شعار قسم مدونات

شينزو آبي.. هل يقود اليابان لساحة الحروب من جديد؟

blogs شينزو أبي

بعد إلقاء الولايات المتحدة للقنبلة الذرية على مدينة هيروشيما ونكازاكي اليابانيتين، أعلنت اليابان استسلامها غير المشروط وانتصار الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية عام 1945، وأدى الانتصار الأمريكي إلى تدخل أمريكي مباشر في السياسة اليابانية وذلك لغرض إنهاء النزعة القومية والعسكرية لدى اليابان، لتبدأ حقبة جديدة في تاريخ اليابان السياسي والاقتصادي والعسكري. ألزمت الولايات المتحدة اليابان أن تضع دستورا جديدا على المزاج الأمريكي، وتم وضع دستور جديد لليابان عام 1947، منهيا بذلك حقبة تحكم الإمبراطور الياباني في السياسة اليابانية بوضع مبادئ من الدستور تجعل من الإمبراطور رمزا مقدسا وموحدا للشعب الياباني فقط وإلغاء صلاحياته الدستورية الواسعة، ليصبح الدستور الياباني دستورا ذو طابع يدعو للسلام ويحجم من قدرة اليابان العسكرية.

حيث نصت إحدى فقرات الدستور "نحن، الشعب الياباني.. عازمون على الحفاظ على أمننا ووجودنا، نثق في العدالة وإيمان شعوب العالم المحبة للسلام" ونصت المادة التاسعة من الدستور الياباني "التطلع بصدق إلى سلام دولي على أساس العدالة والنظام، فإن الشعب الياباني ينبذ الحرب إلى الأبد، كحق سيادي للأمة والتهديد أو استخدام القوة كوسيلة تسوية في النزاعات الدولية".

وبذلك ظل الإطار المتحكم في تحركات السياسة الخارجية اليابانية لسنوات طويلة أنها دولة اقتصاد "أمة التاجر"، وأن دستورها لن يسمح لها بدخول أي حرب وألا تشارك في أي حرب أو نزاع سواء في أراضيها أو خارج أراضيها، احتراما لنصوص الدستور حتى وقتنا الحاضر واتباع عقيدة يوشيدا، التي سميت فيما بعد تيمنا برئيس الوزراء شيجيرو يوشيدا (1948-1954)، حيث وضعت المزيد من المبادئ السلمية في قلب السياسة الخارجية اليابانية. تحت رؤية يوشيدا ركزت اليابان على التنمية الاقتصادية، والاعتماد الكلي على التحالف العسكري مع الولايات المتحدة كأساس لأمنها والحفاظ على لمحة دبلوماسية منخفضة في مجال السياسة الدولية.

أصر القائد العسكري الأمريكي ماك آرثر بعد نهاية الحرب العالمية الثانية على أن تظل مهمة القوات اليابانية محصورة في إطار الدفاع الذاتي دون أن يكون لها أي دور على الساحة الدولية

مارست طوكيو في ظل العقيدة المذكورة قدراً من ضبط النفس تجاه الأزمات الأمنية المختلفة على المستوى الإقليمي والدولي والتحول نحو الاهتمام بالأمور الداخلية التي من شأنها إعادة إعمار اليابان والتركيز على الجانب الاقتصادي وكيفية تطويره معلنة بذلك الاتكاء الكامل على الولايات المتحدة كمظلة أمنية تحمي الأرخبيل الياباني من التهديدات الخارجية، جاء ذلك نتيجة معاهدة السلام التي أبرمتها اليابان مع الولايات المتحدة الأمريكية في العام 1951، نالت بموجبها اليابان استقلالها وسيادتها الكاملة من الولايات المتحدة، وافقت اليابان وفق هذه المعاهدة على بقاء القوات الأمريكية على الأراضي اليابانية نتيجة ميثاق التعاون والأمن المشترك بين اليابان والولايات المتحدة، لتستمر اليابان طوال العقود الماضية وفق هذا المنهج المسالم الذي يرسم ويشكل سياستها الخارجية.

