شعار قسم مدونات

25 يناير.. ثورة شعب حصد ثمارها العسكر!

مدونات - 25 يناير

عندما يدرك الناس أن الدولة تدار لحساب نخبة وليس لحساب أمة؛ يصبح الفرد غير قادر على التضحية من أجل الوطن وينصرف للبحث عن مصلحته الخاصة. تلك المقولة الحكمة التي جاءت على لسان الدكتور "عبد الوهاب المسيري" تنطبق تماما على الواقع المصري الآن، ففي الذكرى السابعة لثورة 25 يناير نجد الوضع قد أصبح مأساويا أكثر منه في عهد المخلوع مبارك، لا شك أن ثورة يناير من أعظم الأحداث في تاريخ مصر، وقد قدّمت نموذجا ودرسا في الثورة على الطغيان ولكن يبدو أن درسها الأكبر وهو وحدة الهدف والحشد لتحقيقه قد استفاد منه ووعاه العسكر أكثر من الثوار أنفسهم، فعملوا منذ اللحظات الأولى للإطاحة بمبارك على شق وحدة الصف الثوري، فما إن أعلن عن تنحي مبارك في 11 (فبراير/شباط) 2011 حتى بدأ الثوار بالعودة إلى منازلهم ودعا البعض الآخر للبقاء في الميادين وكان هذا أول خلاف يحدث بين الثوار.

حين بدأت الدعوات للاحتشاد يوم 25 (يناير/كانون الثاني) 2011 وهو الموافق لعيد الشرطة؛ كان الخروج موجها ضد جهاز الشرطة وشخص وزير الداخلية "حبيب العادلي" ولو أدى التظاهر لإقالته لكان خيرا وبركة ونصرا عظيما، لكن الإرتفاع التدريجي لعدد المسيرات وتنامي أعداد المتظاهرين تزامن معه ارتفاع سقف المطالب، فقد دفع الشعور بالقوة نظرا لضخامة الحشود إلى التيقن بأننا قادرون على فعل أي شيء ولن يستطيع أحد الوقوف في وجوهنا.

  

إنها الثقة الناجمة عن وحدة الصفوف وتنوع أطياف المشاركين فيها سياسيا واجتماعيا، فالجميع موجود؛ المسلم بجانب المسيحي، الإخواني كتفه بكتف العلماني والليبرالي والشيوعي واليساري وغير المؤدلج، ذابت الفروق وتلاشت الاختلافات واشترك الجميع في الهدف والمقصد "إسقاط النظام"، مما حدا بالدولة العميقة والمؤسسة العسكرية للانحناء مؤقتا للعاصفة والتضحية بالرأس ليبقى الجسد خصوصا وأن الجيش وجد في تلك العاصفة فرصة سانحة للتخلص من مبارك ومشروعه لتوريث الحكم لنجله جمال، فهو وإن كان نجلا لمبارك العسكري يبقى شخصا مدنيا من خارج المؤسسة العسكرية التى لا تثق في المدنيين وتراهم خطرا على مصالحها وإمبراطوريتها الاقتصادية وزعزعة لسيطرتها شبه الكاملة على القطر المصري، وقد أصبحت بالفعل دولة داخل الدولة، فتخلصت من مبارك وأجلت صراعها مع الشعب الثائر إلى حين، فالقائمون عليها يعلمون علم اليقين أن لا قبل لهم بالانتصار في تلك المواجهة ما دام الشعب مجتمعا ومتّحدا خلف هدف واحد ووجهة مشتركة.
 

دفعت الخلافات السياسية والأيديولوجيات الفكرية النخب المصرية للتفكير في حصد الغنائم والمكاسب السياسية قبل التخلص من بقايا نظام المخلوع مبارك

وتفرقت الجموع وتحزبت الحشود واختلفت الأهداف وكان ما كان من مذابح ومعارك سياسية ثم انقلاب عسكري مكتمل الأركان في 3 (يوليو/تموز) 2013 يسير بمصر نحو الهاوية، باتفاقيات كارثية على كافة الأصعدة والمجالات، ثم بدأت فصول مسرحية الانتخابات الرئاسية خلال مارس/أذار المقبل، وتصاعدت وتيرة الأحداث بإعلان الفريق أحمد شفيق -قائد القوات الجوية الأسبق وآخر رئيس وزراء للمخلوع مبارك- ترشحه لخوض الانتخابات ثم تراجع وأعلن انسحابه بعد استضافته على طريقة معتقلي "الريتز"، وبرر انسحابه هذا برؤيته لمستجدات الوضع في مصر وسط تكهنات تعرضه للضغط والابتزاز.

