شعار قسم مدونات

"اللاخطة".. عن المشروع السعودي الإقليمي (٢)

الملك فهد و صدام حسين

لم يكن عام 1989 هو عام الدخول الخاطئ للاتحاد السوفيتي لأفغانستان وحسب، فقد شهد العام نفسه صعود قوة إقليمية جديدة في المنطقة، متطرفة ودينية ومختلفة في التوجهات والسياسات عن كل ما شهدته المنطقة، تمثلت بسقوط نظام الشاه وانتصار "الثورة الإسلامية في إيران"، إضافة لوصول صدام حسين، أحد أكثر الزعماء العرب طموحا وجدلا وجنونا إلى السلطة.

 

في العام نفسه، أي 1989، انتهت الحرب الباردة وسقط جدار برلين وهيمن قطب واحد في "النظام العالمي الجديد"، الذي كان من أول من أدرك حقائقه من بين الزعماء العرب هو الرئيس صدام حسين، والذي حذر أشقاءه مبكرا في مارس/ آذار عام 1990 بقوله إن "السنوات الخمس القادمة سوف تشهد سيطرة قوة عظمى واحدة تنفرد بمصائر العالم". [1]

 

ومثلما كان الأفغان والسوفييت يخوضون واحدة من أشد الحروب دموية وقساوة بعيدا عن عمق العالم العربي، افتتحت كل من الدولتين الإقليميتين، العراق وايران، الحكم بالحرب، والتي كانت السعودية، بملكها وعلى يمينه وزير النفط، تنظر له بعين الحذر والريبة، وتسعى لمنع وصول امتداداته إليها، فوضعت، بشكل مشابه لما جرى مع بن لادن، صدام حسين كحصانها الرابح، والذي سيصبح مرة أخرى حصانا جامحا في ذات المدة تقريبا.

 

بدأت بوادر الأزمة العراقية الكويتية بالظهور بعد أن أرسل صدام حسين أعدادا كبيرة من قواته للحدود بيوليو تموز عام 1990، بعد أن حمل الكويت المتاعب الاقتصادية التي تعرضت لها البلاد بعد الحرب الإيرانية

اجتاح صدام حسين في "قادسيته"، كما يسميها،  طهران بعد أقل من 18 شهرا من تولي الملالي للحكم فيها، خشية من "تصدير الثورة" إلى الأغلبية الشيعية في العراق، ولم يكن من المتخيل أن "الدفاع المقدس" لطهران سيستمر لثمان سنوات بالتمام والكمال، [2] حشدت بها طهران بقايا جيش الشاه، وحرسها الثوري الإيراني، إضافة للمتطوعين الذين تجد في صور ضحاياهم أطفالا بعمر الثلاثة عشر عاما، ورجالا بعمر الثمانين، وخسر بها كل من الجانبين أكثر من مائة ألف قتيل في المعارك، وعشرات آلاف المدنيين، ومئات مليارات الدولارات. [3]

 

وبحالة شبيهة بما جرى في أفغانستان، راقبت كل من واشنطن والرياض، من بعد وعن كثب، الحرب التي رأوا باستمرارها استنزافا لقوتين إقليميتين لا يمكن توقع تحركاتهما بعد، وفضلت بها الرياض في الوقت نفسه حليفا عربيا سنيا أفضل من عدو شيعي تصفه بالفارسي وواضح العداوة،  فدعمته سياسيا في المحافل العربية والدولية، وعسكريا بقيمة ديون وصلت إلى 40 مليار دولار، منها 28 مليار دولار للسعودية وحدها، في حين خشيت واشنطن من عمامات الملالي في طهران، خصوصا بعد أن أقامت وجودها وشعبيتها، فوق أنقاض حليفها الأكبر شاه إيران، على عداء الغرب الواضح المباشر، فدعمت نظام صدام حسين استخباراتيا وعسكريا.

