شعار قسم مدونات

Daredevil.. كنيسةٌ وعدالةٌ عمياء!

blogs daredevil

أطلَّ علينا Daredevil بموسمه الثاني، وتسرّبَ إلى العقول بملحمةٍ غير متوقعة لأيِّ مُشاهدٍ أو قارئ لهذه الشخصية والتي أبدعها Stan Lee. ملحمةُ Hell’s Kitchen بين Daredevil وThe Punisher صاحب العدالة الدموية والذي شنَّ حربَهُ على مجرمي هذه المدينة وحثالتها، انتقاما لعائلته المغدورة، فيقعُ هنا الصراع بينه وبين Daredevil صاحبُ المبدأ والأيدولوجيا في عدالةٍ بعيدة عن القتل! انطلاقاً من الأملِ في خيريّة أيِّ إنسان مهما كانت هذه الخيريّة ضيقة! فهي كفيلةٌ في يومٍ ما أنْ تُعيدَ هذا المُجرم الضالّ إلى عينِ الصواب.

وفي أثناءِ متابعتك لهذا الصراع يبثُّ The Punisher عبارة في مسامع المشاهد تحمل من المنطق ما هو كافي لتبرير قتل أمثال هؤلاء الأوباش فقد قال مخاطبا Daredevil:- "You hit them and they get back up, I hit them and they stay down". رحلةٌ في أعماقِ النفس البشرية، وتعقيدات مخيفة لأشخاصٍ عاشوا تجربةً جنونية أدّتْ إلى صراعاتٍ دمويّة لوثوقيةٍ في عقيدةِ كلِّ واحدٍ منهم.

وعلى الطرفِ الآخر يلتحمُ Daredevil مع صديقته السابقة، الساديّة، المتلذذة بالقتل Elektra، لدفعِ خطرِ مُنظّمة The Hand والذين يُؤمنون بأسطورةِ شخصٍ يدعى The Blacksky فهو كالمهدي المُنتظر في عقيدتهم، وفي هذا الجزء تتخذ الأمور منحىً تراجيديّاً ومؤلم بين هاتين الشخصيتين؛ وذلك يعودُ للتعقيدِ الواقع في هذه العلاقة، والاختلاف في إيمان كلِّ واحدٍ منهم.

تعاليم كنسيّة وعدالة تربّى عليها بطلُنا منذُ صغره، وشخصيّة Daredevil من أعمقِ الشخصيّات الموجودة في المجلّات المصوّرة أو الـ comics فقدْ أضفى المُؤلِّفُ على هذه الشخصيّة صفات الصراع والتخبّط من الناحية النفسيّة، والصراع أيضاً من الناحية الجسدية

فلسفةٌ للنفسِ البشريّة، وإبداعٌ حقيقيٌّ في عرضِ الحوار، وأداءٌ قويّ وعميقٌ جدّاً للشخصيات، ناهيك عن الإخراج والصورة الساحرة لهذا المسلسل، كلُّ هذا أنتجَ عملاً ضخماً يعلو بامتياز على الكثير من مسلسلات هذا الزمان، والآن سأبدأُ بالحديث عن موسمِه الثالث، وقدْ ذكرتُ شيئاً بسيطاً مما سبقَ هذا الموسم كمقدّمة، قبلَ الشُروعِ في الحديث عن صميم وقلبِ هذا المقال! وعن الكنيسة ورَجُلِها صاحب العدالة العمياء، والذي انقلبَ على كهنوت الكنيسة! حتّى أنّه فقد إيمانه بالله جُملةً وتفصيلاً كردّة فعل على مأساته والتي كانتْ في موتْ Elektra وتعرّض أعزّ أصدقاءه للأذى بسبب مُجريات حياته العنيفة.

المشهد الأوّل من الموسم الثالث كانَ في بعثِ بطلِنا إلى الحياة من جديد وقدْ كان اسم الحلقة Resurrection، ولمْ يتمّ توضيح أحداث نجاته بالتفصيل! إلّا أنَّ المُشاهد سيتنبأ بذلك من خلال رؤية Matt على شاطئ البحر وقدْ قذفته الأمواج بعدَ دخوله إلى شبكات الصرف الصحي! وتخلّلَ المشهد آلام الرجل وجراحه من جهة! وآلامه النفسيّة من جهة أخرى والتي كانت على شكل ذكريات وومضات تعصف به من كلِّ جانب. الصراع الذي صُوّرَ لنا هو صراع وجودي لمُؤلّه في بداية المسلسل، وقدْ ظلَّ صراعاً وجوديّاً في الموسم الثالث ولكنّه صراع صارَ يُشكّك في الإله وفي هذا الإيمان في الإله! أصبحتْ شخصيّة Daredevil شخصيّة شِبه مُلحدة! ولا نستطيع وصفها بالإلحاد المُطلق؛ وذلك لأنّنا رأيناه يتساءل عن الإله وعن تصرفات هذا الإله! ولكنْ لم نرهُ يُنكره! بمعنى آخر، كان ينتقد الإله نقداً لاذعاً -وتعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً-.