 

ثم القنبلة التي انفجرت في وجه نظام السيسي بدون مقدمات بإعلان الفريق سامي عنان رئيس أركان حرب القوات المسلحة الأسبق وأحد أعضاء المجلس العسكري الذي حكم مصر بعد خلع مبارك في 11 (فبراير/شباط) 2011 وحتى تسليم السلطة للرئيس المنتخب محمد مرسي في 30 (يونيو/حزيران) 2012، أعلن ترشحه في خطاب مثير هاجم فيه نظام السيسي بطريقة مباشرة فيها نبرة تحدٍ، ثم اعتقاله عقب اتهام قيادة الجيش له بالتحريض على القوات المسلحة، ومخالفته القانون بإعلانه الترشح لانتخابات الرئاسة ثم التحقيق معه فيما قيل إنها مخالفات وجريمة تزوير أوراق رسمية.

ما يهمني في ما حدث مع شفيق ثم عنان هو أن الصراع على السلطة في مصر تحول إلى صراع وتنافس عسكري بحت، غاب فيه أي وجود أو دور فاعل للنخب السياسية من كافة التيارات المعارضة للانقلاب، وبعد أن شغلتها الخلافات فيما بينها أكثر من معارضة الانقلاب والعمل على اسقاطه؛ فأصبحت مشاركة أي فصيل محسوبة عليه في العملية السياسية تحت الحكم العسكري الانقلابي يُنظر إليه من الكثيرين على أنه حرث في البحر وتجميل لوجه النظام ومساعدته على إكمال فصول المسرحية بطريقه ترضي النظام وحلفائه في الداخل والخارج ، وأصاب الشعب المصري المغلوب على أمره حالة تشبه اليأس بسبب تلك النخب وإحكام العسكر قبضته على زمام الأمور، وانكفأ الشعب على نفسه في خضم صراع مرير ومتواصل لتوفير احتياجاته الأساسية للحياة في ظل الارتفاع المستمر للأسعار والضربات المتتالية التى تنهمر فوق رأسه عقب كل قرار من قرارات النظام الانقلابي الاقتصادية.

لقد وعى العسكر درس 25 يناير والـ18 يوما التالية جيدا، فهم بالتأكيد ليسوا على قلب رجل واحد ولكنهم متفقون على هدف واحد وهو بقاء السلطة في أيديهم ومقدرات الوطن تحت سيطرتهم، لا يسمحون لخلافاتهم بالظهور للعلن وإن ظهرت فهي تظهر في صورة خلافات بين أشخاص ورتب عسكرية وليس بين مؤسسات وأجهزة سيادية ومخابراتية، وغالبا ما يتم إنهاء تلك الخلافات بصفقات غير معلنة وفي الخفاء تختلف طبيعتها بين المَنْح والمَنْع، والتهديد والترغيب، المهم هو بقاء وحدة الصف العسكري من أجل الحفاظ على إمبراطورية المنافع والمصالح العسكرية في كافة المجالات واستمرار الحكم في البيت العسكري حتى وإن تم تغيير الممثل الخاص بهم داخل قصر الاتحادية.

 

لقد استوعب العسكر جيدا درس 25 يناير وهُم يبذلون كل جهودهم من أجل منع تكراره وسيفعلون أي شيء وكل شيء للحفاظ على سلطانهم ومنافعهم
لقد استوعب العسكر جيدا درس 25 يناير وهُم يبذلون كل جهودهم من أجل منع تكراره وسيفعلون أي شيء وكل شيء للحفاظ على سلطانهم ومنافعهم
     