 

لم يكن صدام سيستطيع الخروج بمكاسب تكتيكية دون الدعم العسكري والمالي السعودي، والاستخباراتي وغض النظر الأميركي الذي سهل له السيطرة على شبه جزيرة الفاو. لكنه وإن ولد ضغوطات قاربت بين السعوديين والعراقيين، فقد ولد أيضا ضغوطا أخرى في الاتجاه المعاكس، إذ أصبحت السعودية وسائر دول الخليج أهدافا حقيقية لانتقام إيران، مما دفع السعودية لاتخاذ مبادرتين باعدتا بينهما وبين بغداد:

الأولى كانت تأسيس "مجلس التعاون الخليجي".

والثانية طلب انتشار طائرات أميركية في الظهران لمساعدة السلاح الجوي الملكي السعودي لحماية منشآت النفط وأهداف أخرى، ترافقت مع "حرب الناقلات" التي اندلعت شرارتها في حرب الخليج الأولى، والتي أدخلت البحرية الأميركية بشكل أكبر في الحرب، وحولت العلاقة الإستراتيجية التي كانت ضعيفة تاريخيا بين السعودية والولايات المتحدة، والمبنية على مصالح اقتصادية مشتركة واحتواء الشيوعية، إلى تحالف عسكري مباشر وللمرة الأولى، تمظهر بشكل واضح في تواجد عشرات آلاف من القوات الأميركية في المملكة بصورة دائمة، والتي ستصبح الأساس للرد الأميركي- السعودي المشترك على الغزو العراقي للكويت لاحقا، [4] والذي سيكون التمهيد الرئيسي لسقوط نظام صدام على يد الأميركيين، ثم إعدامه على يد النظام العراقي والمليشيات حليفة الإيرانيين.

 

مطلع أغسطس/ آب عام 1990، وقبل أيام عن الذكرى الثانية لنهاية حرب الخليج الأولى، كان عزت إبراهيم، نائب الرئيس العراقي، يلتقي سعد الصباح في جدة بواسطة سعودية لاحتواء بوادر الأزمة العراقية الكويتية، التي بدأت بالظهور بعد أن أرسل صدام حسين أعدادا كبيرة من قواته إلى الحدود في يوليو تموز عام 1990، بعد أن حمل الكويت المتاعب الاقتصادية التي تعرضت لها البلاد بعد الحرب الإيرانية، إثر سياساتها النفطية ورفضها الالتزام بالحصة المحددة لها من باقي أعضاء أوبك. لم يكن هذا اللقاء أكثر من حام لعنصر المفاجأة، عندما كانت الدبابات العراقية وعشرات آلاف الجنود العراقيين يعبرون الحدود مع الكويت لاحتلالها في الوقت نفسه.

 

حين أوقظ الملك فهد على النبأ فجرا، لم يكد يصدق ما يسمعه، فهو قبل ساعات قليلة كان يودع المفاوضين العراقي والكويتي، فحاول الوصول لصدام حسين، فلم يستطع، فاتصل مباشرة بأقرب المقربين إليه: العاهل الأردني الملك حسين، ثم استيقظ الرئيس المصري حسني مبارك على الخبر نفسه، قبل أن يصل التفسير العراقي عصر ذلك اليوم: "هذا جزء من العراق عاد إليه"، قبل أن يصل النبأ إلى العواصم الكبرى، ويصدر مجلس الأمن في اليوم التالي القرار 660 الذي دعا لانسحاب فوري غير مشروط للقوات العراقية.

 

لجأت الأسرة الحاكمة الكويتية مباشرة إلى السعودية المجاورة، واتصلت مباشرة بواشنطن طالبة دعما عسكريا أميركيا لصد الغزو العراقي، الذي كان يبدو أشبه بالحكم في رواية جورج أورويل الشهيرة "1984"، مدعيا دخوله بدعوة من ثورة شعبية للإطاحة بحكم أسرة الصباح، وتحول الكويت إلى "كاظمة"، المحافظة العراقية التاسعة عشرة، في الذكرى الثانية للحرب العراقية الإيرانية.

