شعار قسم مدونات

المهر.. وإعتاق رقاب النساء

blogs زواج

– عرض خاص: طويلة، بيضاء، حسناء، متعلمة، موظفة براتب جيد، ربة منزل وطباخة ماهرة، وعلى استعداد لنقل ملكيتها لك شخصيا بمجرد توقيع العقد!

 

– واو، عرض عظيم، أعطيني ٤ أغلبك لو سمحت.

 

لعل الحوار أعلاه مزعج، ولكن هذا واقع نعيشه كل يوم، ففي ظل التطور الحاصل في القرن الواحد والعشرين وكل الابتكارات الجديدة التي نعاصرها ونستخدمها كل يوم، وكل التحديثات التي اعتدنا التكيف معها ابتداء من دخول الحواسيب والإنترنت لحياتنا اليومية مرورا بالهواتف الذكية والتطبيقات التي تساعدنا بالإجابة عن أدق تفاصيل حياتنا وانسجامنا وتكيفنا مع كل هذا التطور وانتهاء بوصول الإنسان للفضاء والبحث عن سبل العيش به، إلا أننا لم نستطع لغاية هذا اليوم تطوير العقل البشري في فكرة الزواج وتسليع المرأة في هذا التطبيق.
 

صفقة العمر.. الزواج

تختلف المعايير التي يتوافق عليها الشريكان اليوم ليرتبطا وذلك تبعا لاختلاف الثقافات والتربية والتفكير ومستوى الوعي والتعليم، ولكن بالرغم من اختلاف كل المعايير في مرحلة ما قبل الارتباط الرسمي إلا أن الشريكين ذاتهما يمران عبر مسلك أو معبر موحد لينتقلا للحياة الزوجية، وكأن هذا المعبر إجباري ولا يمكن التمرد عليه.
 

نعيش اليوم في ظل المجتمع الذكوري على عادات وتقاليد لأجدادنا، وبالرغم من كل التطور الحاصل بكل مناحي الحياة، إلا أننا ما زلنا لا نستطيع تجاوز بعض العقبات مثل عقبة صفقات الزواج
نعيش اليوم في ظل المجتمع الذكوري على عادات وتقاليد لأجدادنا، وبالرغم من كل التطور الحاصل بكل مناحي الحياة، إلا أننا ما زلنا لا نستطيع تجاوز بعض العقبات مثل عقبة صفقات الزواج
 

وها نحن اليوم نجني نتائج قولبة بعض التقاليد التي يمر بها الشباب، فارتفاع نسب الطلاق في الوطن العربي اليوم هو أمر تابع سواء بشكل مباشر أو غير مباشر إلى قولبة بعض الأفكار في حياة الشباب، كأن يجبر الشباب على تسلق السلم المفروض عليهم في الحياة "مدرسة، جامعة، وظيفة، زواج، ثم إنجاب" فهذا سلم ربما لا يتوافق مع كل أفراد المجتمع.

 

ولعل تكرار اقتحام أفراد المجتمع لحياة الأشخاص يشكل عبئا كبيرا عليهم ليفكروا بالارتباط نتيجة ما يتعرضون له من مساءلة مجتمعية غليظة في هذا الموضوع، وليس نتيجة قرار سليم خرجوا به من تجاربهم الشخصية، فعادة ما يضغط المجتمع على الأشخاص للاستعجال باتخاذ قرار الزواج مما يدفعهم لعدم التفكير بالشخص المناسب، حيث يكون الهدف الأول للبعض الحصول على شريك وخوض غمار هذه التجربة، وبالتالي تلحق الصدامات بين الشريكين نتيجة لقلة الوعي وانعدام التوافق بينهما، فالمهم عند البعض إرضاء المجتمع بغض النظر عن النتائج!

 

البعض -وبدون تعميم- اليوم لا يرى في الزواج سوى صفقة العمر، فالشاب يفصل هذه الصفقة بناء على مواصفات فتاة أحلامه التي غالبا تكون حسناء، وجميلة، وذات قوام ممشوق، متعلمة وموظفة "لتساعده في الأعباء المادية وليس اهتماما منه باستقلاليتها"، ربة منزل جيدة وطباخة ماهرة كوالدته غالبا.
 

