شعار قسم مدونات

رسالة للقيادة الفلسطينية: اركبوا سفينة الضعفاء فإنها لا تغرق

blogs صواريخ بسماء الاحتلال الصهيوني

ما زالت فصولُ المواجهة تُترجم على أرض الواقع، نعيش معركةً ليست تقليدية البتة، نقرأ معالم جديدة في طريقة الصراع مع العدو، رسائل قد تحمل في طياتها الكثير، لا تحتاج لأي وسيط لينقلها، فالميدان خير وسيط لها. لكن هذه المرة كان الميدان في ساحات الإعلام وعلى مفترقات مواقع التواصل الاجتماعي، التي استغلها العدو أولاً بشكلٍ جيد في بث شائعات "موجهة" تُربك الجبهة الداخلية الفلسطينية، حيث بث تصريحات متتالية عن قادة جيشهم و صوراً لاستعداداته والتي تأتي في إطار الحرب النفسية.

اشتدت تلك التصريحات بعد إطلاق صاروخين "مُفتعلين" من غزة باتجاه أراضينا المحتلة، الأمر الذي دعا سلاح الجو التابع للعدو لقصف أهداف للمقاومة في غزة على حد زعمه، وأصدرت غرفة العمليات المشتركة في غزة بياناً وصفت فيه عملية الإطلاق "بغير المسؤولة"، وأنها داعمة للجهد المصري لتحقيق مطالب الشعب. تفاعل عدد من النشطاء والمحللين وأعادوا نشر ما تناوله الإعلام العبري دون أدنى مسؤولية، وأصبحوا منابراً لنشر الرواية "الإسرائيلية" وجنوداً في جيشه الإلكتروني.

للأسف، نحن كفلسطينيين لا نُحسن استغلال الإعلام في دعم قضيتنا، فإعلامنا أصبح حزبياً بامتياز يتفرد بأخبار حزبٍ ويتلاشى باقي المجتمع وكلٌ يغني على ليلاه. هذا الفضاء المفتوح فرصة كبيرة لإيصال رسالتنا ورؤيتنا ومعاناة شعبنا للعالم بطريقة مهنية صحيحة دون الاعتماد على العواطف والحس الثوري.

هذا الشعب الذي خرج بالآلاف، لن يمنعه أحد من مواصلة طريقه لنيل مطالبه وحقوقه، لكن تأبى فئة فلسطينية للبحث عن أي منفسٍ لكي تُغلقه، وتريد أن تكسر هيبة فئة أخرى بكسرهم للشعب أجمع

لكن إعلام المقاومة قد أبدع في استثمار الإعلام في إيصال رسالة للعدو ولجبهته الداخلية عبر مقطع فيديو، والذي أرى بأن في كل لحظةٍ فيه رسالة، فقد بدأ فيديو كتائب القسام بوضع صواريخٍ داخل المنصة وهو دليل على استمرار الإعداد، ثم في لحظة أخرى وُضع الرأس المتفجر على الصاروخ في دلالة على الجهوزية، ثم في لحظة أخرى تم إرجاع منصة الصواريخ إلى قواعدها في دلالة أننا لا نريد حرباً، لكن إن أردتم سنجعلها لهيباً، وفي نهاية الفيديو جملة باللغة العبرية "افهموا هذا جيداً، فالخطأ لا يفيد" في رسالة تهديد للعدو "إياكم أن تخطئوا التقدير".

نشرت بعدها سرايا القدس فاصلاً مرئياً تُذكّر به العدو ببطولات وجولات الساعة السابعة، والعدو يعرفها تماماً. لا شك أن التفرد في الرسائل قد أزعجني، لاسيما وجود غرفة عمليات مشتركة ناطقة باسم كل فصائل المقاومة، لكن يبدو أن هناك حسابات أخرى! بث الإعلام المضلِل "الموجه" مواداً ورسائلَ لإفشال مسيرات العودة الكبرى، التي شكّلت نقطة تحوّل في تاريخ الصراع مع العدو وأعادت القضية الفلسطينية إلى المقدمة، والتي أصبحت روتيناً يتعايشه الفلسطيني الغزي على حدوده الشرقية، فكان يوم الجمعة مهيباً بحشد شعبي وجماهيري في رسالة للعدو وأعوانه "أننا لن تُرهبنا دباباتك ولا جنودك المدججين بالسلاح ولا طائراتك، ها قد جئنا بصدورنا العارية وبسلميتنا نُطالب بحقوقنا التي سُلبت منا"، فأصبحت الكلمة للشعب، وعندما يتحدث الشعب بكل هذه القوة فهو يعلم أن خلفه مقاومةً تواصل الليل بالنهار، تعد وتستعد، منظومة عمل كبيرة تعمل كخلية نحل فوق الأرض وتحتها وفي لُجج البحار.

مستوى الضغط وتوحد الشعب في مطالبه واحتجاجه، جعل العدو يفكر مراراً وتكرارا في ارتكاب أي حماقة لا يُحمد عقباها
مستوى الضغط وتوحد الشعب في مطالبه واحتجاجه، جعل العدو يفكر مراراً وتكرارا في ارتكاب أي حماقة لا يُحمد عقباها
 

هذا الشعب الذي خرج بالآلاف، لن يمنعه أحد من مواصلة طريقه لنيل مطالبه وحقوقه، لكن تأبى فئة فلسطينية للبحث عن أي منفسٍ لكي تُغلقه، وتريد أن تكسر هيبة فئة أخرى بكسرهم للشعب أجمع، حاولوا كثيراً ويحاولون..، لكن "اللي ما بلحق القافلة، راح يموت موتة الكلاب على المفترقات". مسيرات العودة ستبقى مستمرة حتى تحقق أهدافها بكسر الحصار وتحقيق مطالب وحقوق الشعب. مسيرات العودة التي استنزفت جيشاً بأكمله على مدار أكثر من مئتي يوم، وجعلته يتحرك لإيقافها على مستويات دولية وبوساطات أممية، أصبح الجميع يتحدث بتسهيلات ومشاريع لغزة ، هل هذا حباً بغزة؟

بالطبع لا، مستوى الضغط وتوحد الشعب في مطالبه واحتجاجه، جعل العدو يفكر مراراً وتكرارا في ارتكاب أي حماقة لا يُحمد عقباها. تزامن نشر فيديو تهديد المقاومة للعدو مع وجود وفد امني مصري في قطاع غزة ولا يوجد أي رابط بين مغادرة ووصول الوفد بتهديدات العدو او بإيصال رسائل، فالوفد كانت مهتمه إيجاد حلول لإنقاذ غزة من الانفجار وتقديم تسهيلات ولم يحمل أي تهديدات، بل طلب ضبط النفس، و نقل رسالة أن العدو في حال استمر الهدوء في غزة سيستمر في مباحثات التهدئة وترجمتها على أرض الواقع.

الوفد لم يتطرق كثيراً لموضوع المصالحة لأنه أمام كارثة إنسانية أكبر يعيشها الفلسطينيون في قطاع غزة ويحاول في كل المحاور لجلب تسهيلات ومبادرات للتخفيف من معاناة شعبنا. في الوقت ذاته تحاول جهات أخرى للتضييق ومنع كل الامتيازات والتسهيلات وتمزيق كل الاتفاقيات التي من أجلها ضحى الفلسطينيون بكل ما لديهم. إن كان من رسالة لقيادة هذا الشعب "اركبوا سفينة الضعفاء إلى الله فإنها لا تغرق".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.