شعار قسم مدونات

كومبارس السيسي.. كيف تم إنقاذ مشهد الانتخابات؟

blogs رئيس حزب الغد

في أسبوع عاصف، تحول المشهد في مصر إلى ما يشبه الغابة، قطيع من الضباع، وأمامهم طريدة-انتخابات الرئاسة- ومهمة الضباع ليست فقط الإمساك بالطريدة، بل منع أي كان من الاقتراب، باعتبارها ملكية فردية لا يجوز الاقتراب منها، وفي الطريق بإقصاء الخصوم ولا مانع من تصرفات خشنة غبية لا تخلو من الكارثية.

 

بدأت أولا بـ "شحن" أحد قيادات الجيش السابقين من الإمارات -الفريق أحمد شفيق- بتصرف جلف إلى أبعد الحدود، ووضعه قيد الإقامة الجبرية حتى يعود عن قراره بالترشح، بل ويعلن على الملأ أنه غير مؤهل للمنصب، ولا يفوتنا مشهد بقاء بناته رهينة بالإمارات، في إشارة لا تخطئها العين. ولا يهم على الإطلاق من هو الفريق شفيق وما هو تاريخه ولا منصبه السابق، هو، وفقط، أحد المنافسين على الطريدة ولذا فكل الطرق متاحة وإلى أقصى حد.

 

إن نزول مرشح المؤسسة العسكرية الرسمية بشكل منفرد مشهد لا يمكن تمريره في الخارج، وفضيحة دوليه قد تجبر الحكومات التي تقدم العون لنظام السيسي على اتخاذ مواقف منه

قبل أن تهدأ الأمور، كان الزلزال العناني، حيث ترشح قائد آخر أعلى منصبا ومكانة في القوات المسلحة -الفريق سامي عنان- قائد أركان حرب القوات المسلحة، والذي أعلن ليس فقط عن ترشحه، وإنما أعلن في بيان منمق الكلمات عن فريق رئاسي متكامل ضم بجواره مدنيين رفيعي المستوى، لهم تاريخ مشرف في معارضة النظام العسكري، ولذلك فهو بالتأكيد أخطر من سابقه، والوقت كان قد اقترب من لحظة الحسم، ولذلك كان التصرف أكثر خشونة وجلافة، وكانت الرسالة أكثر فظاظة باعتقال الضابط المرموق، واختفائه تماما عن الأنظار، بل والذهاب إلى منزله للبحث -ربما- عن شيء ما يخشون من وجوده معه، وأعتقد أن الفصل الخاص بالفريق سامي عنان لم ينته بعد، المتحدث باسم حملته في الخارج ألمح إلى ما يقترب من ذلك، وإذا صح ما قاله فإننا على ما يبدو نقترب من شهور ساخنة جدا ومفاجآت.

 

لم يكتف المطاردون باصطياد الفريق عنان، بل أكملوا بطريقة أكثر خشونة، حيث تم الاعتداء على نائبه المستشار هشام جنينة أمام منزله، على يد أشخاص بدوا عاديين، ثم تبين أنهم أشخاص استعان بهم النظام من قبل لنفس المهمة مع أحد ضباط الشرطة غير المرضي عنهم، بنفس الأداء وبنفس الإخراج، بل ونفس الادعاءات، بقدر ما كان الإخراج رديئا كانت الرسالة أوضح.

 

الحادث تم في شارع هادئ تماما بما ينسف فرضية أنه حادث سير عادي، بالطبع شخصية المهاجمين أصلا تنسف الفرضية، ولكن حتى الادعاء كان بعيدا عن الحبكة الضرورية لتمريرها في الخارج -وهو المعني بالتبرير- وهذا يضعنا أمام تساؤل حول كفاءة من يدير الأمور بهذه السذاجة، فيبدو أن الفشل غير مقتصر على إدارة موارد البلاد، بل حتى في اختيار المعاونين في العمليات القذرة.

 

سرد الأحداث بداية من الفريق شفيق ثم الفريق عنان وفريقه، لا يعني استبعاد اسم العقيد قنصوة الذي بدأ مبكرا وانتهى سريعا لأسباب عدة، أولها أنه ضابط صغير بالمقارنة مع الفريقين، وعدم وجود تاريخ كاف لمعرفته أصلا، وهذا يفسر عدم التوقف طويلا عند لحظة البطش به، فهو قادم من المجهول بالنسبة للغالبية العظمى من المتابعين، والأحداث السريعة التي أعقبت القبض عليه جرفت الجميع، ولكنه يبقى فصلا آخر في مسلسل إقصاء خشن طال جميع من اقتربوا من الطريدة.

 

ظلت الأمور تحت السيطرة، والطريدة ما زالت في المتناول ولا يتبقى غير مرشح القوى السياسية المدنية الباقية المنهكة بشدة، الأستاذ خالد علي، وهو مرشح طريقة التعامل معه أسهل كثيرا من سابقيه، المطاردة في الشارع أمنيا لمؤيديه وأعضاء حملته، وعدم السماح -في مرحلة ما بعد التوقيعات- بعقد أي جولات في المحافظات أو مؤتمرات جماهيرية مع حمله إعلاميه شرسة عن طريق إعلام تم تأميمه تماما، مع الاحتفاظ بسيف حكم قضائي عند اللزوم، وهكذا بدت الأمور مرتبة تماما، والطريدة في المتناول تماما. ثم يخرج خالد علي فجأة ويعلن انسحابه من السباق الانتخابي احتجاجا على الممارسات التي تمت مع باقي المرشحين في خطاب طويل ألقاه على رؤوس الأشهاد.

 

موسي مصطفي موسي.. رئيس حزب الغد (رويترز)
موسي مصطفي موسي.. رئيس حزب الغد (رويترز)

وهنا يتغير المشهد تماما وتصبح الطريدة في خطر بشكل معكوس، نزول مرشح المؤسسة العسكرية الرسمية، بشكل منفرد مشهد لا يمكن تمريره في الخارج، وفضيحة دولية قد تجبر الحكومات التي تقدم العون لنظام السيسي على اتخاذ مواقف منه، خشية من ضغط الإعلام الدولي والرأي العام الداخلي، ولذلك تبدل المشهد، فبدلا من مطاردة المرشحين والقبض عليهم، أصبحت المطاردة للبحث عن مرشحين، قابلين للعب دور الدوبلير الضروري لاستكمال المشهد.

 

وفي لحظة عبثية تماما، يتم استدعاء ساسة أعلنوا قبل أيام تأييدهم الكامل وانحيازهم لعبد الفتاح السيسي، وهي مهمه صعبة لدرجة أن أحد أهم لاعبي المعارضة الصورية التقليدية، السيد البدوي، رئيس حزب الوفد رفض حزبه المشاركة بتلك الصورة الفاضحة، فاضطر النظام إلى استدعاء وجه شديد الرداءة، هو موسى مصطفى موسى، لأداء الدور على عجل في الربع ساعة الأخيرة قبل إغلاق باب الترشح رسميا… وهو استدعاء لن يخفي آثار الندبة الواضحة على وجه النظام في رحلته المضنية لاصطياد الطريدة التي كادت تخرج عن السيطرة، ولا أظن أن الأمور ستمضي هادئة بعد كل تلك الرحلة الشاقة والأحداث العاصفة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.