شعار قسم مدونات

أبناء المواطنات العربيات.. حقوق مسلوبة وعدالة مغيبة

blogs ابناء المواطنات العربيات

تعج المؤسسات والأجهزة الحكومية في مختلف الدول العربية بآلاف الحالات لأبناء مواطنات تلك الدول المتزوجات من رجال من جنسيات عربية أخرى. هم ليسوا مواطنين ولا حتى أنصاف مواطنين بنظر حكومات تلك الدول؛ بل حتى لا يتمتعون بحقوق تكفل لهم أساسيات الحياة الطبيعية التي يكفلها لهم القانون والدستور الدولي وحقوق الإنسان. ففي وطننا العربي، ورغم ما تشهده بعض دول من نمو وتطور في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية، لا تزال المرأة غير متساوية مع الرجل، فهي لا تملك حق إعطاء جنسيتها لأبنائها، أو أن تكفل لهم الإقامة الدائمة وحقوق العمل والتعليم والرعاية الصحية كسائر أبناء مواطنين الدولة.

فالرجل يحق له إعطاء زوجته الأجنبية أيا كانت جنسيتها أو أصولها جنسيته، وأن يتمتع أبنائه بكافة الحقوق في الدولة، أما المرأة فهي بنظر الحكومات العربية أدنى من أن تمتلك مثل هذه الحقوق. لاسيما إن كان أبنائها من أبناء الدول العربية التي تشهد نزاعات أو حروب أو مشاكل سياسية واقتصادية، كالفلسطينيين ولا سيما أبناء قطاع غزة، وحملة وثائق السفر الفلسطينية، السوريين، اليمنيين، الليبيين، العراقيين، والمصريين. العديد من أبناء المواطنات العربيات ولدوا ونشأوا في دول أمهاتهم، ولكنهم لا يملكون حق العمل أو الإقامة الدائمة أو التعليم والعلاج في المدارس والمستشفيات الحكومية. التصريحات الرسمية العربية، لطالما بررت ذلك بحرصها على الحفاظ على القضايا العربية المصيرية والتاريخية كالقصية الفلسطينية، وأنها لا تريد أن يؤثر ذلك على حقوقهم في العودة لأوطانهم.

معضلة مضحكة ومثيرة للسخرية في واقع الأمر، فبينما نرى تماهي واضح بين مواقف الحكومات العربية وسياسات الدول الغربية في نفس تلك القضايا المصيرية، وأصبح الحديث عن حقوق العودة للأوطان وانتهاء الحروب والمشاكل السياسية موضوعا عفى عليه الدهر وشرب في جميع أصعدة الحياة، إلا أنهم يستحضرونه لتبرير سلب آلاف ومئات الآلاف من الشباب والأطفال أبسط حقوقهم. وما يزيد من سخرية الموضوع، هو أنهم بينما يوعزون ذلك إلى حرصهم على تلك القضايا المصيرية، إلا أنهم يغضون البصر تماما عن الحالات الإنسانية المزرية التي تعيشها تلك الفئة. رغم أن بعض الدول العربية باتت تتغنى على مدار السنوات القليلة الماضية بتقديمها تسهيلات لأبناء المواطنات العربيات من أزواج غير مواطنين؛ إلا أنها في واقع الأمر تبقى حبرا على الورق ولا يتم تطبيقها فعليا في مختلف الدوائر الرسمية والحكومية العربية.

بينما تستقطب بعض الدول الغربية كألمانيا والسويد وغيرها العمالة الوافدة من مختلف العالم، وتمنحهم كافة حقوق المواطنين، نجد الدول العربية لا تمنح أبناء مواطناتها المولودين فيها حتى أبسط تلك الحقوق

فبعض الدول أصدرت خلال السنوات القلية الماضية بطاقات تسهيلات أو بطاقات تعريفية لأبناء المواطنات، ولكن عندما يلجأ أبنائهن إلى مختلف تلك الدوائر لإصدار تلك البطاقات أو الاستفادة منها، يفاجؤون بكمية التعقيدات والإهانات التي يخضعون لها للاستفادة منها في مجالات الحياة المختلفة من عمل أو إقامة أو تعليم أو صحة. ويبقى الفيصل في الأمر هو جنسية الأب، إن كان من دولة غربية أو عربية مستقرة، أو إن كان من أبناء الدول العربية التي نطلق عليها بالعامية "المعترة والمنكوبة".