أما بالنسبة للفتاة فإنها تفضل أيضا الشاب الطويل، والجميل، والمتعلم والذي يملك بيتا وسيارة ووظيفة براتب عالي، وبالطبع هذه الصفات تتخصخص أكثر مع كل شاب/شابة بناء على فتاة/فتى أحلامه/ا وكل الصفات المذكورة سابقا هي أيضا صفات مادية نضعها كمواصفات أي صفقة تجارية تود لو تربحها، تخلو من أي معايير تقوم على الانفتاح العقلي والاهتمامات المشتركة ومستوى الثقافة والوعي وعدة أمور أخرى من الواجب قياسها، وتسبق في ترتيبها المنطقي كل الأمور المادية التي ذكرت، فالزواج في النهاية هو مشروع أهلي وليس ربحي!

 

المهر وتسليع المرأة!
الصداق أو المهر؛ هو مبلغ من المال يدفعه الرجل للمرأة التي ينوي الزواج بها، وقد فرض المهر في الدين وجعل حقا للمرأة، وبحسب الرواية الدينية فإن المهر يعتبر تكريما للمرأة

نعيش اليوم في ظل المجتمع الذكوري على عادات وتقاليد لأجدادنا عاصروها قبل عدة عقود، وبالرغم من كل التطور الحاصل في كل مناحي الحياة والذي نستقبله ونتكيف معه، إلا أننا ما زلنا لا نستطيع تجاوز بعض العقبات مثل عقبة صفقات الزواج، والتي تقوم بشكل أساسي على قوامة الرجل على المرأة وإعادة خلق هوية جديدة للمرأة بمجرد الارتباط بزوجها ما يجبرها على تغيير اسمها في بطاقتها الشخصية وجواز سفرها إلى اسم عائلة الزوج.

 

هذه القوامة والتبعية من المرأة للزوج مرتبطة أساسا بالتبعية الاقتصادية المفروضة منذ بداية العلاقة عند الارتباط، ومن قبلها عند نسب الطفل بغض النظر عن جنسه إلى والده في شهادة ميلاده الأصلية وليس إلى والدته التي حملت به ٩ أشهر، حيث تفرض عقود الزواج الشرعية مبالغ مالية يتوجب على الرجل أن يدفعها كالمهر مثلا.

والصداق أو المهر؛ هو مبلغ من المال يدفعه الرجل للمرأة التي ينوي الزواج بها، وقد فرض المهر في الدين وجعل حقا للمرأة، وبحسب الرواية الدينية فإن المهر يعتبر تكريما للمرأة، ويستحق لها بمجرد العقد الصحيح على المرأة والدخول الحقيقي بها، ويدافع مؤيدوا الفكرة عنها بأن المهر مرتبط بمكانة المرأة العالية عند الرجل والتي تستحق أن يضحي من أجلها بالمال الذي جمعه، ولكن بإعادة النظر في موضوع المهر وتفكيكه وتحليل السياق الذي وجد به نلمس النظرة المادية البحت للمرأة وتسليعها.

 

وهنا تتحول المرأة من إنسان لثلاجة "حسب صفات العروس؛ بيضاء، وطويلة، بلا بلا بلا"، بعض المدافعين عن الفكرة يقرون أنها فكرة إسلامية بحت وجدت بوجود الدين الإسلامي لتكريمه للمرأة، إلا أننا لو أعدنا قراءة التاريخ فيما قبل الإسلام لوجدنا فكرة المهر في الجاهلية ولو اختلفت التسمية، فالنافجة في الجاهلية هي مثيل وقرين للمهر أو الصداق في الدين اليوم، وباختلاف التفاصيل كأن يكون المهر للأنثى ذاتها والنافجة لولي أمرها الذكر، إلا أن الفكرة العامة واحدة وهي ثمن المرأة وبدل إقامة العلاقة معها.

