شعار قسم مدونات

بنغازي..نكبة الأمن الموعود

مدونات - بنغازي
قد لا يختلف واقع مدينة بنغازي الليبية عما تعيشه بعض المدن في اليمن أو سوريا، فقط وجه آخر للإجرام وطرق مختلفة للجريمة. لم يكتف حفتر وزبانيته بتدميرها وتهجير عدد من سكانها، بل قتلوا شيوخها وحفظتها، ولم يجدوا في الجهر بأفعالهم حرجا. بنغازي الجريحة، بنغازي الشاحبة لا صوت في كثير من أحيائها سوى صوت الخفافيش والبوم، ولا قانون يسري فيها عدا قانون الغاب حيث يدوس عسكرها على مدنييها في كل حين وبكل الطرق، بعد أن هُلل بما جلبه لها قائد مليشيات الكرامة من أمن زائف.

هناك لا صوت يعلو فوق صوت الرصاص، وزناد أسلحة مليشيات حفتر لا يتوقف عن القتل والإجرام وسط تهليل مناصيرهم. أربع سنوات مرت منذ إعلان عملية الكرامة لم ير سكان بنغازي إثرها من الأمن الموعود شيئا، قضى عشرات الآلاف نحبهم واعتقل مثلهم وهجر نحو عشرين ألفا بتهمة الإرهاب ومعارضة حفتر ورفض الكرامة، هُجروا ودمرت منازلهم وسرقت ممتلكاتهم. لا أبالغ حين أصفها بالغابة في ظل عدم قدرة الأخ على ائتمان أخيه، وفي ظل ما يجري فيها من أعمال قتل في الخفاء والعلن.

ضابط حفتر المطلوب دوليا محمود الورفلي، الذي صدق العالم أكذوبة خضوعه للتحقيق لما ارتكبه من جرائم لم يجد حرجا خلالها في تنفيذ عمليات تصفية وإعدامات في العلن بعد يوم واحد من مقتل العشرات في منطقة السلماني ببنغازي جراء تفجير سيارتين مفخختين. عشرة سجناء مجهولون كانوا ضحية انتقام الورفلي مما جرى في المدينة، وإن يرجح كثيرون أن التفجيرات لم تكن سوى تصفية من حفتر لعدد من حلفائه، فالوقت حان لطمس كل دلائل إجرامه وفتح المجال أمامه وأبنائه لمزيد من السيطرة. صورة قاتمة وفعل مخز شهد عليه عدد من أهالي المدينة ممن صدقوا أن من أعدموا يقفون وراء التفجيرات.

 
صور على مواقع التواصل تظهر الورفلي وهو يعدم أشخاص في بنغازي  (مواقع التواصل)
صور على مواقع التواصل تظهر الورفلي وهو يعدم أشخاص في بنغازي  (مواقع التواصل)
  
في المكان ذاته حيث وقعت التفجيرات أمام مسجد بيعة الرضوان أجلسوا على ركبهم، عصبت أعينهم وكبلت أيديهم وأطلقت رصاصات الموت في رؤوسهم. ذات المشهد يتكرر في المدينة بشكل دوري فكثيرا ما يصحو سكانها على جثث مرمية في مكبات القمامة مكبلة وعليها علامات تعذيب وطلقات رصاص والفاعل مجهول والتحقيقات غائبة. ما أقدم عليه الورفلي ليس بجديد عنه، فأعمال القتل ديدنه يتسرب أخبار بعضها إلى الواجهة ويظل بعضها خفيا، خاصة مع قتامة الوضع في غياهب سجون مثل قرنادة حيث يعذب المعتقلون وينكل بالمختطفين ويقتل المعارضون.
 
كل ذلك يحدث وسط صمت كبير من الجهات الرسمية التي تتشدق باعتراف العالم بها، ورغم مطالب جهات دولية عدة لها بالتعاون لتسليم الورفلي للقضاء الدولي فإن المجلس الرئاسي ومجلس النواب لا يحركان ساكنا، أو بالأحرى لا يستطعان ففي مواجهتهما حاكم عسكري يسيطر على الشرق الليبي عبر مليشيات تنتهك الحرمات ومخابرات ترعب العباد. وبالعودة إلى الورفلي فإنه يعد المطلوب الأول لدى المحكمة الجنائية الدولية من الليبيين بعد رموز النظام السابق.
 
بدأت جرائمه الورفلي تنتشر في العلن منذ عام 2016 ما دفع المدعية العامة للجنائية الدولية فاتو بانسودا إلى طلب إصدار أمر بالقبض عليه في الأول من أغسطس من العام الماضي، طلب قوبل بالإيجاب من قبل الدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة ليصدر أمر بالقبض عليه في الخامس عشر من الشهر ذاته بتهمة ارتكاب جرائم حرب عبر قتل أو إصدار أوامر بالقتل في حق مدنيين ومعتقلين، لم تثبت أي جهة تورطهم في حوادث معينة وظلوا إلى اليوم مجهولي الهوية.
 
undefined
  
أمر القبض على الورفلي رافقته مطالب لتسليمه فورا للمحكمة وأخرى لتعاون السلطات الليبية والمجتمع الدولي في تحقيق ذلك، وهو ما واجهه معسكر حفتر بتأكيده أن الورفلي يخضع للتحقيق وأنه سيحاسب وفق القضاء الليبي. لم تمر سوى بضعة أيام حتى ظهرت للعيان جريمة جديدة للورفلي وهو ما جعل بانسودا تؤكد ورود معلومات للمحكمة تدل على أن الورفلي طليق وبصدد ارتكاب جرائم جديدة، محذرة ومنظمات حقوقية عدة من أن تواصل تفشي ظاهرة القتل قد يتجاوز البت فيه للمنفذين ليشمل آمريهم، ليوضع بذلك حفتر تحت المجهر، وإن سبق وأن ورد اسمه في تقارير سابقة في الجنائية الدولية حاول التنصل منها بطرق التوائية.

تعيش بنغازي أصعب فتراتها مع بسط حفتر لنفوذه هناك، قتل واختطافات واعتقالات وتعذيب والجرم معارضة عملية الكرامة أو الاختلاف في الفكر والتوجه، بل وحتى حفظ القرآن الكريم، مستغلا دعم القبائل وحلفائه من المنتمين للتيار المدخلي، وهو دعم بدأ يتفكك. أما ليبيا فتعيش قتامة المصير..أكثر من ذلك إلى أين المسير؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.