أما في المعسكر الثوري فقد فقدت قطاعات واسعة من الشعب المصري ثقتها في نخب هذا المعسكر بعد أن مزقتها الخلافات وتشعبت أهدافها واختلفت توجهاتها وتنوعت مشاريعها، ويذكرني وضعها بذلك المشهد الكوميدي في أحد الأفلام لشخص ضاقت به الظروف ودفعته الحاجة للعمل في مهنة الجزارة التي لا يفقه فيها شيئا، فقام بسلخ الشاة قبل ذبحها، لقد دفعت الخلافات السياسية والأيديولوجيات الفكرية النخب المصرية إلى التفكير في حصد الغنائم والمكاسب السياسية قبل التخلص من بقايا نظام المخلوع مبارك وتحييد المؤسسة العسكرية، مما أدى إلى تشرذمها وضعفها؛ الأمر الذي منح العسكر فرصة التقاط الأنفاس وتجميع الشتات ثم الانفراد بفصائل الثوار وتكتلاتهم الواحدة تلو الأخرى.

 

وبلغ من تلك النخب أن وصل الأمر بالكثير منها إلى رؤية شفيق مصدر تهديد للسيسي، وعنان أفضل منه بمراحل، والحشد والاستبشار خيرا بهذا وذاك، وكأن شفيقا ليس هو أحد أركان نظام المخلوع مبارك وآخر رئيس وزراء له وابن المؤسسة العسكرية وممثل شبكة مصالح وتكتلات بقايا نظام مبارك كما يصنفه البعض، نظام مبارك الذي نشر الفساد في كافة نواحي الدولة المصرية وقامت الثورة من الأساس ضده لاقتلاعه، وكأن عنان ليس ممثل الدولة العميقة كما يراه الكثيرين وأحد أفراد المجلس العسكري الذي حكم مصر بعد الثورة وبدأت عداءه يتضح للثورة بعد أسبوعين فقط من تنحي المخلوع مبارك حين قامت قوات من الشرطة العسكرية.

 

وبدون سابق إنذار في 25 فبراير/شباط، بالهجوم على معتصمي التحرير بالهراوات والعصي الكهربية ومطاردتهم فى الشوارع، ثم فضيحة "كشوف العذرية" في 9 مارس/آذار، مرورا بماسبيرو ومحمد محمود ومجزرة "استاد بورسعيد" وغيرها، نعم يبقى الخلاف والصراع بين أجنحة العسكر عاملا هاما ومؤثرا لو قامت القوى السياسية المعارضة باستغلاله وتوحيد جهودها وصفوفها ومخاطبة الشعب وحشده ضد الحكم العسكري، وإلا فسيبقى الصراع مجرد خلاف بين مكونات البيت العسكري، وإن حدث وانتصر جناح على الآخر فلن يتغير شيء وسيظل الحكم عسكريا حتى وإن حدثت بعض التغييرات الطفيفة التي تعقب كل تغيير في سدة الحكم.
  

الخلاصة

لقد استوعب العسكر جيدا درس 25 (يناير/كانون الثاني)، وهم يبذلون كل جهودهم من أجل منع تكراره وسيفعلون أي شيء وكل شيء للحفاظ على سلطانهم ومنافعهم، ولن يمنعهم أحد ما دامت النخب والفصائل المعارضة للحكم العسكري على حالتها من الخلاف والتشرذم، وسيبقى الشعب المصري "حزب الكنبة" متفرجا بعد أن أنهكته الصراعات والقرارات من النظام الانقلابي التي يرزح تحتها، وتملكه اليأس أو كاد، وفقد الثقة في أي تغيير قد يحدث على يد أطراف وقوى من خارج المؤسسة العسكرية، وتحول صراع تلك القوى إلى صراع مصالح ومكاسب سياسية من أجل نخبة بعد أن كان في يناير/كانون الثاني صراع شعب مع نظام فاسد يسعى لتحقيق المكاسب وتحقيق العدل والمساواة من أجل أمة. نعم؛ إنه الدرس الأعظم لثورة 25 يناير/كانون الثاني الذي وعاه وفهمه العسكر فاستعادوا السلطة، ونسيه الثوار فأصبحوا خارج الحسابات، ولا سبيل لهم إلا وحدة الصفوف من أجل تحقيق الهدف وإسقاط الانقلاب وإنهاء حقبة الحكم العسكري، فهل سيستوعبون الدرس الذي قاموا هم أنفسهم بكتابه فصوله وصياغة مفرداته؟؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.