شعار قسم مدونات

ستجدُ في الحبّ ما لا تجده في الكُره!

blogs الكره و الحب

تتباين مشاعر البشر بين ميلهم إلى الحب تارةً وانسياقهم نحو شعور الكره تارة أخرى، وطبيعة الإنسان تُحتّم عليه الاتصاف بهذين الشعورين في مشوار حياته، فتسمو نفسُه مع تفتّح زهرة الحب في نفسه، ويُحَطُّ قدرُه مع سريان مرض الكره في قلبه، والإنسان طالما يسعى مع بذرة الخير التي شكّلت في البدء أصلاً لوجوده إلى تغليب لمسة الحب على سحنة الكره في تصرفاته، فهو يرتاح إذا وقع في قلبه صدى حبٍّ من أي نوع كان، ويضجر عندما يسيطر عليه الكره فتراه ساخطاً على حاله مُشفقاً على نفسه يحاول جاهداً أن ينسلخَ من معطف شعورٍ لا يُلائم إنسانيته ولا يجلبُ له الصفاء والسلام الداخلي.

وصراعُ الحب والكره طويلُ المدى، مثله مثل صراع الخير والشر، فأين يا تُرى يجدُ الإنسان نفسهُ ويرسو على كينونته؟ هل في ملكوتِ الحب؟ أم في جبروت البغضاء؟ قد يدفع الإنسانَ إلى الكره شعورٌ بالقوة، وإن كان بالطبع هذا الدافع ايجابيا في ظاهره إلا أن الشعور بالقوة هنا هو بمثابة عيب في شخصية الإنسان يدفعه إلى الإحساس بالأفضلية والتميّز على سائر الناس في جميع الميادين، من هنا يتولّد الشعور بالكره خوفاً من وصول هؤلاءِ إلى مستواه وهروباً من مواجهتهم ومجاراتهم.

وحتى لا نظلم الإنسان بوصفه كارها بطبيعته، فإننا مجبرون على التماس العذر له في حالة ما إذا كان هذا الكره ناتجا عن مسبباتٍ خارجية ألقتْ بثقلها على نفسيته، فدفعتهُ من دون حولٍ منه و لا قوة إلى كره كل شيء حوله باعتباره مقارعاً له وعدواً يسعى للقضاء عليه، فهذا كرهٌ مكتسب، والمكتسب يفنى بفناء مسبباته، فهو قابل للعلاج كأيّ داء آخر، ولا يمكن اعتبار المكتسَب صفة أصلية قارة في الإنسان فهذا ظلمٌ كبير في حقه وتجاوز في حق إنسانيته، إلا أن المشكلة الكبرى تكمن في أن الكره المكتسبَ قد يكون أكبر في حِدّته وخطورته من كرهٍ متأصلٍ في الإنسان وأسرع منه في خلق نتائج كارثية هي بمثابة ردّة فعلٍ بديهية قد لا تتوفر لدى الإنسان الكاره بطبيعته، فهذا الأخير يعاني كرهاً دفيناً قد لا ينقله بسهولة إلى الخارج وهو جزء من تركيبته النفسية منذ طفولته إذ يحاول دائما التعايش معه وإخفاءَه وراء جدار كاذبٍ حتى يضمن لنفسه البقاء.

حين تبتسم في وجه من يحسبك عدواً وأنت لست كذلك، فإنك بهذا التصرف قد رفعتَ في وجهه لواء الحب فلا سيفَ يكسرهُ ولا رُمحَ يطعنه، وقد يستسلمُ كرهُه لك فتصير بحبّكَ أنتَ المنتصر

إن القول بأن الكره مرضٌ يصيب القلب قول صائب، فالكره يغلّف القلب من كل جانب ليمنع هذه العضلة العجيبة من بثّ المحبة التي تعقبها كل المشاعر النبيلة والأحاسيس الصادقة، فالكاره لا يرى الجمال في أي شيء حوله وإن كان هذا الشيء فعلاً مصدراً للجمال، ولا يستفتي قلبه ليفكَّ له طلاسمَ الجمال السهلة لأنّ لغةً كهذه لا يُجيدها فؤاده ولا يؤوّلها، ولا يرسمُ البسمةَ على وجهه لأن وَصْل الحب بين قلبه ومحياه قد أتلفته مواجع الحياة. إنه لا يرى من السماء الصافية الزرقاء سوى غيمة سوداء بعيدة ترحل إلى الضفة الأخرى على مهل، ولا يرى من الورد المتفتّح في التلّة الخضراء سوى شوكة عَلِقت بإحدى الوردات المتوجّعة، ولا يرى من البحر الهادئ مثلج الصدر سوى بعض الصدفات السوداء التي لفظتها الأمواج في مقتبل المساء، هكذا هو الكاره، لا يرى في القبح سوى ملامِحه الدقيقة، ولا يرى من الجمال سوى بعض منعرجاته الطفيفة، لا يجد نفسَهُ إلا وقد ضاعت في شظايا الوهم وكأنها تمر من زاويةٍ ضيقةٍ تحاول الانسلال منها دون أن تنجح لتستمر معاناتها.

ستجد نفسك في الحب حين تُحلق روحُك الصافية من قفص الكره إلى علياء السلام، ستعرف قيمة وجودك عندما تمنحُ القيمة لكل الموجودات من حولك فلا شيء خُلق هكذا عبثاً إلا فكرةً سوداوية أوجدتَها أنت في عقلك من كرهٍ دفين في صدرك، تحرَّر منه الآن، لتطير كما تطير الطير تغدو خماصاً في الفجر بلا همٍّ يشغلها وتروح بطاناً في الأصيل وقد امتلأت فرحاً وبهجة، ستجد نفسك في الحبّ حين تعذرُ زلاّت الآخرين وتُقدّر ظروفهم، وحين لا تحكم على أفعالهم لأنك لا تملك سلطةَ الحكم حتى على نفسك الأمّارة بالسوء، وحين لا تنبشُ في عيوبهم الظاهرة والباطنة لأن الأولى أن تعودَ لعيوبك أنتَ لتُصدَم من كثرتها وأنتَ لا تعلم، ستجد نفسك في الحب غارقا حين تكون الرحمة العملة المجانية التي تتعامل بها مع كل الأجناس في الأرض، فيرقُّ قلبك بها في موقفٍ يستدعي أن تكون فيه رحيماً، وتتذلّل روحك بها وأنت تُعطي للقلوب المكلومة وللأفواه المتلهّفة ما تنتظره منك من عطاءٍ سخي.

 

وحين تبتسم في وجه من يحسبك عدواً وأنت لست كذلك، فإنك بهذا التصرف قد رفعتَ في وجهه لواء الحب فلا سيفَ يكسرهُ ولا رُمحَ يطعنه، وقد يستسلمُ كرهُه لك فتصير بحبّكَ أنتَ المنتصر، وإن فتحتَ باباً موصدة أو قبّلت يداً ممدودةً إليك، فأنت بذلك قد بعثت الحب في حياةٍ كانت من دونه موتاً محتّما وكابوساً مرعبا، وافعل ما تحبه وليس ما تُرغم على فعله، ولو كان ما تحبه هناك منزوياً وراء البحار، وما فُرض عليك قريبا أمام رجليك، فالحب في الأولى تضحيةُ إنسان وفي الثانية انتحارٌ وبهتان.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.