التي تشمها، إن عبرت إلى جوار الملاحات

يومها قلنا: لعلنا أسأنا فهم ما شهدناه من إهمال، فلربما كان المكان مراقبا بكاميرات خفية تصطاد العابثين والمتجاوزين، لذلك أخذت أتوغل في جنبات مكان كُتب عليه أنه قسم ترميم المخطوطات، لأرى المكان خاويا على عروشه وترابه ورثاثته، قبل أن أنظر من الشرفة، فأرى الموظفين متحلقين في بهو المكان، مستأنسين ومكتفين بصحبة بعضهم عن كل ما سواها، لأسمع بعد ذلك أن ما رأيته لم يكن مصادفة، بل كان همّا مقيما تعيشه الدار التي تمتلك تاريخا من المعاناة مع الإهمال والفساد، وحين قرأت بعد ذلك بسنوات عن نقل مخطوطاتها وكتبها، إلى مكتبة الأسد الوطنية لترميمها ورقمنتها، تذكرت ما جرى في دار الكتب المصرية من مهازل وجرائم باسم الترميم والرقمنة والتطوير، وتذكرت ما قاله صديق سوري عن أننا نظل في مصر أحسن حالا، لأن وتيرة السرقة والنهب للتراث والآثار ستكون أبطأ بفعل وجود مساحة من الحرية الإعلامية، يمكن أن يستغلها حماة التراث بشكل أو بآخر، وهو ما يغيب تماما في سوريا في ظل صحافة مؤممة تعيسة، إذا أردت أن تأخذ فكرة عن مدى تعاستها وبؤسها فألقِ نظرة على الصحف المصرية الحكومية هذه الأيام.

 
في صباح اليوم التالي، اتجهنا إلى الزبداني لعلها تكون خير ختام لزيارتنا الدمشقية الملتبسة، وحين ذهبنا إلى موقف سيارات الأجرة المتجهة إلى الزبداني، وجدنا أننا مطالبون بتسجيل أسمائنا وأرقام جوازات سفرنا وهواتفنا، في كشفٍ يُلزم كل سائق سيارة بتسليمه لضباط الأمن قبل تحركه، تعطّلنا بعض الشيء لأنني نسيت جواز سفري في الفندق، ربما لأنني أعاني طول الوقت من فوبيا تضييعه، أو لأنني صدقت لافتات الترحيب بالإخوة العرب في وطنهم الأول، والتي تنتشر في كل مكان، وإن كانت لا تتفوق بالطبع على معدلات انتشار صور الأسد الشاب وأبيه في كافة الأحجام والأوضاع، وحين نزلنا من السيارة، لكي لا نُعطل بقية ركابها، اقترب سائقها اللطيف مني، وهمس في أذني أن أكتب أي رقم يقارب رقم جواز سفر زوجتي، لأن حضرة الضابط المسؤول، لن يخرج من مكتبه في هذا الحر للتدقيق، إلا إذا حدثت مصيبة، وحين رأى نظرة توجس، صدرت مني باتجاه بقية الركاب، ضحك مطمئنا وهو يردد عبارات عامية مصرية مستقاة من عدة أفلام ومسرحيات، لم تكن دقيقة تماما في مناسبتها للموقف، لكنها كانت كافية للطمأنة اللازمة لارتكاب حماقة كهذه.

 
هلّت الطراوة من الشبابيك، بمجرد سيرنا نحو الزبداني، التي تصلها إذا سرت في الطريق الدولي المتجه نحو بيروت، قبل أن تتجه يمينا، كنا قد جلسنا في مقدمة السيارة، فأتاح ذلك فرصة للدردشة مع السائق، الذي أصبح شريكا لنا في "الجريمة"، حين أغفل إلزام الأمن له أن يتفقد جوازات سفرنا بنفسه، ويطابق أرقامها على ما هو مكتوب في الكشف، سألنا عما إذا كنا ذاهبين إلى مكان بعينه في الزبداني، وحين قلنا إننا نزورها لأول مرة، ولا نعرف أحدا هناك، استغرب أننا لم نقم باستئجار تاكسي للتجول في المنطقة، التي لا يمكن الإحاطة بمعالمها مشيا كما تصورنا، وحين غالبت حرجي بالقول إننا نفضل عادة استكشاف جمال الأماكن بأنفسنا، ظننت أن ضحكته تعبر عن تفهمه لرغبتي في التوفير، وتأكدت من ذلك حين قال إنه بعد أن ينزل الركاب وسط المدينة، سينزل بنا نحو النهر، الذي قلت إنه مقصدنا الأول من الزيارة، ثم يعود بنا إلى مكتب حكومي مخصص لاستقبال السائحين، لنجد هناك من يساعدنا على استكشاف المنطقة.

