شعار قسم مدونات

ما السر وراء تأخر الرواية العربية وتصدر الرواية الغربية؟

مدونات - الرواية الغربية

الكثير من الناس يتساءلوا ما السر وراء تأخر الرواية العربية وتصدر الرواية الغربية، يرجع ذلك لأسباب وعوامل كثيرة، فالثقافة العربية لم تعرف الرواية إلا حديثاً ومع هذا ليس هناك رواية عربية جيدة. وكما قال "ادونيس" لولا مجاملتي لنوبل لما استثنيت حتى روايات "نجيب محفوظ" بالرغم من هذا الوصف الذي يجده البعض ربما مجحف إلى حدِّ ما، إلا أن جوهره صحيح وصادق، وهذا يرتبط بالظروف التي عاشها الكُتاب من الظلم والخوف من السلطة. 

جعلت من الروائي رجلًا حزبياً متعصباً لمواقفه السياسية يصب جام غضبه على من يعتبره عدوه الطبقي أو السياسي، أو غريمه الإيديولوجي، فهيمن ضمير المتكلم بدلاً من ضمير الغائب. كما أنهم سعوا إلى اعتمادهم لغة إيحائية تصويرية خيالية بعيدة عن الواقع مخافة أن يزج بهم في السجون، وهذا ما يفسر لنا خلو الروايات العربية تقريباً من الإبداع، فقدموا للقارئ روايات أقرب ما تكون إلى كتب فكرية اعتمد فيها كاتبوها على مراجع ومرجعيات متعددة، وكلفتهم عناء بحث طويل، وليس أمام روايات خيالية يختلي فيها الكاتب مع نفسه ليخرج للقارئ برواية إبداعية مصدرها الوحيد الإلهام والذاكرة.

أؤمن بأنّ الرواية الجزائرية، سواء منها تلك التي كُتبت بالفرنسية أو بالعربية أو حتى بالأمازيغية، ناجحة على صعيديّ الفنّ والموضوع.

وفي مقابل ذلك لا بد من التذكير بالوقوف على عدة روايات معاصرة وجدنا أنفسنا متورطين في قراءتها واستعصى علينا فهمها لغياب أي مؤشر يجعل منها عملاً روائياً يرقى إلى أدنى مستوى فني يسمح بجعلها مادة للنقد والدراسة. ذلك لأن الروايات التي تبنى على الخيال وخالية من التجربة غالباً ما تأول إلى الفشل، إذ لم يعد ثمة هوية ورؤية للإبداع. كتابةُ الرِّواية هي مسعى طموح، وهي مرهقة لاحتياجها للبحث والكتابة وإعادة التنقيح وخيال أدبي إبداعي، وقد لاحظت أن الكثير من الروائيين تعزوهم موهبة البلاغة ويخونهم في كثير من الأحيان طريقة التَّحكم في الحبكة وحسن الصياغة. يوجد ميزة مهمة أريد أيضاً أن أذكرها، وهي ميزة انفرد بها الغربيون في الرواية دون سواهم، وتتمثل في العبقرية، صحيح هناك أدباء عرب كبار عالميين، لكننا لا نرى عند أي منهم مثل هذه الخاصية.

 وبالرغم من أنني مقتنع بأنه يمكن للانضباط والمثابرة في بعض الحالات أن تنتج العبقرية، وأنا أرجح ندرة العباقرة يكمن في ظاهرة الوفرة الروائية التي لا تعكس ازدهارًا حقيقيًا لهذا الجنس الأدبي، بل انفلاتًا يشوش على القليل الجيّد من الروايات. الكثير من الروايات التي تقذف بها المطابع تُصنف في خانة ازدهار السرد الذاتي، وأن التراكم الكميّ للرواية في الوقت الحالي، أسبابه انتشار دور النشر الصغرى التي تكاد تزيح من الطريق الدور الوطنية الكبرى. أضف إلى ذلك تعدد الجوائز العربية المخصصة للرواية وانتشار التقنيات الجديدة من حواسيب ومصاحباتها وشبكة الانترنت، وهذا الكم العددي لا يعني ازدهار الرواية والمقروئية، لاسيما أن الروائي العربي ينشر من روايته ما بين (1000) و(2000) نسخة وهذا الأمر مثير للسخرية.

إن العدد الكبير من الإنتاج الروائي في البلاد العربية يكشف، حسب رأيي – وهو رأي مدني على كل حال – عن استعداد الإنسان العربي لكي يعانق هذا الزمن بجميع مقتضياته. قد يكون هناك بعض الإنتاج الذي لا يبلغ المستوى الفنيّ، ولكنّه إنتاج ضروري لكي نستطيع الحكم على مدى ما تحقق في السّاحة الروائية العربية. إذ ليس من المنطقيّ أن تكون كلّ رواية يكتبها الأديب العربي في المستوى المطلوب فنياً وموضوعياً. نحن في حاجة إلى الكم قبل أن نصل إلى النوعيّة والجودة، وأؤمن بأنّ الرواية الجزائرية، سواء منها تلك التي كُتبت بالفرنسية أو بالعربية أو حتى بالأمازيغية، ناجحة على صعيديّ الفنّ والموضوع. وكذلك الشأن بالنسبة للكثير من الروايات التي صدرت في المشرق العربيّ خلال النصف الأخير من القرن العشرين ومطالع هذه الألفيّة الثالثة.

الرواية العربية، حسب نظري، ما زالت تحترم نفسها إن جاز التعبير، بمعنى أن الروائي العربيّ لم يأخذ بأسباب السرد المعمول به اليوم في العالم الغربي، وفي أمريكا بالذات. هذا الروائي الغربي صار يكتب وعيناه مصوبتان نحو السينما، أيّ إنّ معظم ما يكتبه يبتعد عن الشاعرية التي يتطلبها الفنّ الروائي. وهذا، والحمد لله، ما لم يحدث الآن في الرواية العربية مشرقاً ومغرباً، ويجب ألا ننسى أن الرواية لها بيئتها، تلك البيئة التي لها شعوب لها تجارب انسانية واسعة سواء إن كانت نضالية أو مأساوية، ولها باع طويل في التمدن الحقيقة إن الأدب العظيم يحتاج إلى معاناة عظيمة!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.