شعار قسم مدونات

وراء الظل هناك عظماء

blogs - sumait
عندما كنت جالسة أمام الكمبيوتر لأشاهد الأفلام الوثائقية العاشقة لها منذ الصغر، لأنني أحب طريقة سرد هذه الأفلام وأصوات من يرويها، أحب كل ما فيها، أحب ما بها من تشويق، أجد في الاستماع إليها الكثير من الاستمتاع الذي يجعلني أتعلق بها. ولذلك أختار السير والأفلام التي تزيد من تعلقي بها، وهناك كثير من الأشخاص الذين أحب أن أستمع إلى سيرهم الذاتية، من هم وكيف كانوا وكيف رحلوا عن عالمنا، أحب ذلك كثيرا، ولكن هذه السيرة الذاتية لهذا الرجل لم أجد رغبة في معرفتها يوما، ولكن دائما تظهر لي في بداية بحثي على "يوتيوب"، وهذا الرجل لم أكن قد سمعت عنه من قبل، ولكنني لم أجد رغبة في معرفته ولكنني بعد أن انتهيت من الاستماع إلى السير الذاتية التي تعرضها الأفلام الوثائقية لم تتبق أمامي سوى سيرة ذلك الرجل فمن هو ذلك الرجل المرتدي ذلك الزي الخليجي، ماذا فعل لكي يعرض له فيلم وثائقي؟!
ذلك الرجل بعد أن عرفته؛ طبع اسمه في ذاكرتي، وأصبح اسمه يحمل لي أسمى المعاني وأجلها، ألا وهو "خادم فقراء أفريقيا"، عبد الرحمن السميط، ذلك الرجل الخيري التنموي الطبيب التي سعدت الدنيا بقدومه عام 1947، كان لقدومه فاتحة خير للكويت، وأصبحت الكويت متفتحة على الدول الغربية. وقتها كان السميط منغمسا في العلم وتحسين وتطهير ما بداخله، مولعا منذ صغره بالعلم، محبا للطب كثيرا، وبعد انتهائه من التعليم الثانوي انتقل إلى بغداد حيث جامعة بغداد العريقة التي تخرج منها بعد حصوله على درجة البكالوريوس في الطب.

قضى عبد الرحمن السميط أكثر من ربع قرن في أفريقيا، وكان ذلك الرجل يرفض أي لقب سوى اللقب المحبب إليه: "خادم فقراء أفريقيا."

ومنذ صغره كان مولعا بجمال أفريقيا وأدغالها، مولعا بالصيد الذي كان يسمع عنه في الأدغال، ولكن عندما كبر وسمع أن محبوبته يسلب منها جمالها وأصبحت "أفريقيا المنكوبة"، سارع إليها، ولكنه صدم عندما وجد أن أفريقيا الجميلة منغمسة في الجهل والفوضى والأمراض منتشرة فيها، مع ما يعانيه أهلها من مجاعات، وصدم بما تفعله الكنيسة من تنصير مسلمي أفريقيا استغلالا منها لفقرهم وجهلهم، فأحدث السميط في أفريقيا المعجزات.

أنشأ الكثير والكثير من المدارس والمستشفيات والجمعيات الخيرية، وأسلم على يديه أكثر من 11 مليون شخص في أفريقيا لما وجدوه من سماحة الإسلام والمسلمين، ولما تعلموه منه عن هذا الدين العظيم الذي باتباعه خرج هذا الرجل ومكث في أفريقيا حوالي 30 سنة وأكثر؛ يداوي المرضى ويعلم الأطفال والكبار من خلال مراكز محو الأمية التي أنشاها لكبار السن في أفريقيا، وبنى الجامعات الإسلامية والمساجد، وكان يعود إلى وطنه فقط للزيارة أو العلاج، أي قضى ذلك الرجل أكثر من ربع قرن في أفريقيا، وكان ذلك الرجل يرفض أي لقب سوى اللقب المحبب إليه "خادم فقراء أفريقيا"، وبالرغم من مرض السميط، ولكن الإيمان والرسالة التي يحملها في قلبه هي التي كانت بفضل الله تدفعه لاستكمال تلك الرحلة.

السميط هو مؤسس "جمعية العون المباشر"، والتي كان يطلق عليها قديما "لجنة مسلمي أفريقيا".. أصدر السميط أربعة كتب منها: لبّيكِ أفريقيا ورسالة إلى ولدي، والعرب والمسلمون في مدغشقر، بالإضافة إلى كثير من المقالات التي نشرها فى صحف متنوعة، وشارك في تأسيس ورئاسة جمعية الأطباء المسلمين في الولايات المتحدة الأميركية وكندا.. وكان عضوا في جمعية النجاة الخيرية الكويتية، وعضوا في جمعية الهلال الأحمر الكويتي، ورئيس تحرير مجلة الكوثر المتخصصة في الشأن الأفريقي، وعضو مجلس أمناء منظمة الدعوة الإسلامية في السودان.
 

تعرض السميط لكثير من عمليات محاولات القتل من قبل أعداء نهضة أفريقيا وأعداء الدعوة الإسلامية، ومن قبل الكنيسة التي كان شغلها الشاغل تنصير مسلمي أفريقيا.

ولم تمر تلك الرحلة بسلام، فتعرض السميط لكثير من عمليات محاولات القتل من قبل أعداء نهضة أفريقيا وأعداء الدعوة الإسلامية، ومن قبل الكنيسة التي كان شغلها الشاغل تنصير مسلمي أفريقيا واستغلال ضعفهم ومرضهم وتشردهم وجهلهم، وبعد كل هذه المحاولات لقتله لم يسلم من محن السجون وكان أقسى هذه المحن هي أسره على أيدي البعثيين. وكانت أفريقيا هي ولعه وحبه منذ صغره، فعلى ذلك الطفل أن يبر لمحبوبته عندما يرى الشدة التي تتعرض لها، ونعم المحب البار بمحبوبته، وعندما سمع نداءها لبَّى وسعى لحمايتها وحماية أراضيها وساكنيها، ولم تمنع نهضة الكويت المتزامنة مع نكبة أفريقيا السميط من المضي قدما إلى أفريقيا لإغاثتها بكل ما يستطيع.

وتحضرني قصة للراحل السميط عندما كان في المرحلة الثانوية؛ حيث وجد عمالا ينتظرون وسائل المواصلات لأوقات طويلة أمام عملهم، وفي حر الكويت، فجمع الأموال من نفسه وزملائه واشترى سيارة لتنقل هؤلاء الموظفين ولحمايتهم من حر الكويت.. كما كان ابن السميط يجمع الأموال أثناء دراسته في الخارج لشراء الكتيبات وتوزيعها في الدول النامية والمساجد. رحم الله الداعية الخيري التنموي الطبيب عبد الرحمن السميط.. والحمد لله على معرفتي بهذا الرجل، وبالفعل إن وراء الظل الكثير من العظماء الذين لا نعلم عنهم إلا القليل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.