شعار قسم مدونات

افهم جلادك جيدا قبل أن تثور عليه!

blogs - egyptFreedom

تنطلق الآن منه شذرات حرية لا يدرك سببها لكنه يشعر بألمه منها على كل من حوله وعليه بالأخص، ويعتقد أنه يستطيع التحرر من الأشياء التي تسكنه وتلازمه لكن لا جدوى من الهروب من الواقع، فكل الواقع يسقط في جوفه فيوقف مابدأ به، الطريق صعبة وعليه الاختيار وهو بكامل وعيه، ويدرك جيدا أن عليه أن يتحمل وحده تبعات اختياره ومن دون مساعدة.

 
لم تكن المسألة مسألة حياة أو موت لكنها مسألة أن يكون أو لا يكون، أيبدأ ليكون أم ينتهي من حيث لم يبدأ أبداً كي لا يكون، كل ما في الأمر أنه كان غائبا جدا، غائبا لدرجة الحضور الكامل، كان ينسج الإباء بصمت وارتباك، ويحدث أنه اتفق له أن الفرق الهائل الذي يقضي إليه كان بإمكانه أن يستغني عنه برمته لكنه قرر البقاء والسير فيه حتى النهاية.
 
كان مختلفا عن كل الناس لكنه كان واحدا منهم وكانت كلماته وحدها كافية لتعبر عما يفكرون فيه، كان يظن أنه يستطيع أن يرى المستقبل بوضوح ساطع لكن سطوع ما رآه أعمى بصيرته، لم يدرك أن الواقع يسحق تطلعاته المصيرية إن لم يكن واعيا بما يكفي ليقرر مصيره. هو يشبه طيرا حرا مسلوبا، أراد أن يستن أجنحته فيستلها ليكسر ما تبقى من قفص فينطلق إلى سماءه حيث الحرية، ما عاد يأبه للألم فقد اعتاد عليه فمنذ أسر ودخل ذلك القفص شعر بأن روحه قد ماتت و بأنه فقد صوته فأصبحت نفسه تواقة للحرية، فإما حرية مطلقة أو موتا لجسده فكلاهما سيقوده إلى هدفه في الوصول إلى السماء حيث الحرية حيث لا أقفاص هناك في الأعالي، حتى يتمكن من أن يرفرف بأجنحته دون أن تكسرها القضبان، وسيدوي بصوته الرقيق في الأعالي ليصدح كما أنه سيغفو حيث يشاء على شجرة الحب التي سيختارها لن يأكل الحب الذي يفرض عليه بعد اليوم.

 

هو لا يملك أن يوازن نفسه ولن يتمكن من العيش داخل القفص ولا حتى خارجه وهو لا يستطيع أن يحلم بالحرية بعد الآن
هو لا يملك أن يوازن نفسه ولن يتمكن من العيش داخل القفص ولا حتى خارجه وهو لا يستطيع أن يحلم بالحرية بعد الآن
 

نعم فهو لن يعود كما كان لقد تعلم الكثير من ماضيه ومن سجنه تعلم بأن لا شيء أغلى من الحرية وفكرة الموت لن ترهبه بعد الآن، هو الأن يختار السماء فلم تعد الأرض تعني له شيئا، غدا سينطلق، سيفرد جناحيه ليخترق الغيوم ويحلق إلى الأعالي.
   
نام على هذا الحلم ورغم طول ليله لم يأبه لشيء فهو مصمم على الحرية، فغفا على حد أجنحته، وعند الصباح سقط على الأرض، سقط سقوطا مدويا، حاول أن يوازن نفسه كي لا يسقط فهو اليوم مستعد ليكسر القفص بأجنحته ولكنه هذه المرة لم يجد أجنحته، اليوم اختفت أجنحته، بدأ يبحث عن الجناح الذي نام عليه فلم يجده ثم عن جناحه الآخر فلم يجده بحث حوله مرة تلو المرة بحثا جيدا ثم رفع رأسه فصرخ صراخا يُسمع الأصم ويبكي الحجر، صرخ لأنه عندما رفع رأسه وجد أجنحته مقصوصة ومعلقة أمامه في الأعلى خارج القفص.

 

هو الآن لا يملك أن يوازن نفسه ولن يتمكن من العيش داخل القفص ولا حتى خارجه وهو لا يستطيع أن يحلم بالحرية بعد الآن، أما صوته فقد بات مبحوحا من ذبح أجنحته ومن دمائه التي نزفت فلم تتوقف فأضحى صوته لايسمع.

  

هو لم يفهم جلاده جيدا لم يدرس أيدلوجياته قبل أن يثور ولم يدرك أن عليه أن يكّون تنظيما مغايرا، لا يدرك أن الطيور التي تثور عشوائيا أو وفق عاطفتها لا بد أن تقع في الفخاخ المنصوبة في كل مكان، عليه أن يملك ما يكفي من فهم ووعي ودراسات، عليه أن يؤسس ويوجد فكره مسبقا وأن يضبط نفسه وأعصابه لأقصى حد حتى لا يقع فريسة لسياسة الحرب العصرية؛ وهي السياسة التي تدعو الشعوب إلى تدمير نفسها بنفسها عليه أن يفكر في الآلية التي يبني بها نفسه وعليه أن يسعى لتأسيس حركة فكرية إصلاحية ، فقبل أن يقرر أن يثور عليه أن يملك أدوات الثورة، عندها قد لا يقرر إلا أن يثور على نفسه ليمحو الجهل عنها وينهض بها بالوعي الفكري والبحث العلمي والحضارة المتقدمة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.