شعار قسم مدونات

معلم عجوز ومنهج قديم!

Blogs- university

يتخرج الطالب من الجامعة وهو بالكاد قد حصل من التعليم الجامعي على النزر اليسير من المعلومات والخبرات التي يجب أن يكون ملمّا بها ويطلبها المجتمع وسوق العمل. تبدأ المشكلة غالبا من المدرسة، التي تنتهي بمعدلات تحكم على الطالب بالتسجيل في تخصص جامعي معين قد لا يتناسب مع إمكانات الطالب أو أن هذه المادة أو تلك قد حكمت على عليه بعدم التخصص في مجال يدخل ضمن رغبته الجامحة او هواياته.وينعكس سلبا على الطالب في الجامعة والعمل في وقت لاحق. كما أنه لم يكن قد حصل على تعريف عما ينتظره في دراسته الجامعية ولا التخصص الذي هو مقبل عليه.
 
ثم ان العملية المطلوبة إجمالا هي الخبرات والمعارف التي يجب أن يلم بها الطالب حول تخصص ما ليقوم بعد ذلك بتكوين معارفه وتجاربه الخاصة حوله ومسايرته في حال تطوره لاحقا، وبالتالي فإن الجامعة يجب أن تقدم مفاتيح للطالب حول تخصصه ومعلومات جيدة حول كيفية استخدامها، وليس هذا الكم الهائل من الحشو المتوفر على هيئة كتب يعبأ بها الطالب عبر المحاضرات المكررة والتلقين المستمر كما اعتاد عليه الطالب منذ بداية حياته الدراسية.

 
والجامعات لا تعالج المشكلات التي عانى منها الطالب أثناء وجوده في المدرسة، فنحن نجد أن المتخرج الجامعي -غالبا- يكتب بخط سيء غير مقروء وذو إملاء ضعيف وتعبير مبهم؛ فلا يجيد ما يقول، ما يؤدي بالضرورة الى خلل في الفهم. كما أن الجامعات تعتمد الاختبارات التحريرية التي تنتج طالباً كالببغاء يحفظ ليقول فقط.. ولا تساعد الطالب على الإبداع قط.

 
 
معلم عجوز ومنهج قديم
تحت أسقف الجامعات يوجد معلمون من الزمن الغابر يكررون على طلابهم ما تعلموه منذ عقود. ويتفاقم الوضع حين نعرف أنهم يطوفون حول جميع الجامعات باختلافها، ما ينتج طلابا بالتفكير نفسه. ولا يتوقف الأمر، هنا بل يسوء أكثر حين ننتبه إلى أن العالم يتغير كل ثانية والعلم يتطور في كل وقت والأدوات التي نتعامل بها تختلف باستمرار، والجامعات تصر على أنّ بالإمكان أفضل مما كان وتقدم معلومات قديمة لطلابها.

  

يقدم البحث العلمي والدراسات حلولا لكثير من المشكلات التي نواجهها وفي مختلف المجالات. كما تقدم توصيات جيدة وتلفت النظر في معظم الأحيان إلى الاهتمام بها
يقدم البحث العلمي والدراسات حلولا لكثير من المشكلات التي نواجهها وفي مختلف المجالات. كما تقدم توصيات جيدة وتلفت النظر في معظم الأحيان إلى الاهتمام بها
 

ويكاد التطبيق العملي، بدوره، ينعدم، إذ لا توفر هذه الجامعات الأدوات الكافية والاستشارات اللازمة لطلابها كما يجب، فيخرج الطالب حينذاك وهو يبحث عن العمل وليس صانعا له أو مشاركا في صناعته، حتى إن توفر له التمويل اللازم، لكونه لا يعرف من أين يبدأ ولا أين ينتهي وما هي الخطوات اللازمة.. ونقع حينذاك في أزمة أخرى حين يبحث الطالب عن وظيفة فيجد أن المطلوب هو تخصص زائد خمس سنوات من الخبرة على الأقل وشروط تعجيزية أخرى.

 

تفاعل مفقود
يمثل التفاعل الذي يكون في الحياة العامة أضعاف أضعاف ما يحصل عليه الطالب في الحياة الجامعية، وهذا التناقض يخلص أزمة ثقة لدى الطالب في ما تعلمه، ما يسهم في تغيير مجال الكثيرين بعد التخرج والاكتفاء بلقب دكتور أو مهندس أو أستاذ دون أن يعود عليه ذلك بالنفع، فقد تعوّد على التنافس في تحصيل الدرجات وليس المعلومة والمعرفة، وهذا يقودنا إلى حقيقة أن الدرجات في الكشوفات ليست مقياس للنجاح.