 

وهنا يحضرني قول "ستي" بالمثل الفلسطيني الشعبي "اللي أكله مش من فاسه، رأيه ما بكون من راسه"، أي من يدفع مبلغا كالمهر في سياق تسليع للمرأة وليس في سياق الهدية هو نفسه من يهيئك لنظام القوامة والتبعية في رئاسة العائلة له، وهو ذاته من قدم هذا حتى يرِث أبناؤه لقبه هو لا أنتِ، وسيكون في المحصلة القرار الأول والأخير له، فهو دفع بدل تبعيتك مدى الارتباط الزوجي.

ويعتبر البعض فكرة المهر أو الصداق كهدية تقدم من الرجل لزوجته، وهذه فكرة مختلفة عما طُرِح أعلاه، فإقرار المهر في عقد الزواج كواجب، ومفاخرة أبناء المجتمع به وبقيمته المادية يعتبر كثمن لها. وبالمقابل، عند إلغاء وجوبه في عقود الزواج وتقديمه كهدية من الرجل لزوجته بالشكل والقيمة التي يحبها يختلف المعنى اختلافا تاما، ولعل هناك بعض الدول تعتاد مثل هذه العادة كالجزائر مثلا.

 

لعل تقاسم رئاسة العائلة بين الأب والأم، وإلغاء المهور واختيار اللقب العائلي وغيره لن يتأتى بين ليلة وضحاها، ولكن طرح الفكرة ونقاشها اليوم سيساعد في تهيئة المجتمع نفسيا لتقبلها يوم تقر كقانون غدا
لعل تقاسم رئاسة العائلة بين الأب والأم، وإلغاء المهور واختيار اللقب العائلي وغيره لن يتأتى بين ليلة وضحاها، ولكن طرح الفكرة ونقاشها اليوم سيساعد في تهيئة المجتمع نفسيا لتقبلها يوم تقر كقانون غدا
 
إعتاق رقاب النساء

لقد كانت تونس سباقة بين الدول العربية لسن قوانين لصالح المساواة بين جميع أفراد المجتمع دون تفرقة بينهم على أساس الجنس، شهدنا منها قبل فترة وجيزة قانون زواج المرأة التونسية المسلمة من الرجل غير المسلم؛ فللمرأة الحق في اختيار شريك الحياة بغض النظر عن الدين وأي فروقات أخرى كما الرجل، ونشهد في هذه الأيام عرض مقترحات للجنة المرأة في مجلس النواب للتصويت على أن "رئاسة العائلة مشتركة بين الأب والأم، وعلى وجوب إلغاء المهور في عقود الزواج، وحرية اختيار اللقب العائلي، وإقرار الاختيار المسبق للنساء والرجال بين نظام الإرث الإسلامي أو نظام المساواة في الإرث"، كل هذه الأطروحات هي مواد قابلة لأن تصبح قوانين مستقبلية لتونس الليبرالية.

 

لعل تقاسم رئاسة العائلة بين الأب والأم، وإلغاء المهور واختيار اللقب العائلي وغيره لن يتأتى بين ليلة وضحاها، ولكن طرح الفكرة ونقاشها اليوم سيساعد في تهيئة المجتمع نفسيا لتقبلها يوم تقر كقانون غدا، فنقد فكرة المهر التي طرحتها أعلاه في هذه المدونة والتي أريد منها إلغاءه لإعتاق رقاب النساء كما يحدث في تونس، سيخلق من المرأة شريكا حقيقا في المسؤولية والبيت والعائلة، وسيساعد فعليا على تقاسم رئاسة العائلة، وسيعطي حقا أكبر في اختيار كل التفاصيل الأخرى بما فيها الميراث واللقب العائلي، وبكل تأكيد ستنقلنا هذه التفاصيل من مرحلة ولاية الرجل سواء كان أبا، أو أخا، أو زوجا على المرأة إلى مرحلة الشراكة الحقيقة والفعلية بينهما.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.