شعار قسم مدونات

صديقي المتمرد الذي قرر أن يكون مميزاً

blogs تأمل

إلى صديقي المتمرد الذي أنجبته عمّان ليتدرج في مدارسها العريقة وصولاً إلى شوارع لندن التي أراد أن يدرس في جامعاتها وأن يكمل مشواره التعليمي فيها مثله كمثل طلاب كثيرين توفرت لهم سُبل الحياة المريحة في الحصول على أرقى تعليم في أروقة أشهر الجامعات.

 

ولكنه في مرحلة من مراحل الدراسة هناك قرر أن يتمرد على هذا الواقع الذي وجد نفسه فيه مرغماً على إتباع أسس معينه هو لا يريد للمجتمع والعائلة أن تُقيده بها فلجأ إلى شوارع لندن ليعمل مثله مثل غيره من الكادحين ليُثبت لنفسه أولاً ولمن حوله بأنه قادر على تحمل المسؤولية دون الاتكال على أحد ولكنه في هذه المرحلة أنجرف للعمل فقط دون أن يوازن بين دراسته وعمله الشعبوي الذي وجد نفسه بانغماس يومي فيه وأصبحت سنوات الدراسة تمضي وهو غارق في العمل وإثبات نفسه في مطاعم ومحطات الوقود في لندن دون أن يشعر بأن هذا التمرد سبب له انقطاع عن دراسته التي بدأها ودون أن يُشعر من حوله بأنه قرر إتباع هذا الطريق في الحصول على حريته من عاداته وتقاليده ومجتمعه الذي يرى هذه الأشياء مفصلة لغيره وليست له لأنه لا يحتاج العمل من أجل الدراسة ..فكل ما كان يطلبه كان مستجاباً دون أن يكمل حديثه.

 

هذا المتمرد المجنون لم يكن يعلم بأن قدره الجميل والجزء الأجمل في الحياة بجانبه طوال الوقت وعندما قرر أن ينام تحت غيمة مليئة بالسعادة والحب أختار تلك الإنسانة التي يمكنها أن تكون في يومٍ من الأيام هي والدة لأبنائه

في لحظة من لحظاته المجنونة قرر الهروب إلى أخفض نقطة في البحر الأبيض المتوسط والمكوث هناك لفترة طويلة دون أن يتواصل مع أحد فقط لأنه أحس بالذنب الذي أقترفه عندما لجأ للعمل ونسي دراسته لفترة طويلة مما سيشكل صدمة لمن كان يتجهز لحضور حفل تخرجه المتوقع فقرر أن يلجأ لهذا الهروب القصير لكي يرجع أقوى مما كان عليه.. وهذا ما تحقق مع مرور الوقت فأثبت لنفسه أولاً وللجميع بأنه كان ذلك المجنون المتزن.

 

فلا أخفيكم سراً بأن هذا الرجل اليوم هو من أنجح أرباب العمل من أبناء جيله هو ذلك الرجل الذي يحتوي بداخله على قلب طفلٍ نقي وطيب الذكر في كل المجالس التي يُذكر اسمه فيها ليس لأنه من عائلة فلان وإنما لأنه كافح وحفر اسمه في الصخر من أجل أن يكون ما هو عليه إلى الأن من مكانة اجتماعية مرموقة..

 

عندما تحدثنا سوياً في يومٍ من الأيام وعدته بأن أكتب عنه فقط لأنه لامسني في تمرده الذي كسر فيه قوالب الحياة الاجتماعية دون أن ينظر خلفه لما سببه لمن يحبونه من خذلان بفترة من الفترات ولكنه ما إن عاد حتى حقق لهم الفخر بأن يرفعون رأسهم به وبما أنجزه على الصعيد العملي، يستوقفني في كل الشخصيات والمواقف التي أكتب عنها شيء واحد مشترك وعظيم وعبقري وهو "الحب" وهذا ما جعل لدي الشغف لكي أكتب عن شخصية المتمرد الذي كانت زوجته أمامه في كل المحافل على مدار سنوات ولم يعلم بأنها هي التي ستصبح حبيبته وزوجته دون أن يفكر أي طرف منهم في أن يكونوا لبعضهم البعض وهذا هو القدر الذي يمنحنا الحب الحقيقي عندما نقرر أن نُكمل الحياة نختار من يستطيعون إكمالها معنا بحلّوها ومرها وبنكهة دسمة من الحب المصاحب لنا في جميع مراحل الحياة منذ نعومة أظافرنا إلى ما نحن عليه الأن وهذا أجمل الحب الذي لا يمكن له أن يكون مزيف أو يكون لغاية ما..

 

هذا المتمرد المجنون لم يكن يعلم بأن قدره الجميل والجزء الأجمل في الحياة بجانبه طوال الوقت وعندما قرر أن ينام تحت غيمة مليئة بالسعادة والحب أختار تلك الإنسانة التي يمكنها أن تكون في يومٍ من الأيام هي والدة لأبنائه وصديقة وزوجة وأخت فقد كانت له الغيمة وكان لها الهواء المليء بالسكينة الذي يحرس غيمتها من تيارات الهواء المتقلبة..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.