شعار قسم مدونات

أتَخشى اسمها.. وفي القرآن ذُكِرت مَريم ابنت عِمران؟!

blogs المرأة، حجاب

أتساءل كثيرًا لماذا يخفون اسم المرأة؟! ربما يجدون حرجًا في ذِكر اسمها! وهذا شائعًا في محيطِنا، ويربطون هذا الاسم المقدس الذي أوجده الله لكلّ إنسانٍ خُلِقَ على هذهِ الأرض، بما يسمى بالخصوصيّة لكلّ عائلةٍ أو أسرة، بغضِ النظرِ عن مستوى الحياةِ الاجتماعية والثقافية؛ فهو أحيانًا بِنظرهم عرفٌ وعاداتٍ لا تتغير أو تتبدل مع الزمانِ والمكان؛ فهو سائدًا لا ينقضي، باقٍ مع الظروفِ والتغيرات!

نرى أنّ هذه الظاهرة الأوسع انتشارًا تعمُّ كثيرًا في أعرافِ الزواج والخطوبة؛ فغالبًا ما نجد أنّ بطاقاتَ حفلُ الزفاف والخطوبة، تخلو مِن اسم الفتاةِ، فقط ينُوب عن اسمها بكلمةٍ كأنْها أقْدَس مِن اسمها، ويذكر عادةً: ابنتهم، كريمتهم، أميرتهم.. وغيرها من المسمياتِ والكلمات. كما – شائعًا – أيضًا في ذكر أسماء مستعارة نيابةً عن أسمائِهن، خاصة في حسابات مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا يكون نتيجة الخوف من سطوةِ الأب أو الأخ أو الزوج؛ كأنّه عيبٌ وعارٌ في تفكيرِهم، حتى أنّ فكرة إخفاء الاسم، أصبحت تتغلغل في عقولِ الأطفال منذ الصغر؛ لتجد أنّه يخشى ذِكر اسم أمه أو أخته بين أصدقائه وزملائه. فكأنّ الموضوع فُرِشَ على بساطٍ لا ينطوي للأزَل! والأسوأ أنهّم يقعون ضحيةَ تلك المفاهيم الخاطئة عن ارتباط اسم المرأة بالعيبِ والمحرماتِ في الدين.

كثيرًا من النساء لم يخجل التاريخ من ذِكر أسمائهن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابتِه، وليس ذلك فحسب، بل كانت المرأة تُعرف باسمها الصريح وتنادى به.

هل اسم المرأة بات عيبًا ومحرمًا؟ ولماذا يخفون اسمها؟ وهل في إخفائها حفظاً وكرامًة لها؟ أم يخشون ذِكر الاسم؛ لأنّه كستارٍ واقٍ لحياتها؟! ألم يذكر القرآن اسم المرأة؟ حيث قال الله تعالى في سورة التحريم: "وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ" (آية 12). كما ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه اسم ابنته فاطمة حين ذكر حديثًا عن السّرِقة فقال: "وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كَانَتْ فَاطِمَة بِنْت مُحَمَّدٍ، لَقَطَعْت يَدَهَا)، وحينما سُئِل الرسول عن أحبُّ نِسائِه إليه فقال أمام الجميع (عائشة)، وشيخ الإسلام ابن تيمية لم يخجل من حمل اسم جدته (تيمية).

القرآن والسنة لم يخفِيا اسم المرأة ،حيث سطّر التاريخ أسماءَ كثيرًا من النساءِ والصحابياتِ الجليلات وزوجاتِ الرسول صلى الله عليه وسلم، وجعل الإسلام للمرأة مكانًة ساميًّة وقدّر حقوقها وأكرمها. ونجد أنّ عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها الأسمى في ذِكر الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فسطّر البخاري ومسلم اسمها في رواية الحديث بين طيات الكُتبِ إلى يومنا هذا وغيرها الكثير من نساء المؤمنين. كثيرًا من النساء لم يخجل التاريخ من ذِكر أسمائهن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابتِه، وليس ذلك فحسب، بل كانت المرأة تُعرف باسمها الصريح وتنادى به؛ فهذا حال السابقين الأولين ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، الذين كانوا لا يخجلون من ذِكر أسماء زوجاتِهم، لكنّ اليوم أصبح الأمر مختلفًا كأنّه عيبٌ ويستوحي الحرج!

إذن أين الوَرع والخوف في أعمالِنا؟ وهل نتمسك بما فعله السلفَ الصالح؟ أم قادتنا العادات والأعرافِ إلى الهَاويِة؟ نحن نعيش فقط مع العاداتِ والأفكار المتوارِثة، ونُصعّب على أنفسِنا ما هو سهلاً وبسيط. هذا حالنا لا يتغير رغم كلّ التطورات السريعة التي دخلت إلى حياتنا، ننجرُّ مع الماضي بنظرياتِه وقيوده الصارمة، ولا أحد يجرئ على التغيير للأفضل. ربما الوصولِ إلى الوسطيّة؛ فما هو حلالاً أصبح حرامًا، بحكّمِ المفاهيم المُنمَقة بأعرافِنا التي ما أنزل الله بها من سلطانٍ، وتَجتاح عقول الصغار حتى يكبرون عليها دون وعيٍ وإدراك وتتغلغل في أواصرهم وتُبنى مع تقدمِ العمر إلى أبنائِهم كجيلٍ بعد جيل. أتخجل من اسمها التي حملتك في أحشائِها تسعةَ أشهرٍ، أتنتَمي لمَن؛ لأبّ فقط؟! قد فقدت كمال الحياة وجوهر روحِها. أتخشى شمعًة إن أُطفِئت أحاطَت الحياةَ بِعتمتِها، المرأةُ أمٌّ وأختٌّ هي فخرٌ وحقٌ شرعيّ، هي الخَير في عِرق الدّم حين قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي"

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.