 

كان جمال عبد الناصر يساريا اشتراكيا، وكانت له طموحاته الإقليمية التي استطاع أن يهدد بها السعودية
كان جمال عبد الناصر يساريا اشتراكيا، وكانت له طموحاته الإقليمية التي استطاع أن يهدد بها السعودية
 

استمر الاحتلال سبعة شهور، واجهت خلالها القوات العراقية مقاومة مدنية ومسلحة، ولم يكن هناك مبرر بأن طموحات صدام حسين ستقف عند الكويت، خصوصا أنه لا توجد دولة خليجية تملك قوة عسكرية كافية لمواجهة الغزو العراقي، فاقتنعت إدارة بوش الأب بأن وجود قوة أميركية ضخمة هو العائق الوحيد الذي سيردع طموحات صدام حسين، وهو ما تحقق، مسببا انشقاقات مجتمعية داخل السعودية، وانشقاقات شعبية أخرى داخل الدول الأخرى، التي لعب صدام حسين على تحفيزها بإعادة توجيه البوصلة إلى القضية الفلسطينية والقدس، وأدت لانقسام عربي- عربي حاد تجاه الموقف من الأزمة. [5]

 

بحلول ١٥ يناير/ كانون الثاني عام 1991، كان الموعد النهائي لقرار مجلس الأمن رقم 678 قد حل، وحشدت الولايات المتحدة تحالفا هائلا، شكلت قواتها أكثر من ثلثيه، بـ650 ألف جندي، إضافة لـ100ألف جندي سعودي، ببدء "عاصفة الصحراء"، رد عليها صدام بـ42 صاروخ سكود على إسرائيل، و46 صاروخا أخرى على السعودية، سقط معظمها باستخدام صواريخ باتريوت، وسط مخاوف من استخدام أسلحة دمار شامل، واجهتها الولايت المتحدة بمعدل أكثر 1000 طلعة جوية في اليوم على مواقع العراق في الكويت والعراق، من بينهم آلاف المدنيين بالقصف الأميركي المكثف، رد عليها صدام بحرب بيئية تمثلت بضخ أربعة ملايين برميل نفط في الخليج العربي، وقصف أكثر من 700 بئر نفط عشية بدء العمليات البرية على العراق، والتي أرغمت القوات العراقية على الانسحاب من الكويت خلال 100 ساعة، استخدمت خلالها القوة المفرطة، التي دفعت الولايات المتحدة بدعم سعودي إلى قرار وقف كامل لإطلاق النار يوم 28 فبراير/ شباط.

 

ورغم أن أفضل ما في الحروب انتهاؤها، فلم يخرج أحد من الحرب سليما، فقد شهد العالم العربي انقساما شديدا غير مسبوق يشبه البنية التحتية المحطمة للكويت، وأدخل العراق تحت حكم عسكري وقانوني شديد الوطأة استمر حتى عام 2003، عندما تدخلت القوات الأميركية مجددا، من ذات القواعد الموجودة في السعودية، لإنهاء تكتيكي لصفحة أخرى لحليف قديم وعدو لدود آخر، كان يفكر أن ينازعها السيطرة على الإقليم.

"القائد الأوحد"

مثل صدام حسين، كان جمال عبد الناصر يساريا اشتراكيا، وكانت له طموحاته الإقليمية التي استطاع أن يهدد بها السعودية، وعلى الجانب الآخر، وقبل أسامة بن لادن وعبد الله عزام، كانت الأفكار الإسلامية لخصم عبد الناصر الأوحد سيد قطب، والتي يُتهم بأنها المغذي الأول للعنف الذي دخله تنظيم القاعدة أمام "جاهلية" الغرب و"ماديته"، وبشكل مشابه، على فترة متباعدة، للعلاقة بين عبد الناصر وبين قطب وبين السعودية، كانت العلاقة بين الحليفين- الخصمين، ترسم داخل فيلا سيد قطب ذات الطابقين في ضاحية حلوان، بجانب رفوف ألبومات الموسيقى الكلاسيكية الخاصة به.