 

خلل في المقاييس
تعتمد الجامعات كشوفات الدرجات كمقياس لمستوى الطالب العلمي، والتي تتضمن الحضور والغياب وتقديم التكاليف والاختبارات.. وهيتبدو للوهلة الأولى جيدة ومحصلة واضحة تبين مدى اهتمام الطالب والتزامه… لكن السؤال هو: هل هي مقياس لإبداع الطالب واستيعابه ما تعلم؟ الإجابة هي لا بالطبع. فكم من طالب اعتاد الغش في الاختبارات أو التزم الحضور دون أن يكون لحضوره معنى وكان كالكرسي الذي يجلس عليه.. وكم من طالب قدّم واجباته بعد أن نسخها من زميله أو من الإنترنت بكل بساطة وربح الدرجات العليا.
 
ثم إن عدد الساعات والتزام الحضور ليسا بالأهمية التي يتم تصويرهما بها، إذ أن المهم هو ماذا وكيف، وليس الكم. فأربع سنوات من الدراسة كانت كفيلة في الواقع بإخراج علماء ومتخصصين مبدعين، ويمكن لأي منا ملاحظة المستوى العلمي الذي يخرج به الطالب من الجامعة. إذن النتيجة تقول إن الجامعات تعتمد مقاييس مختلة، باستثناء مشاريع التخرج التي قد تعد أفضل ما تقدمه للطلاب. لكنْ ما الفائدة إذا كان الأساس مبنيا على القش، مع الانتباه إلى إمكانية الغش والبيع والشراء والتمرير فوق المعايير أيضا بالنسبة إلى مشاريع التخرج.
   
المشاركة في صنع القرار تكاد هي الأخرى تنعدم في الجامعات، بل وتساهم في التحذير والتخويف من الانخراط فيها في أوقات عديدة
المشاركة في صنع القرار تكاد هي الأخرى تنعدم في الجامعات، بل وتساهم في التحذير والتخويف من الانخراط فيها في أوقات عديدة
  
غياب البحث العملي
يقدم البحث العلمي والدراسات حلولا لكثير من المشكلات التي نواجها وفي مختلف المجالات. كما تقدم توصيات جيدة وتلفت النظر في معظم الأحيان إلى الاهتمام بها. ورغم أن الجامعات تمتلك الكثير من الإمكانات والأدوات التي تساعدها لتكون مؤسسات بحثية رائدة، فإنها لا تساهم في ذلك بالكيفية المطلوب وتترك هذا الشأن لغيرها من المؤسسات.

أنشطة غائبة
تتمحور الأنشطة الجامعية في الأغلب حول المهرجانات الربحية أو الترويجية، مع غياب مؤسف للأنشطة الثقافية والرياضية، والتي يمكن أن تساهم في صناعة شخصية الطالب وتحريك الوعي العام. وتكاد المشاركة في صنع القرار، هي الأخرى، تنعدم في الجامعات، بل وتساهم في التحذير والتخويف من الانخراط فيها في أوقات عديدة، رغم أن من هؤلاء الشباب أو الطلبة من قد يمسكون زمام البلاد في أية لحظة أو يفترض أن يكون الأمر كذلك.. لذا فغاب الأنشطة السياسية من الجامعات يساهم في نمو النزعة العدوانية، إلى جانب زراعة الخوف وصناعة الدكتاتورية؛ فهي مفاهيم تترعرع في غياب المشاركة والتعاون والعمل المشترك والقبول بالآخر والأمور التي تفرضها المشاركة السياسية.

وتغيب أنشطة التدريب، بدورها، باستمرار من الجامعات، فقد كان من الممكن أن تساعد الدورات التدريبية والندوات والمؤتمرات على توسيع وعي الطالب وتقدم له معلومات مجانية تساهم في تبادل الخبرات والآراء بين الطلاب أنفسهم.
 

إيجابيات
الشيء الجيد هو أن الجامعات العربية استطاعت أن تخرج من مفهوم المؤسسات العسكرية نوعا، ما عكس المدارس، التي ما زالت مستمرة في "عسكرة" تلاميذها من خلال زي موحد وطابور روتيني وحشد عظيم، مع عدد كبير من التعليمات الصارمة التي يخرج معها الطالب وهو لا يستطيع انتقاء ألفاظه أو حتى ملابسه.
 

وربما أن الشيء الجيد الوحيد فيها هو أنها قد تدفع الطالب إلى البحث جديا عن الحلول لمعالجة هذه الأخطاء بنفسه لاحقا، من خلال التطوع في المؤسسات المختلفة والحصول على تدريب آخر، رغم أن الأمر قد يكلفه المزيد من الجهد والمال والوقت، وربما لا يفعل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.