شعار قسم مدونات

الشاعر الذي "قالت" له أم كلثوم .. مين ينصفني منك؟

blogs أم كلثوم

كان عبد المنعم الـسباعي واحدا من الضباط الذين ظلموا السيدة أم كلثوم في بداية عهد عبد الناصر لكن شخصيتها الفنية الطاغية ذات العلاقات المتعددة مكنتها من أن تنتصر لنفسها وتواصل تألقها في العهد الجديد، وكان من الطريف أنها غنت من كلمات السباعي أغنية تتضمن نص الجملة المعبرة عن الحيرة في طلب الإنصاف من الحبيب! عرف عبد المنعم الـسباعي (1918 ـ 1978) كاتبا للأغانٍي الرومانسية الطابع، وقد تمتع بقدرات شعرية وأدبية وصحفية متميزة وترك أشعارا ذات قيمة وأعمالا درامية ذائعة الصيت لكنه عاش عصرا حافل بالكفاءات فلم ينل من الضوء ما كان يناله لو تأخر مولده عشرين أو ثلاثين عاما. وقد تعددت تجلياته الفنية الظاهرة للجمهور، فهو مؤلف درامي، وكاتب للمسلسلات وللأفلام، وكاتب للأغاني، وصحفي، ومعد للبرامج، وضابط وإداري.

 

عبد المنعم الـسباعي هو نفسه صاحب مسلسل سمارة الشهير، وهو صاحب أغنية أم كلثوم الشهيرة: أروح لمين، وفيها يقول: أروح لمين واقول يامين ينصفني منك / ما هو أنت فرحي وأنت جرحي وكله منك / أروح لمين / كلمة ونظرة عين والقسمة وياهم /جمعوا سوا قلبين والحب مناهم /وبين ليالي المُنى خذني الهوى وياه / وكان وصالك هنا وكنت باتمناه / وبعد حبي شغلت قلبي وقسيت عليه وكان منايا يدوم هنايا، مادامش ليه؟ وقد قدمت السيدة أم كلثوم هذه الأغنية في 1958 بألحان الفنان العظيم رياض السنباطي. ولد عبد المنعم الـسباعي شاهين (وشاهين هو لقبه غير المعروف في ظل الاختصار السائد ) في طنطا (1918)، وأتم تعليمه الابتدائي بها، وفي مدارسها زامل المطرب والملحن محمد فوزي قبل أن يلتحق بالكلية الحربية، وقد تخرج فيها قبل أن تنشب حرب فلسطين (1948)، وقد شارك فيها.

من الجدير بالذكر أنه ولد بعد يوسف السباعي (1917 ـ 1978) بعام، وتوفي قبله بشهور، وعلى الرغم من اختلاف شخصيتيهما وسمعتهما ومسارهما فقد جمعهما اللقب كما جمعهما الأدب والعمل في مجالي الصحافة والثقافة والتخرج في الكلية الحربية والقرب من سلطة ثورة 23 يوليو ومناصبها ونفوذها ومزاياها. عمل عبد المنعم الـسباعي ضابطا بالقوات المسلحة بالعسكرية كما عمل محررا في مجلة «روز اليوسف» وبعد نجاح الثورة في 23 يوليو 1952 تولي رئاسة مكتب الشكاوى بمجلس قيادة الثورة، كما تولي منصب "أركان حرب الإذاعة المصرية" على مدي ثلاث سنوات، وكان لمثل هذا المنصب أهميته وسطوته في الوقت الذي انتشر فيه الضباط في جميع الوزارات والمصالح من خلال ذلك المنصب الذي سمي وعرف باسم مندوب القيادة.

 

المتاح من شعر السباعي قليل جداً، وجداني الطابع، يتسم بسلاسة اللغة وبساطة التراكيب، فهو ينظم على السجية، منصتاً إلى إيقاعه الداخلي في رسم صوره وتتبع قوافيه وأوزانه، مما يجعل قصائده تتميز بحيوية وعاطفة جياشة