  

لم نكن ندري أن الرائحة العفنة التي سادت المكان، ستختلط بعد سنين من الفساد والقمع، بروائح البارود والدم والخراب المبين، الذي تُذهل وطأته الناس عن كل شيء
لم نكن ندري أن الرائحة العفنة التي سادت المكان، ستختلط بعد سنين من الفساد والقمع، بروائح البارود والدم والخراب المبين، الذي تُذهل وطأته الناس عن كل شيء
 
 أنزل سائقنا ركابه في ميدان صغير بقلب المدينة التي تنتشر على سفوح الجبل، قبل أن يهبط بنا نحو سهل قريب، لتكتحل أعيننا برؤية النهر الموعود، كانت الخضرة المحيطة شحيحة وشاحبة على عكس ما رأيت في صور سابقة للمكان، قلت لعله الحر الذي يطفئ توهج الخضرة، لكننا فور اقترابنا من التجمع المائي الذي أشار السائق نحوه وقال لنا إنه النهر، داهمتنا رائحة كريهة تشبه في حدتها، "تلك الرائحة" الكريهة التي تشمها إن عبرت إلى جوار الملاحات في نهاية الطريق الصحراوي المتجه إلى الاسكندرية، وكلما اقتربنا من الماء أكثر زادت حدة الرائحة، وحين وصلنا إلى مطعم يقع على ما يفترض أنه النهر، صدمنا لون الماء الذي بدا أشد خضرة من الأشجار، كدليل على شدة ركوده وامتلائه بالطحالب!

  

رأى السائق صدمتنا الواضحة فقال بمزيج من الأسى والسخرية، إنه لم يرد أن يصدمنا حين حدثناه عما نتوقعه من جمال المنطقة، ثم استدرك أن المنطقة كانت جميلة بالفعل، قبل أن يخربها "أخوات الشر***"، وقبل أن يكمل الشتيمة اعتذر لزوجتي، دون أن يضطر للتلفت حوله في كل اتجاه، كما يفعل السوريون دائما حين يذكرون ولاة أمورهم بما يستحقونه، فلم يكن في السيارة سوانا.

   

في لحظة زهق عبثية، قلت لها أننا صاعدون للتو من السهل، وأن الروائح الكريهة هناك أزكمت أنوفنا، حينها شاهدت الضحكة السياحية العريضة وهي تموت على وجهها 

شرح السائق لنا سر الرائحة الكريهة وهو يشير إلى أعلى الجبل حيث توجد قصور وفيلات فخمة متباعدة عن بعضها، على عكس العمارات المتجاورة والبيوت المتقاربة التي بنيت في موضع أدنى، والتي تزداد كثافتها العددية، كلما نزلت نحو الشارع الرئيسي للمدينة الذي كنا فيه قبل قليل، كانت القصور والفيلات التي أشار إليها مملوكة إما لكبار مسؤولي الدولة وقادة أجهزتها الأمنية والقيادات البعثية رفيعة المستوى، أو لكبار الأثرياء الخليجيين الذين يحبون ارتياد المنطقة في الصيف، والبعض منهم يؤجر قصور وفيلات المسؤولين بأسعار فلكية، والجميع يقومون بنزح الماء إلى أعلى الجبل من السهل عبر طلمبات قوية، لتتبقى فيه مياه قليلة شبه راكدة مسكونة بالطحالب، في حين يقومون بإفراغ الصرف الصحي للفيلات والقصور في السهل نفسه، فتتسرب مياهه الكريهة لتختلط بما تبقى من مياه، وتملأ الرائحة النفاذة جنبات السهل، الذي كان من السهل فهم لماذا كانت مطاعمه خالية من الزوار.

