شعار قسم مدونات

غُربَة العِلم وَطَنٌ!

blogs قراءة

حَياتنا شعلةٌ، نُعلق عليه آمالنا وآلامنا، وننتظرُ القدرَ لنعللَ بأنه مكتوبٌ مِن بَاسطِ السَماوات والأرض سُبحانه، ونَنسى حَقيقة أنَّ الإنسَان مخيّر فيما يَعلم، وَمسيّر فِيمَا لا يعلم، ويزدَاد حُرية؛ كلما ازدادَ علماً وثقافَة. فالحَياة مَدرسَة، أستَاذها الزماَن، ودُروسها التجَارب، لا تحتَاج إلى طَلبِ انتسَاب ولا حَتى حَجز مَقعد، ‏نكتسبُ خِبراتها، وَنتعلمُ مَعارفها، فقِطارُ الحَياة يَتوقفُ عِدة مَحطات؛ قَد تكونُ لأخذِ العِبرَة مِن مَواقف أو ‏مَصاعب وَاجهتنا في الطَريق، وقد تَحرقنا بنارهَا، لنكتسب خبراتهَا، ونتعلمُ معارفهَا، ونُدرك مهاراتهَا، فننَجح بها تارةً ونَصطدم بهَا تَارة أخرَى.

الحياة ليسَت بعددِ السنينَ، بل بعددِ المَواقف والتَجارب التي يواجهها الإنسَان، فَمن أشقّ الأشياء التي تواجهه وأقسَاها الغُربة، وأسمَاها غُربة العلمِ، فالعلمُ نورٌ يُضيءُ خُطواتِ صَاحبِه، فَيهديهِ إلى الرشادِ والصَوابِ، وعِبادةٌ شَرعيّة، وطريقٌ لاجتيازِ الصراطِ إلى الجنَة، قالَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَم: (طلبُ العلمِ فريضةٌ عَلى كُلّ مسلمٍ)، فهوَ النَافذةُ لِبلوغِ المَقاماتِ، والحاجةُ العُليا في الإنسانِ، فَإن لَم يظفَر بهِ هبطَ دونَ إنسانيتهِ.

العلمُ مُيسرٌ لِمن أرادهُ وطلبهُ، وأمرٌ غَير مُتعذّر، وهُوَ الطريقُ الأسلَم والمَنهجُ الأقوَم، وحجمُ المرءِ عندَ اللهِ بَقدرِ علمهِ، فإن طلبتَ العلمَ، وأخلصتَ في طَلبهِ، أدركتَ ذاتكَ وسرَّ وُجودكَ، وأقمتَ كيانَك، وتفوزُ بسعادةِ الدارين، فطالبُو العلمِ باقونَ ما بقيَ الدَهر، أحياءٌ وَإن كاَنوا أمواتاً، فأشباهُهم مَفقودةٌ، وَآثارهمُ فِي القُلوب مَوجودةٌ، قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَم: (إذا ماتَ الإنسانُ انقطعَ عملهُ إلّا مِن ثَلاثةٍ: صَدقة جاريّة، أو عِلم يُنتفعُ به، أو وَلد صَالح يَدعو لهُ).

العلمُ مُيسرٌ لِمن أرادهُ وطلبهُ، وأمرٌ غَير مُتعذّر، وهُوَ الطريقُ الأسلَم والمَنهجُ الأقوَم، وحجمُ المرءِ عندَ اللهِ بَقدرِ علمهِ، فإن طلبتَ العلمَ وأخلصتَ في طَلبهِ، أدركتَ ذاتكَ وسرَّ وُجودكَ، وأقمتَ كيانَك

لقَد ربطَ القُرآن الكَريم الوَطن بِمُعادلة عَظيمة جِدَاً، في أكثر من مَوضعٍ منَ القُرآن، فَفي سُورةِ النِسَاء، آيَة رقَم (66) يَقول اللهُ تَعالى مُظهراً تِلكَ المُعادلةِ بَينَ الوَطنِ وَالحَياة (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ)، وقالَ اللهُ تَعالَى أيضَاً فِي سُورة البَقرة مُوضحاً الربَطَ بينَ المَوتِ والغُربَة: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ) آيَة رقَم (84).

فغُربة العلمِ بحرٌ لا يرتَوي شاربهُ، ولا يُنالُ براحةِ الأجسامِ، ولا يُكسبُ إلّا بالجدّ والكدّ، فَهجرةُ الرسولِ لَم تَقف فِي نَشرِ الدينِ الإسلاميَ، وَحينمَا رَجعَ الرسولُ صلّى الله عليهِ وَسلّم إلى مَكةِ المُكرّمة، عادَ فاتِحاً قَويّاً حامِلاً مَعهُ الرسَالة، رغمَ اشتياقِه وَحبّه لمكّة وافترَاقهِ عَنهَا، إلا أنّ الرَسولَ صلَى اللهُ عليهِ وَسلّم، لم يدع حَنينهُ يقفُ عائِقاً فِي الوُصولِ لهدفهِ فِي نَشر الرسَالة، فغربتهُ كَانت تَستحقُ ذاكَ العَناء، فحزنَ وبَكى لِفراقِ مَكة، حيثُ كَان يُوصفُ النَبي (بالمكّي)، بالرغم مِن أنّ أهلهَا آذُوهُ كَثيراً وَجَبروهُ أن يُهاجرَ مِنهَا، إلا أنّها تَربّعَت في قلبه.

إن الغربة موتٌ قبل الموتِ، وأن تعيشَ عمركَ كاملاً باشتِياقٍ دائمٍ لأهلكَ وَبيتكَ الدافئ، وحينَ جَاء أصيلُ الغَفاري مُهاجراً مِن مَكةَ إلى المَدينة، سَأله سَيدنا مُحمّد صلّى الله عليه وسلّم فَقَالَ لَهُ: (يَا أَصِيلُ، كَيْفَ عَهِدْتَ مَكَّةَ؟، قَالَ: وَاللَّهِ عَهِدْتُهَا قَدْ أَخْصَبَ جَنَابُهَا، وَابْيَضَّتْ بَطْحَاؤُهَا، وَأَغْدَقَ إِذْخِرُهَا، وَأُسْلِتَ ثُمَامُهَا، وَأَمَشَّ سَلَمُهَا)، فَقالَ النبيُّ: (ويها يَا أصيل! دَع القُلوبَ تَقرّ قَرارها).

العلمُ مُيسرٌ لِمن أرادهُ وطلبهُ، وأمرٌ غَير مُتعذّر، وهُوَ الطريقُ الأسلَم والمَنهجُ الأقوَم، وحجمُ المرءِ عندَ اللهِ بَقدرِ علمهِ، فإن طلبتَ العلمَ وأخلصتَ في طَلبهِ، أدركتَ ذاتكَ وسرَّ وُجودكَ، وأقمتَ كيانَك، وفوزُك بسعادةِ الدارين، فطالبُو العلمِ باقونَ ما بقيَ الدَهر، أحياءٌ وَإن كاَنوا أمواتاً، فأشباهُهم مَفقودةٌ، وَآثارهمُ فِي القُلوب مَوجودةٌ، قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَم: (إذا ماتَ الإنسانُ انقطعَ عملهُ إلّا مِن ثَلاثةٍ: صَدقة جاريّة، أو عِلم يُنتفعُ به، أو وَلد صَالح يَدعو لهُ).

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.