 

كان سعود وعبد الناصر حليفين غير متوقعين نظرا لأصولهما المتباينة وتوجهيهما السياسيين المتعارضين، لكنهما اتفقا على معارضة الهاشميين في العراق والأردن

فبعد أن عاد سيد قطب من رحلته إلى الولايات المتحدة عام 1950، كانت مصر تمر بمخاض صعب بعد الهزيمة الصعبة التي تعرضت لها عام 1948والفساد الذي كان يدمر البلاد من الداخل متجليا بأسطول السيارات الحمراء أو اليخوت الذي كان الملك فاروق يحتكره، بينما يقبع شعبه في البطالة والأمية والفقر والأمراض، ويهرب المستثمرون من البلاد التي بدا أنهم يئسوا منها مثل شعبها، باستثناء منظمة وحيدة كانت لا تزال تعمل بنظام: الإخوان المسلمون، الذين كانوا يقاومون الاحتلال البريطاني بشكل فعال ومنظم، وشاركوا في حرب فلسطين بكتيبة من كتائبهم، إضافة لخدماتهم الاجتماعية المتمثلة بمستشفياتهم ومدارسهم ومصانعهم، والذين وصلت أفراح اغتيال زعيمهم حسن البنا إلى سيد قطب في مشفاه في جامعة جورج واشنطن عام 1949، في نفس العام الذي نشر به كتابه: "العدالة الاجتماعية في الإسلام"، وهو ما مهد له الطريق لينضم إلى الحركة التي يلتقي معها في الاعتماد على الإسلام حكما وسياسة ومجتمعا.

 

عام 1952، اجتمع عبد الناصر، و"الضباط الأحرار" الذين كان منهم أنور السادات، في فيلا سيد قطب، وكان المخطط أن يساعد الإخوان المسلمون حلفاؤهم العسكريين بالهرب إن فشل الانقلاب، إلا أن ما حدث هو أن الحكومة سقطت بسرعة شديدة، واستلم عبد الناصر الحكم. نشر قطب خطابا علنيا موجها لقادة الثورة ينصحهم فيه بأن الطريق الوحيد لتطهير البلاد من الفساد الأخلاقي هو "ديكتاتورية عادلة"، وكان يأمل بالفوز بمقعد في مجلس وزراء الحكومة الجديدة، ولكن عندما عرض عليه أن يكون وزيرا للمعارف أو المدير العام للإذاعة المصرية رفض المنصبين، فعينه عبد الناصر رئيسا لهيئة التحرير التابعة للثورة، في محاولة لدمجه وإذابته في الحكم الشمولي العام، وهو ما تركه بعد شهور قليلة، قبل أن تبدأ المسارات بين الحالم بالاشتراكية القومية العربية العلمانية، والمؤمن بالحكم الإسلامي الديني بالتباعد، لتنتهي باعتقاله عام 1954، قبل أن يفرج عنه عام 1964، ثم يعتقل مجددا بعد ثمانية أشهر فقط، عام 1965، ليحاكم ضمن 43 من الإسلاميين بالتآمر ضد الدولة، ويحكم عليه بالإعدام، الذي طبق عليه عام 1966، في ذروة الحملة الشرسة لعبد الناصر ضد الإسلاميين الذين ملؤوا سجونه ومعتقلاته. [6]

 

كان الملك فاروق وملوك مصر أصدقاء للسعودية منذ الأربعينيات، فقد أقام الملك سعود معهم منذ الأربعينيات علاقات ودية لمواجهة نفوذ الهاشميين أعدائه التاريخيين في العراق والأردن، وآثر سعود الإبقاء على مظاهر الصداقة مع مصر، فوقع معاهدة دفاع مشترك عام 1955، في حركة موجهة بالأساس ضد العراق الهاشمي الذي انضم إلى حلف بغداد في ائتلاف مع بريطانيا وإيران وباكستان، كما وجد الملك سعود نفسه ملزما بقبول تحالفه الناشئ مع الاتحاد السوفييتي، قبل أن تكون العلاقات مع الولايات المتحدة قد ترسخت وتثبتت بعد.