  

في طريقه نحو مكتب السياحة، الذي سيوصلنا إليه قبل أن يعود مسرعا إلى دمشق، كان السائق الجدع محرجا منا، وهو ما دفعه للحديث المستفيض عن أمجاد المنطقة كما سمعها من أبيه، الذي حضر بعض حفلات عبد الوهاب وعبد الحليم التي كان الناس يتحاكون بها وإن لم يحضروها، نصحنا بأن نعود في الربيع، لأن تدفق مياه الثلوج الذائبة يخفي ما رأيناه من ركود وما شممناه من روائح، وقبل أن ننزل طلب منا أن نسلم على عادل إمام، ولم يفهم جديتي، حين قلت له إنني لم أقم بتفعيل خاصية التجوال قبل سفري، وإلا لكنت اتصلت به ليسلم عليه بنفسه، ولعله ظن أنني أهلوس من تداعيات الصدمة، أشار إلى المكتب الصغير التابع لوزارة الثقافة والسياحة، وسلم علينا ومضى مصحوبا بمودتنا الغامرة ودعواتنا الصادقة أن يكفيه الله شر الطريق والبوليس والبعث.

  
بدا ظهورنا في مكتب السياحة مربكاً لجميع من فيه، كنا مؤهلين لولا اختلاف لهجتنا، لإعادة تمثيل دراما (المفتش العام) لجوجول، طلب منا موظف أمن كثيف الشارب غليظ الحضور، أن ننتظر الموظفة المختصة أمام المبنى، لأنها في مهمة عمل طارئة، وبعد نحو ساعة من انتظارنا، أقبلت نحونا موظفة "تختوخة" تفيض حيوية ولطفاً، اعتذرت بحرارة عن تأخرها، لأنها كانت توصل إخوة من الخليج العربي إلى فندق ممتاز، ترشحه لنا للإقامة، وقبل أن تسترسل في ذكر مزايا مطعمه وطهاته، قلنا إننا مهتمون بزيارة سريعة للمواقع الأثرية التي سمعنا عنها، لأننا سنعود إلى دمشق بعد ساعات، فاستأذنتنا للحظات ودخلت إلى المبنى، ثم عادت لاهثة وهي تمد يدها بكتالوج فقير الحال فاقع الألوان، فيه تعداد لأبرز المواقع الأثرية والسياحية المحيطة بالمكان، شكرناها على لطفها، وقلنا إننا سنبحث عن سائق ليصحبنا لبعض المواقع الموجودة في الكتالوج، فقالت محرجة إنها لا تملك نسخة أخرى منه، وأن علينا قراءته قبل أن نعيده لها، وأنها ستعطينا المجال الكافي لقراءته، ونقل أسماء الأماكن التي نرغب في زيارتها، فلم نجد كلاما حصيفا نرد به.

  
قررت في لحظة زهق عبثية، أن أقول لها إننا صاعدون للتو من السهل، وأن الروائح الكريهة هناك أزكمت أنوفنا، وأن أحد المواطنين قال لنا إن فساد قيادات الدولة والحزب وراء المصير المؤسف الذي صارت عليه منطقة الزبداني، فشاهدت الضحكة السياحية العريضة وهي تموت على وجهها، وتستحيل رعبا فوريا، فتقول إننا يمكن أن نحتفظ بالكتالوج كما نحب، لأنها تذكرت وجود نسخة أخرى منه، وتجري عائدة نحو المكتب، ونجري نحن مبتعدين عنه، ونحن نضحك من قلوبنا، فلم نكن ندري أن الرائحة العفنة التي سادت المكان، ستختلط بعد سنين من الفساد والقمع، بروائح البارود والدم والخراب المبين، الذي تُذهل وطأته الناس عن كل شيء، فتنسيهم أن أسبابه كانت محيطة بهم طول الوقت، وأنها هي التي قادت إلى تلك النتائج الدامية التي لا يعلم المخرج منها إلا الله.  "ودمعٌ لا يُكفكَفُ يا دمشقُ".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.