استمرّتْ أحداثُ المُسلسل في عقلِ Daredevil، وغاصت في دهاليز عقلِه وصراعه مع كلِّ شخصيّة أثّرت به فيما مضى، كوالده، وWilson Fisk عرّاب الإجرام والذي قبعَ في السجن لفترة طويلة! ولكنّه خرج بعدما تلاعب بقوى الأمن والسُلطة في نيويورك! ومن هنا انقلبَ Daredevil على نفسه، وبدأتْ مُثلُه العليا وأخلاقيّته بالتلاشي شيئاً فشيئاً، وصار تبرير القتل هو سيّد الموقف والمُسيطر على هذه الشخصيّة المُعقّدة والمضطربة! وأصبح همُّه هو التخلّص من Wilson فقط!

صارَ تصوّر فرانك كاسل أو The punisher هو التصوّر الصحيح في نظرِ بطلنا، وإنْ لمْ نرى هذا صراحةً في المُسلسل، ولكنْ إصراره على القتل وتبني هذه الفلسفة لتخليص العالَم مِن الشرّ المُحدّق به أصبح جليّاً لكلِّ من قارنَ بين Daredevil الأخلاقي والذي يرى الخيرية حتّى في إبليس، وبين المُتعطّش للقتل والحاقد على تصاريف قدره وظروفه العجيبة! ومِنْ خلال دراستي لما قيل في المواسم السابقة وهذا الموسم، وصلتُ للآتي: فرانك كاسل قال لـ Daredevil في الموسم السابق: You are one bad day away from being me! وكأنَّ هذه الجُملة تحققت بحذافيرها في الموسم الثالث، فهذا اليوم السيء الذي تطرّقَ إليه فرانك قدْ أخذَ محلّه في حياةِ بطلنا وحوّلَ فلسفته كما فرانك كاسل!

يبقى بطلُنا صاحب عدالة ومع كلِّ التحوّلات الجذريّة التي أصابته، إلّا أنّ العدالة هي خلاصُه، ولكنّها أخذتْ شكلاً أعنف من ذي قبل! وقدْ وصفتُها بالعمياء لسببين: الأوّل هو العمى الذي أصابَ عينيه عندما كانَ صغيراً، والسبب الثاني يتمثّل بالعطب الذي ضربَ فلسفته السليمة في تصوير العدالة! وهذا في رأيي تجسيد حيّ لما يحصل مع أيّ شخص يُصدّر نفسه للنّاس والعوام كقدوة لهم أو ما شابهَ ذلك، فالانتكاسات ستُصيبه لا محالة! والثبات على الموقف الحقّ ونبذ التذبذب هو نتيجة كلّ مُناضل سليم التفكير والطويّة! وصراعاتنا النفسيّة الداخليّة هي الوضع الطبيعي للوصول للتمكين الحقّ!

تعاليم كنسيّة وعدالة تربّى عليها بطلُنا منذُ صغره، وشخصيّة Daredevil من أعمقِ الشخصيّات الموجودة في المجلّات المصوّرة أو الـ comics فقدْ أضفى المُؤلِّفُ على هذه الشخصيّة صفات الصراع والتخبّط من الناحية النفسيّة، والصراع أيضاً من الناحية الجسدية إبّان مواجهاته في القتال، فلمْ يجعل منه خارقاً حدَّ الخُرافة كما نرى في الشخصيّات الأخرى! ولهذا اكتسبت هذه الشخصيّة واقعيّة لم نلمسها في أقرانها من الشخصيّات، إضافةً إلى جعل الكهنوت الكنسي مرجعاً لها، وإنْ كانَ مخالفاً لعقيدتنا نحنُ كمسلمين، ولكنْ جعل الدين كمُحرّك لـ Daredevil يبحثُ عن الله في كلِّ خطوةٍ يخطوها في مُحاربة الشرور المُحيطة به! وجعلَ وجوديّته مقترنة بحريّته إزاءَ الله بشكلٍ مُطلق، وقدْ كانَ من الطبيعي تصويره في هذا الصراع الوجودي والمُساءلة والإنكار، كي نرى ما يمرُّ بهِ كلُّ مَنْ يدخل مُعتركٍ كهذا بصورته الحقيقية بعيداً عن التزييف، المثاليّة، والفانتازيا! ولتخلقَ فلسفةً في هذه المجلّات المصوّرة والتي طالما كانتْ محطَّ تسخيف وتسطيح مِنَ المُعظم! وربطها بالأطفال وهي بعيدة كلَّ البُعد عن أيِّ سُخفٍ أو صبيانية

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.