 

كان سعود وعبد الناصر حليفين غير متوقعين نظرا لأصولهما المتباينة وتوجهيهما السياسيين المتعارضين، لكنهما اتفقا على معارضة الهاشميين في العراق والأردن، وكانت المفاجأة عندما دعم الملك سعود عبد الناصر بقرار تأميم قناة السويس عام 1956، وقطعت علاقاتها الدبلوماسية مع بريطانيا في أعقاب الأزمة، في أدنى تراجع للنفوذ البريطاني في المملكة، بعد النزاع الحدودي على البريمي مع أبو ظبي وسلطنة عمان، المدعومتين من بريطانيا، قبل وفاة الملك المؤسس عبد العزيز بن سعود.

 

بقي الملك سعود شخصية هامشية في ظل وجود
بقي الملك سعود شخصية هامشية في ظل وجود "الزعيم" جمال عبد الناصر، وكانت مناواراته مدفوعة برغبته باحتواء الهاشميين في العراق، والتي أخرت حتى اهتمامه بالقضية الفلسطينية
 

وصل عبد الناصر إلى الرياض في أيلول/ سبتمبر عام 1956، لبحث إقامة اتحاد يضم مصر وسوريا والسعودية، ولاقى عبد الناصر تأييدا شعبيا قرع نواقيس الإنذار داخل الأسرة المالكة السعودية، جعل الملك سعود يدرك أن تحالفه مع عبد الناصر كان يخفي اختلافات كبيرة لا يمكن إبقاؤها مستمرة، خصوصا في ظل الحملة الشرسة التي كان عبد الناصر يخوضها ضد الإخوان المسلمين، حلفاء السعودية والذين سيتركون داخلها أثرا فكريا واجتماعيا كبيرا في وقت لاحق، إضافة لأن تصدر عبد الناصر كشف عن توتر كامن بينه وبين سعود على زعامة العالم العربي.

 

بعد ذلك بعام واحد، غير الملك سعود كل وجهته، وزار أعداءه التاريخيين الهاشميين في بغداد، في أول زيارة للعراق من حكام السعوديين، إلا أن الصداقة لم تستمر بسبب سقوط الهاشميين على أيدي العقيدين عبد السلام عارف وعبد الكريم قاسم.

 

جاءت الهزيمة البريطانية في السويس ضمن توجه الولايات المتحدة لإزاحة بريطانيا كقوة مهيمنة في الشرق الأوسط، وضمن خشيتها من الشيوعية، وهو ما بدا واضحا في "مبدأ آيزنهاور" الذي يقضي بنشر قوات أميركية لحماية الدول المهددة بالشيوعية، بما فيها الدول في الشرق الأوسط.

 

ولمواجهة تهديد عبد الناصر والشيوعية معا، زار سعود واشنطن عام 1957، بعد أن توقف في القاهرة ليجتمع مع عبد الناصر وعدة زعماء عرب معارضين لمبدأ "آيزنهاور"، وتلقى وعودا بمساعدات اقتصادية وعسكرية ومعدات بحرية وأرضية للسلاح الجوي، مقابل تعليق المساعدات إلى مصر، وحق استخدام قاعدة الظهران خمس سنوات إضافية مقابل مساعدات عسكرية.

 

أثناء عودته كذلك، مر سعود على القاهرة ليلين اعتراضاته على "مبدأ آيزنهاور"، لكنه فشل في ذلك، كما حاول ولي العهد حينها، الملك فيصل، أن يخفف الخلاف بإعلانه "التوافق التام" مع آراء مصر حول جميع القضايا، وهو ما فشل كذلك.

