شعار قسم مدونات

في حب البساطة والبسطاء.. كيف نعيش هذا الجمال؟

blogs قراءة

البسطاء.. البسطاء هم الذي يعيشون باكتفاء وقناعة، ورضا كبير، رضا داخلي وصفاء، هؤلاء الذي يحاولون أن يكونوا أفضل ويسعون لذلك، لكن مع هذا تجدهم فرحين بما لديهم مكتفين جداً، وسعداء بالقناعة التي تحيط بهم. حياتهم لا تتجاوز متطلبات يومية لا يفكرون بغد وما بعد غد، همومهم وأفراحهم هي اللحظة الحالية لا سواها.

‎ما معنى متطلبات يومية؟

إنها يا أعزاءي المتطلبات التي قد لا ينتبه لها الكثير من الناس، لكنها ضرورة من ضرورات العيش، ضرورة بمعناها الحرفي فهم يعملون اليوم، يكسبون رزقهم اليوم، وينفقون ما كسبوا اليوم، ويفرحون بمشترياتهم اليوم، ويأكلون ويشربون ما صنعت يداهم. هؤلاء الذين يعطون دون مقابل ويمنحون دون أن ينتظروا ثمن لما فعلوه.

‎متى نمنح البسطاء حقهم؟

‎ونكف عن استغلالهم ونرفع القبعات احتراما لهم. ونتوقف عن تحديد طموح البعض فنعتقد ونتصور. بأن البسطاء هم من يكون تعليمهم محدود لأسباب مادية مجتمعية. البسطاء لا يشترون الكتب ولا يقرأون فليس لديهم الوقت الكافي للقراءة فهم يعملون فقط في جري مستمر خلف لقمة العيش أليس هذا ما نقوله ويردده الكثير. البسطاء لا يلبسون ما نلبس ولا يأكلون ما نأكل ولا يدخلون الأماكن التي ندخلها ولا يقتنون المقتنيات الخاصة بنا نحن.

‎البسطاء لا يعيشون خلف جدران الكونكريت التي نسكنها ولا يفكرون مثلنا فنحن نفكر أفضل منهم وكأن عقولنا تختلف عن عقولهم مثلاً.. يجب أن نحذر البسطاء ربما يكونوا سُراق متخفين أو مجرمين متنكرين.. تطول الظنون بهم يالسطحية أفكارنا يالسوء ظنوننا. نحتكر كل الحياة لنا لأننا أشخاص نفكر بمادية، على الرغم من كل ما نملكهُ نشعر بالحاجة للمزيد ولا نستمتع بما لدينا ولا نشعر بقيمتهُ. من خَلقك خَلقهم ربٌ واحد لا إله إلا هو الله سبحانه وتعالى.

‎البسطاء يعيشون بسلام وأمان وأفكار مطمئنة بعيداً عن عدد الإعجابات والإطراءات والإشعارات، فلا داعي أن نقصيهم ونقتل طموحاتهم وأحلامهم فقط لأنهم لا يمارسون ذات أسلوبنا في العيش

هؤلاء البسطاء الذي ننعتهم بالجهل والتخلف أو قلة المعرفة وعدم الفهم أو أي من الصفات التي تقلل من قيمة الشخص. الثراء ثراء الخُلق والرضا هو شعور بقيمة أبسط التفاصيل والاستمتاع بها. والفقر هو فقر الاحترام للآخرين فقر التفكير بحيز واسع فقر الشعور بالسعادة وقيمة الحياة وجماليتها. إن قيمة الإنسان لا يحكمها المظهر العام لهُ ولا يجب أن نتعدى على الحياة الإنسانية للبشر وأساليب عيشهم ونحدد صفاتهم ومواصفاتهم كأنهم ليسوا بشر من لحم ودم وشعور وقلوبٌ تنبض وأفكارٌ تثور، فنتعامل معهم بسوء أفعالنا وأقوالنا وننتهك حقوقهم فقط لأن نهجهم في الحياة يختلف عنا!

‎إن نسينا فلنتذكر ونتفكر، خلق الله تعالى الإنسان في أحسن تقويم كرمه أحسن تكريم صوره فأحسن صورتهُ، خلقه ونفخ فيه من روحه. سجدت له الملائكة، ميزه الخالق سبحانه بالعلم والإرادة وجعلهُ خليفة في الأرض. البساطة لا تعرف غني أو فقير إنها أسلوب حياة لا يخضع للكثير من الماديات والألقاب والمظاهر المتكلفة والمزيفة أحياناً التي تُرهق اصحابها وتقيد أفكارهم بمقاييس يجب أن يعيشوا وفقها وإلا باءت صورهم وأحكام الناس عليهم بالفشل، يجب ان يحافظوا على الصورة النمطية من كل شيء لإرضاء الناس من حولهم، الاهتمام بصورتنا في عيون الغرباء والأقرباء باتت تجعلنا نعيش في حالة قلق دائم.

‎أليس كذلك يا عزيزي القارئ؟ لا تقل غير ذلك، المجتمعات العربية تهتم كثيراً بهذهِ التفاصيل الظاهرية المرئية والمسموعة باتت الأعراف الصورية المتعارف عليها يجب أن تنطبق على الجميع وتكون وفق مقاييس مواقع التواصل الاجتماعي الموثقة بصور، تتظاهر بأن هنالك حياة مفعمة بالسعادة تم توثيقها. يجب أن نكون كذلك لابد أن تكون في هذا القالب والإطار المستهلك المستورد لتواكب روح العصر! ومع هذا نجلس في أحاديثنا خلف الطاولات المستديرة وننادي بالبساطة والعفوية أو نحدث الحالة الإلكترونية على أحد مواقع التواصل نكتب عن الحقوق والحريات والمساواة نعقد ندوات بذات الشأن، وننظم حملات تدعم مساعدة المحتاجين في المقابل نحن نواجه صعوبة في تقبلهم اجتماعياً، ان تكتب عن الإنسانية وجمالها وتأثيرها والحياة المفعمة بها وكم تكون مليئة بالراحة النفسية والسكينة والاستقرار والتعايش بين البشر، غير عما تتقبلها وتعيش وفقها على أرض الواقع هنا يكمن تناقض أفعالنا وأقوالنا تماماً.

‎البسطاء الذين تم ذكرهم في المقدمة هم يعيشون بسلام وأمان وأفكار مطمئنة بعيداً عن عدد الإعجابات والإطراءات والإشعارات، لا داعي أن نقصيهم ونقتل طموحاتهم وأحلامهم فقط لأنهم لا يمارسون ذات أسلوبنا في العيش، وتبقى البساطة أن تكون نسخة أولى وحقيقية من نفسك بما ترتاح لهُ الروح ويطمئن لهُ القلب، ويقتنع فيه العقل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.