أصر القائد العسكري الأمريكي ماك آرثر بعد نهاية الحرب العالمية الثانية على أن تظل مهمة القوات اليابانية محصورة في إطار الدفاع الذاتي دون أن يكون لها أي دور على الساحة الدولية، إلا أن التغيرات الإقليمية والدولية والتحول في القوة في آسيا، أجبر اليابان على إعادة استراتيجياتها والنظر إلى أبعد من أن تكون اليابان عملاق اقتصادي وقزم عسكري نتيجة الدستور الذي قلص القوة العسكرية اليابانية، وجعل منها قوة دفاع ذاتي مهمتها حماية الأرخبيل الياباني بقدرة محدودة ومساندة أمريكية، وقيد من تطلع الأحزاب اليابانية إلى إعادة مجد وهوية اليابان القومية لمواجهة التهديدات الإقليمية منها خطر الصعود الصيني والتهديدات الصاروخية والنووية من الجارة كوريا الشمالية المهددة لأمن اليابان القومي، والخشية من السياسة الأمريكية التي ربما تتخلى عن حليفها اليابان وفق ما تتطلبه مصالحها الامنية والاقتصادية خاصة بعد صدمة نيكسون التاريخية وعرابها ثعلب السياسة الأمريكية هنري كيسنجر مستشار الرئيس نيكسون حينذاك.

 

حصلت هذه الصدمة أبان الحرب الباردة عند زيارة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون لجمهورية الصين الشعبية عام 1972، بعد انقطاع العلاقة بين الدولتين لأكثر من عقدين حيث بدأت صفحة جديدة من العلاقات بين البلدين، جعلت اليابان تعيد النظر في سياساتها الخارجية على المستوى الإقليمي والدولي حيث دعت إلى صياغة سياسة خارجية أكثر استقلالية وأقل تبعية للولايات المتحدة نظرا للتغيرات الإقليمية والدولية التي أجبرت اليابان على التكيف معها والمطالبة بإعادة العلاقات مع الصين وتعزيزها اقتصاديا ودبلوماسيا بعد أن كانت شبه منعدمة نتيجة احتلال اليابان لإقليم منشوريا وأجزاء من الصين إبان الحرب العالمية الثانية، لكن هذا التقارب من الصين لا يعني التقليل من أهمية المصالح الحيوية الأمنية والاقتصادية بين اليابان والولايات المتحدة.

فاز الحزب الديمقراطي الليبرالي (LDP) في انتخابات اليابان البرلمانية لسنة 2012. حيث استعاد شينزو آبي، زعيم الحزب الديمقراطي الليبرالي، منصب رئيس الوزراء، الذي تسنمه لفترة وجيزة من 2006-2007، كان البرنامج الانتخابي للحزب الديمقراطي الليبرالي قد وعد الناخبين بعدة وعود سياسية طموحة ولم يسبق لها مثيل في تاريخ اليابان السياسي الهادئ والسلمي بعد الحرب العالمية الثانية، تهدف وعود الحزب، إلى إعطاء دفعة جديدة للاقتصاد الياباني الراكد بما يسمى ب "Abeconomics"، ومراجعة دور قوات الدفاع الذاتي (SDF) وتعزيز الوضع الدولي لليابان والفخر الوطني.

صاحب الحملة الانتخابية لعام 2012 أزمات إقليمية سببت إرباكا للسياسة الخارجية اليابانية في كيفية التعامل بخصوص النزاع البحري مع الصين حول جزر سينكاكو التي تطالب بها بكين والتي تعتبرها اليابان جزءا من أراضيها، وصلت العلاقات الثنائية إلى أدنى مستوى لها منذ التطبيع بين البلدين في 1970. نتج عنها مواجهة مع بكين مع موجة من تزايد القومية بين البلدين والتي ساعدت الحزب الديمقراطي الليبرالي على الفوز في الانتخابات والعودة إلى السلطة بعد استراحة لمدة ثلاث سنوات. شمل برنامج رئيس الوزراء شينزو آبي السياسي مراجعة القيود التي فرضتها اليابان على نفسها وفق الدستور وعلى استخدام قوات الدفاع الذاتي للبلاد في الخارج، والاستجابة للخطر الصيني الذي يهدد أمن اليابان القومي.