فحتى من كتب له القدر أن يحمل تلك البطاقات، لا يزال عرضة للترحيل أو الإبعاد من دولة الأم، وعليه تقديم آلاف الطلبات والمستندات لعدد لا يحصى من الدوائر الحكومية، ويعامل معاملة الأجنبي في دوائر الإقامة والهجرة والحدود. لا يزال بحاجة لإصدار تصريح عمل كأي أجنبي آخر، بل إن الأجانب من الدول الغربية قد لا يحتاجون لإصدار إقامات أو تصريحات عمل للإقامة في تلك الدول العربية، بينما ابن المواطنة من أب غير مواطن يحمل جنسية دولة من الدول "المعترة" فهو ملزوم بذلك إلى أبد الآبدين. دون أن ننسى أن العديد من هؤلاء الأبناء قد يكون آبائهم متوفين، أو منفصلين، أو مطلقين ويقيمون مع والداتهم كبار السن اللاتي هن بحاجة ماسة إلى أن يرعاها أبنائها، أو على الأقل أن لا يتم إبعاد أبنائها عنها أو أن تحرم منهم.

السؤال هنا، إن كانت الدول العربية جادة فعلا في تسهيل أوضاع هذه الفئة، لماذا لا تمنحهم على الأقل حق الإقامة الدائمة في الدولة والعمل دون تصريح عمل؟! لماذا يعود الأمر دائما إلى جنسية الأب؟! ألا تدرك أو تعترف هذه الدول بوجود هذه الشريحة فعليا كأمر واقع في أراضيها؟! لماذا لا تستفيد منهم كطاقة بشرية وكفاءات يمكن أن تساهم في بناء وازدهار تلك الدول وإنعاش اقتصادها بدلا من أن يبقوا غارقين في دوامات البطالة والأعباء الاقتصادية والحياتية على عائلاتهم والمجتمع الذي يعيشون فيه؟! أليسوا بشرا؟! لماذا لا تغرس تلك الدول الانتماء والولاء فيهم، بدلا من أن يشعروا بالنقم على أوضاعهم وما يتعرضون له من تمييز وعنصرية يوميا؟!

فبينما تستقطب بعض الدول الغربية كألمانيا والسويد والدول الإسكندنافية وأستراليا وغيرها العمالة الوافدة من مختلف العالم، وتمنحهم كافة حقوق المواطنين من رعاية صحية وحقوق عمل وإقامة وتعليم، بل وتمنحهم جنسياتها ليصبحوا مواطنين رسميا فيها بعد قضائهم عددا من السنوات فيها، نجد أن الدول العربية لا تمنح أبناء مواطناتها المولودين فيها حتى أبسط تلك الحقوق. وما يزيد من حجم الكارثة، أننا جميعا نعلم أن المواطنين الرجال العرب، يلجؤون للزواج من أجنبيات من دول غربية كي يحصلوا على جنسية دولهن؟! أي أنكم تعترفون وتدركون وتلجأون إلى الأجنبيات لتحصلوا على جنسياتهن وتتمتعوا بمزايا ورفاهية ومستوى حياة أفضل، بينما تحرمون أخواتكم وبناتكم من أن يمنحوا أبنائهن تلك الحقوق البسيطة التي تتمتعون أنتم بها في دولكم؟! أي ظلم وأي إجحاف وأي جاهلية هذه؟!

لا يزال يستحضرني موقف رأيته بعيني في إحدى الأيام في إحدى الدول العربية، عندما رأيت وسمعت أم كبيرة في العمر تقف في طابور طويل للمراجعين في إحدى الأجهزة الحكومية وهي تعبر للموظف عن رغبتها في تقديم طلب ليتمتع ابنها بتسهيلات أبناء المواطنات المتزوجات من غير المواطنين التي قد سبق الإعلان عنها آن ذاك، ليستطيع أن يعمل ويقيم في بلدها وأن يعيلها في كبرها، وانهال عليها الموظف بالأسئلة اللامنتهية عن جنسية الأب ومعلومات عنه رغم أنها منفصلة عنه منذ عشرات السنين، وتجيبه "أنا منفصلة عنه منذ عشرات السنين، وحيلتي هالشب يا رب"، ليجيبها بكل برود وإجحاف وغضب: "حد قالك تتزوجي أجنبي، شو مو معبيين عينك رجال البلد تتزوجي أجنبي؟!".. بالله عليكم، أي أخلاق وأي إسلام وأي شهامة وأي عروبة وأي نخوة هذه؟! هل أصبح الفلسطيني أو السوري أو الليبي أو العراقي أو اليمني أو المصري وصمة عار، والزواج منه غلطة يجب أن تدفع ثمنها المرأة ويعاقب عليها الأبناء؟! أنسيتم فضل تلك الشعوب العريقة ذات أكبر حضارات وتاريخ وعراقة في بناء وتطوير وإنعاش اقتصاد الدول العربية أجمع؟! في النهاية، يبقى الحال على ما هو عليه، في انتظار رحمة وفرج وعدالة إلهيه من رب العالمين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.