ثم ارتبط اسم عبد المنعم الـسباعي بالإذاعة المصرية حيث عمل بها بعد ذلك إداريا كما شارك في «مجلة الهواء»، وهي المجلة التي كان يقدمها الإذاعي القدير فهمي عمر. لكن شهرته الإذاعية الفائقة تحققت من خلال نجاحه الهائل في مسلسله الرائع «سمارة» الذي يعده النقاد فتحا جديدا في عالم الدراما الإذاعية، إذ كان نجاح هذا المسلسل دعما لقرار الإذاعة المصرية بتقديم مسلسل شهري ثابت أصبح تقليدا متبعا حتى الآن. ومنذ منتصف الخمسينيات استقر عبد المنعم الـسباعي في العمل الصحفي بجريدة «الجمهورية»، وكان من الذين تخصصوا في التعقيب على مشكلات القراء العاطفية، وارتبط اسمه في جريدة الجمهورية بالباب العاطفي الشهير «جراح قلب»، وكان قد بدأه في «روز اليوسف»، وهو الباب الذي تولي كتابته بعد وفاته الشاعر الكبير مأمون الشناوي وذلك من باب الوفاء لصداقته.

 

وكان عبد المنعم الـسباعي يكرر القول بأنه يعيش أجمل ساعات يومه بين رسائل القراء يضع الحلول لمشاكلهم العاطفية، وأن هذا أتاح له التعبير بصدق ودقة عن حيرة وعذاب العشاق. كان عبد المنعم الـسباعي قد بدأ كتابة قصص قصيرة في «روز اليوسف»، كما كان يقدم قصة قصيرة أسبوعيا في مجلة الهواء لا تزيد علي ثلاث دقائق، ويمكن اعتباره أحد رواد الأقصوصة الإذاعية التي عرفتها الإذاعة في الخمسينيات. له مجموعة قصصية بعنوان: «كؤوس الشقاء» في سلسة الكتاب الذهبي، في مجال الأغنية فإن لعبد المنعم الـسباعي  مالا يقل عن عشر أغنيات من أغنيات الأرقام القياسية:

 

أبرز أغنياته العاطفية: أغنية أم كلثوم «أروح لمين»، وله أيضا أغنيته الذائعة الصيت «جميل وأسمر» لمحمد قنديل وغني له عبد الوهاب «أنا والعذاب وهواك» وغني له عبد الحليم حافظ «لايق عليك الخال» و«خليك معايا يا نور العين» وغنت له نجاة الصغيرة: «قلبك راح فين» و«يا هاجر بحبك» و«يا سلام يا سلام»، كما غني له محمد عبد المطلب.

 

ومن أهم الأغنيات الوطنية التي كتبها وارتبطت بأذهان الجماهير ما تغني به عبد الوهاب في منتصف الخمسينيات: «أنده على الأحرار» وقد سببت له أزمة سياسية ووظيفية كبيرة حيث اعتبرها عبد الناصر دعوة إلى أن يشرك أعضاء الضباط الأحرار في مقاليد الحكم، وهي فكرة حساسة لم يكن عبد النصر يرتاح إلى مجرد ذكرها، و«تسلم يا غالي» عن حادث المنشية، إلى جانب أغنية فريد الأطرش «الدم ما يهونش». كذلك يذكر للشاعر عبد المنعم الـسباعي نجاحه في الكتابة للسينما حيث كتب لإسماعيل ياسين بعض أفلام سلسلة أفلامه الشهيرة باسمه: إسماعيل يس في الجيش، كما كتب: سمارة، طريق الأبطال. وهي أفلام عبرت عن خفة الظل! له ثلاثة مسلسلات درامية كتبها للإذاعة: سمارة، عودة سمارة، أمارة بنت سمارة.

 

يشير معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين إلى أن له قصائد مفردة مخطوطة منها: «مع الإنسان» وتقع في (25 بيتاً)، «أنت الأحد» وتقع في (12 بيتاً)، «يا حبيبي» وتقع في (12 بيتاً)، و«أحبه» وتقع في (سبعة أبيات). وإلى أن المتاح من شعره قليل جداً، وجداني الطابع، يتسم بسلاسة اللغة وبساطة التراكيب، فهو ينظم على السجية، منصتاً إلى إيقاعه الداخلي في رسم صوره وتتبع قوافيه وأوزانه، مما يجعل قصائده تتميز بحيوية وعاطفة جياشة، ولعل ميله الحقيقي كان لكتابة الأغنية، فظهرت تأثيراتها في أبنيته الشعرية ومعانيه، كما في صوره التي اتسمت بالجزئية والتنوع وبساطة التركيب وقرب الخيال. نال عبد المنعم الـسباعي بعض التقدير المستحق وحصل على وسام الجمهورية عام 1964. توفي عبد المنعم الـسباعي في 9 يناير 1978.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.