عملت حكومة آبي على إنشاء مجلس الأمن القومي ومراجعة المبادئ التوجيهية للتعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة واليابان لغرض تعزيزها، ووضع استراتيجية الأمن القومي الياباني، ورفع الحظر عن صادرات الأسلحة وزيادة ميزانية الدفاع
عملت حكومة آبي على إنشاء مجلس الأمن القومي ومراجعة المبادئ التوجيهية للتعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة واليابان لغرض تعزيزها، ووضع استراتيجية الأمن القومي الياباني، ورفع الحظر عن صادرات الأسلحة وزيادة ميزانية الدفاع
 

على الرغم من التكامل الاقتصادي العميق بين اليابان والصين والاعتماد المتبادل بينهما، لا يزال البلدان يحملان تركة وإرث الحرب العالمية الثانية نتيجة احتلال اليابان للصين وإتهام الصين لها بارتكاب المجازر الوحشية بحق الشعب الصيني، ورفض اليابان بتقديم الاعتذار للصين. حيث أظهر استطلاع أخير أن 90٪ من المستجيبين الصينيين يحملون نظرة سلبية تجاه اليابان، وأكثر من 70 ٪ من المستجيبين اليابانيين أيضا لديهم رأي سلبي تجاه الصين، حيث لعبت الحكومات اليابانية دورا هاما في تأجيج القومية، في كثير من الأحيان لأسباب محلية أو انتخابية، كما استخدم القادة الصينيين القومية لتعزيز شرعية الحزب الشيوعي.

تمثل الإصلاحات التي يروج لها رئيس الوزراء شينزو آبي تحولا أساسيا في سياسة اليابان الخارجية والأمنية منذ الحرب العالمية الثانية. تغذيها الحاجة إلى المنافسة واحتواء خطر صعود الصين كقوة إقليمية وعالمية والتهديد الكوري الشمالي لأمن اليابان، من هذه الإصلاحات إعادة تفسير المادة 9 من الدستور الياباني التي تقيد المؤسسة العسكرية اليابانية من ناحية التجهيز وشراء الأسلحة وزيادة اعداد القوات المسلحة، حيث تم تهديد اليابان بشكل متزايد من قبل كل من الصين وكوريا الشمالية. وقد أدى هذا إلى التقرب أكثر من الولايات المتحدة الحليف الاستراتيجي لطوكيو، بالمقابل فإن هذا التقارب من الولايات المتحدة وإصلاحات آبي سيكون لها تأثير سلبي على علاقات اليابان الفاترة أصلا مع جمهورية الصين الشعبية وكوريا الشمالية.

اعتبر العديد من المراقبين أن هذا الأمر يعبر عن مخاوفهم بشأن ما تشهده اليابان نتيجة تحول السلطة نحو الجناح اليميني والقومي. حيث عملت حكومة آبي على إنشاء مجلس الأمن القومي ومراجعة المبادئ التوجيهية للتعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة واليابان لغرض تعزيزها، ووضع استراتيجية الأمن القومي الياباني، ورفع الحظر عن صادرات الأسلحة وزيادة ميزانية الدفاع. ترجمت هذه الإصلاحات التي تم تنفيذها من قبل الحكومة اليابانية بعبارة واحدة أطلقها شينزو آبي خلال زيارته واشنطن في سنة 2013 "اليابان قد عادت"، وهذا ما يثير خشية الدول الأخرى كالصين وكوريا وروسيا من الدور المستقبلي لليابان والمرتبط بالتخوف من الماضي العسكري لليابان.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.