شعار قسم مدونات

أنت مريض نفسي.. هل يرتبط ذلك حقا بنقص إيمانك؟

blogs قلق

عندما نتحدث عن المريض النفسي، فإننا نتحدث عن إنسان قدره في هذه الحياة أن يصاب بذاك المرض، ليس الأمر بيده ولا باختياره، إن المرض النفسي يسبب ألما فظيعا لصاحبه، والألم النفسي في كثير من الأحيان أقوى من الألم العضوي، وفي بعض الأحيان يشمل أيضا الألم العضوي، وذلك عندما تطرق النفس باب الجسد، فيصبح المرض النفسي مسببا لمرض جسدي، والمعاناة مزدوجة.

 

رغم كل ذلك، نجد للأسف أن المجتمعات العربية، لا تعترف ولا تهتم بالمرض النفسي، بل يصل الأمر لدرجة الإستهزاء والإستغراب من الألم النفسي وعدم إعطاء المريض النفسي الحق في أن يتحدث عن آلامه النفسية، هذا إن استطاع الحديث أمام أحد، لأنه يعلم جيدا كيف يفكر الناس في مجتمعه، وكيف أن نظرتهم إليه ستكون نظرة انتقاص أو استغراب، وأسوء ما في الأمر أن أغلب الناس يعتبرون المرض النفسي ناتج عن ضعف إيمان الفرد، أو عدم إيمانه في الأصل، فيبدؤون في توجيه النصائح الدينية، من قبيل، أكثر من قراءة القرآن، صل كثيرا، صادق المتدينين، أنا لا أنكر أن القرآن يبعث الطمأنينة في النفس والإرتياح، ولكن هل يمكننا أن نقول لشخص مريض بمرض عضوي هاذه النصائح دون توجيهه لطبيب كفئ ؟ لا أظن. ربطنا للمرض النفسي بدرجة إيمان الفرد، هو إجحاف في حقه، يكفيه معاناته مع المرض، ومعاناة المحيطين به.

 

فكم من إنسان مؤمن محافظ على صلواته، محافظا على ورده، أصابه مرض نفسي، فيقع المسكين بين شك في إيمانه ومعاناته مع المرض، فيزيد المجتمع الطين بلة، ويزيد من سوء حالته النفسية.أما زيارة الطبيب أو المعالج النفسي فهي بمثابة خبر مفزع للمحيطين بالمريض وهناك من أسرة المريض من يرفضها بشدة، لا لشيئ سوى الخوف من كلام الناس، والقول أن ذاك الشخص مجنون، لأنهم يعتقدون أن كل من يزور طبيبا أو معالجا نفسيا فهو مختل عقليا أو مجنون.

 

كل شخص يعاني من المرض النفسي يحس أن هناك أمرا غير طبيعي ألم به، وللأسف العديد من الأشخاص يحسون كذلك لكنهم لا يعرفون أن السبب هو المرض النفسي، فتستمر معاناتهم سنين طويلة

أريد أن يعرف الناس أن الإنسان ليس جسدا وحسب، بل جسد ونفس وروح، وأن النفس تشمل عواطفنا ، تفاعلاتنا، سلوكاتنا، إدراكنا، وهاذه الأمور تسمى النشاطات النفسية ومن خلالها تتم تفاعلات داخل جسدنا، إن النفس تتألم كما الجسد، تمرض كما الجسد، تتعب كما الجسد، تتضطرب كما الجسد، وكما للمرض الجسدي أعراضا، فإن للنفسي كذلك أعراض.

 

سيتساءل البعض منكم: هل المرض النفسي وراثي؟ وإن لم يكن وراثيا ما هي أسبابه؟

لا يمكن أن نجزم بأن المرض النفسي وراثي، ولكن يمكن أن نجزم أن الإنسان قد يولد ولديه الإستعداد لمرض نفسي بفعل الوراثة، وإن تأثير ضغوط معينة هو الذي قد يسبب في ظهور المرض. عموما فإن التنشئة الإجتماعية، التربية، علاقات الأم والأب بطفلهم، معاملتهما له، كل هذا قد يسبب للإنسان مرضا نفسيا، إن كان هناك خلل في كل ما سبق. وفي بعض الأحيان قد يظهر المرض النفسي فجأة وبغتة، أو تدريجيا من اضطراب نفسي خفيف لمرض، وفي كثير من الأحيان يظهر نتيجة حادث أو صدمة.

 

كيف نعرف أننا نعاني من مرض نفسي؟

الأمر ليس بالسهل ولا الصعب، فعندما تحس بضيق في التنفس وارتفاع في درجة الحرارة، عندما تحس بأن نبضات قلبك سريعة وأنك تشعر بالدوار فإنك تذهب إلى الطبيب العام ليشخص، هل لديك ارتفاع ضغط الدم، أم مرض في القلب.. كذلك الأمر بالنسبة للمريض النفسي فإنه يحس أن هناك خلل ما في نفسيته، كالخوف الشديد المستمر دون سبب واضح محدد، كأن يصاب بوسواس النظافة، أو الوسواس في أمور أخرى باستمرار، كأن يسجن نفسه في غرفته يريد النوم وحسب الخ.

 

كل شخص يعاني من المرض النفسي يحس أن هناك أمرا غير طبيعي ألم به، وللأسف العديد من الأشخاص يحسون كذلك لكنهم لا يعرفون أن السبب هو المرض النفسي، فتستمر معاناتهم سنين طويلة، حتى يصبح المرض متجذرا ليعلن حالة إنذار قوية، والمسكين تجده يعيش حياته بطريقة عادية ويخفي آلامه ومشاعره المختلطة، ظنا منه أن الأمر لن يستمر أكثر، إلى أن تأتي رحمة الله على شكل معلومة أو أن يفضي لشخص فيرشده للطب النفسي أو العلاج النفسي، فيذهب بدون تردد لأن الألم وصل مداه.

 

والوقاية دائما خير من العلاج، ولوقاية أنفسنا يجب أن نقرأ جيدا في هذا المجال، فالوقاية هنا لن تكون بلقاح أو دواء مضاد، بل بالمعرفة، وبالحكمة في التعامل مع مشاكل وضغوطات الحياة، فالمشاكل والصعاب تظهر فجأة، قد تسقطنا أرضا،قد تنهكنا، وكل شخص وقدرته على تحمل المشكلات، وهذا الأمر مرتبط بالخبرات في الحياة، بشخصية الفرد وبحجم المشكل، هناك من تؤدي به هاذه الضغوط لمرض نفسي، ثم لمرض عضوي، لذلك وجب علينا دائما أن نكون على استعداد للتعامل مع المشاكل كبيرة كانت أو صغيرة.

 

يجب أن يكون لنا رد فعل طبيعي في التعامل مع الصعاب، وليس رد فعل مرضي ينهكنا. وهناك فرق بين الرجل والمرأة في هذا الباب، فالرجل تنهكه ضغوط العمل وقد تؤدي به إلى المرض، والمرأة تنهكها ضغوط ومشاكل العلاقة الزوجية والعاطفية، وقد تكون الضغوط محمولة من طرف الإنسان منذ صغره بسبب اضطراب علاقته بوالدية، أو اضطراب في الحياة الزوجية. لهذا وجب علينا أن نكون فطنين ، يقظين ومنتبهين لوقاية أنفسنا من المرض النفسي، وعلينا أن نضع نصب أعيننا دائما أن المريض النفسي ليس مجنونا، ليس ضعيف إيمان،بل إنسان يتألم نفسيا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.