 

لم يعد عبد الناصر ولا أفكاره يشكلان تهديدا حقيقيا للسعودية، مما دفع فيصل للتفاهم معه بعد أن اعتراه الضعف حتى عام 1970، بينما كان خصومه الأوائل داخل السعودية، في تحالف ثم عداوة شبيهة بذلك
لم يعد عبد الناصر ولا أفكاره يشكلان تهديدا حقيقيا للسعودية، مما دفع فيصل للتفاهم معه بعد أن اعتراه الضعف حتى عام 1970، بينما كان خصومه الأوائل داخل السعودية، في تحالف ثم عداوة شبيهة بذلك
 

بقي الملك سعود شخصية هامشية في ظل وجود "الزعيم [7]" جمال عبد الناصر، وكانت مناوراته مدفوعة برغبته باحتواء الهاشميين في العراق، والتي أخرت حتى اهتمامه بالقضية الفلسطينية، وهو ما سيتغير لاحقا مع شقيقه الملك فيصل، الذي استلم الحكم عام 1964. [8]

 

انتقل هذا النزاع والتنافس بين سعود وعبد الناصر إلى اليمن، عندما أطاح عبد الله السلال، المدعوم من مصر، بالإمام بدر، لتصبح اليمن أول نظام حكم غير ملكي في الجزيرة العربية، عام 1962، مترافقا مع سلسلة من الغارات اليومية على الحدود السعودية مع اليمن، والتهديد الأمني المتمثل بتواجد أكثر من 20 ألف جندي مصري عام 1963، في النزاع بالوكالة بين الملكيين اليمنيين والجمهوريين، الذي طلب به فيصل مساعدة الولايات المتحدة التي أرسلت سفنها وطائراتها ونظام الدفاع الجوي على امتداد الحدود اليمنية قرب نجران، حتى زيارة عبد الناصر لجدة عام 1965، بعد تولي الملك فيصل للحكم، وتوقيع اتفاقية وعد بها كلا الجانبين بوقف المساعدات للأطراف المدعومة، وتوجيه الاهتمام للنزاع الأشد خطورة: الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967.

 

بعد الهزيمة المهينة لعام 1967؛ أعلن الزعماء العرب بمن فيهم فيصل في الخرطوم عن اللاءات الثلاث الشهيرة: "لا اعتراف، لا مفاوضات، لا صلح"، إضافة للالتزام الدول النفطية الكبرى بتمويل "دول المواجهة"، الذي أصبحت السعودية مصدر رؤوس الأموال إليها، في أول انتقال لحجر الوزير، النفط، من الهامش، إلى مركز السياسة العربية.

 

أما عن المواجهة بين السعودية وعبد الناصر، فلم يعد الأخير ولا أفكاره يشكلان تهديدا حقيقيا، مما دفع فيصل للتفاهم معه بعد أن اعتراه الضعف حتى عام 1970، بينما كان خصومه الأوائل داخل السعودية، في تحالف ثم عداوة شبيهة بذلك، في وقت كانت السعودية تستعد به للقيام بدور مركزي يتناسب مع ثرواتها النفطية، ويليق بتراثها الإسلامي وحماية الأماكن المقدسة في مكة والمدينة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هوامش:

1- محمد حسنين هيكل، حرب الخليج: أوهام القوة والنصر، مركز الأهرام.

2-  The War that Haunts Iran’s Negotiators

3- Death tolls of the Iran- Iraq war

4- المملكة العربية السعودية والعراق: النفط والدين وتناحر طويل مستمر

5- يوجين روجان، العرب من الفتوحات العثمانية حتى الحاضر.

6- The Looming Tower: Al-Qaeda and the Road to 9/11

7- مضاوي الرشيد، تاريخ العربية السعودية بين القديم والحديث

8- Paradoxes of Egyptian- Saudi relations

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.