شعار قسم مدونات

كيف وحدت إسرائيل العرب؟!

blogs زياردة نتنياهو لسلطنة عمان

للوهلة الأولى لا تبدو هرولة بعض الدول العربية للتطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي مفهومة، كما يبدو مثيرا للدهشة والاستغراب اختلاف العرب على كل شيء، واتفاقهم على التطبيع مع إسرائيل. تقديري أن لا وساطة عمانية لحل القضية الفلسطينية تمهيدا للتطبيع كما يشاع، فالواقع العربي الحالي يشير إلى أن الوصول لتطبيع عربي مع إسرائيل ممكن جدا دون حل القضية الفلسطينية، لكن وفي محاولة لفهم هذا التسابق أو التحول في سلوك كثير من النظم العربية لجهة التطبيع، وباستعمال المنهج التحليلي يتضح بأن الحكومات العربية باتت كما يبدو على قناعة تامة بأن صمام أمان استمرار نظمها هو رضى تل أبيب وليس أمنها فقط، ففي السابق كان الأمريكان ينطلقون في سياستهم مع الشرق الأوسط من منظور قائم علي تحقيق هدفين: أمن إسرائيل وأمن البترول وحيث أن إسرائيل آمنة منذ زمن فالمطلوب اليوم هو رضاها عن من يجاورها.

 

"أمن البترول" لم يطرأ عليه أي تغيير إذ لم  يتعرض تدفق البترول  عقب عام ١٩٧٣ لأي  تهديد، أما مفهوم أمن إسرائيل فهو الذي تغير، إذ جرى تحول لدى الإدارة الأمريكية  في تعريفه، فلم الأمن يعني سلامة إسرائيل وعدم تعرضها لأذى أو اعتداء من جوارها العربي لكن أصبح  تعريف أمن إسرائيل أمريكيا يعني رضا تل أبيب وموافقتها على استمرار من تقرر هي بقاؤه في المنطقة، وهذا ربما يفسر ذلك التسابق  العربي على أبوابها، إذ تنطلق بعض الدول العربية في مسعاها للتطبيع من قناعة تكونت لديهم مفادها أن ارضاء البيت الأبيض يبدأ بإرضاء تل أبيب وتعميدها، في ظل فوبيا الربيع العربي الذي أصاب تلك النظم بالهوس والهلع من شعوبها، واحتمالات ثورتهم المفاجئة عليها، وكرس ذل من إيمان تلك النظم بأن اقتناع تل أبيب ورضاها هو بوليصة التأمين الوحيدة للبقاء والاستمرار في الحكم.

 

وهناك متغيران آخران في سياق محاولة فهم تلك الهرولة العربية نحو أبناء العم، الأول وجود رئيس أمريكي مؤمن بالصهيونية الجديدة، ومرتهن لرأس المال الذي يأتي عبر بعض الحكومات الخليجية المرضي عنها إسرائيليا، والثاني حالة من الهوس الخليجي والخوف الهستيري من إيران، والذي يدفع تلك الأنظمة للتقارب أكثر وأكثر مع إسرائيل، منطلقة من قناعة أترسخت لدى صانع القرار فيها بأن تل أبيب هي الوحيدة القادرة على حمايتهم من أي تهديد إيراني.

 

لا أقول حاليا ولا أتبنى نظرية أن إسرائيل وإيران حليفان فهما ليسا كذلك، لكن المصالح والمتغيرات مفتوحة على كل الاحتمالات، خاصة مع الخناق الشديد الذي يضيق على النظام الحالي في إيران

فهم خلفيات الموقف العربي المثير للجدل في علاقته الآخذة في النمو سريعا مع إسرائيل، هو مقدمة ضرورية لتحليل وتفنيد هذه الخلاصات الخاطئة التي انتهت لها تلك الأنظمة، فإسرائيل والعلاقة معها لم تكن يوما من الأيام بوليصة تأمين أو طوق نجاة، إذ أن النظم العربية التي بدأت مبكرا في إقامة علاقات سرية وعلنية مع الاحتلال هي أولى النظم التي سقطت في الموجات الأولى للربيع العربي، إذ كانت هتافات ثوار تلك الدول من الشباب الغاضبين بأن "الشعب يريد تحرير فلسطين" صنوا للهتافات المنادية بالحرية، هذا يعني أن أحد أبرز أسباب غضب شعوب تلك الدول هو إمعان حكوماتهم في التطبيع مع إسرائيل وإقامة علاقات معها، فلو أُستفاد حسني مبارك شيئا من علاقته تلك بتل أبيب لكانت منعت انهيار نظامه أمام هدير الشباب الثائر، أما الدول الخليجية فعليها الاستماع جيدا وإعادة الاستماع لما قاله الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما لهم بأن "الأخطار المحدقة بها تأتي من الداخل وليس من الخارج". 

من جهة أخرى، فإن المراهنة على الرضى الإسرائيلي كبوليصة تأمين في وجه إيران، لا يبدو كذلك أمرا ذا وجاهة، حيث تشير قراءة أخرى للزيارة التي قام بها بنيامين نتنياهو لسلطنة عمان إلى أنها تهدف لفتح قناة اتصال سرية بين تل أبيب والحوثيين أي تل أبيب وطهران، وترتيب بعض الملفات خاصة في سوريا ولبنان حيث يبحث الإسرائيليون عن معادلة الأمن على الحدود في سوريا الجديدة، كما ينظرون باهتمام لليمن والصراع الدائر هناك من بوابة البحر الأحمر وأهميته، وتبادل الطرفان عبر الوسيط العماني رسائل تطمينات خلاصتها أن لا مصلحة لهما في مواجهة مباشرة، بينما لا إشكال البتة في ترتيب النفوذ الإسرائيلي الإيراني في الشرق الأوسط ،بما يخدم مصلحة الطرفين، وعلى حساب العرب، ويدعم فرضية القناة السرية هذه ما نشرته أمس بديعوت أحرنوت من أن من أهم مكتسبات زيارة نتنياهو لعمان "أنه وعبر عُمان يمكن لإسرائيل أن تقيم اتصالا سريا مع كل جهة تريدها".

 

لا أقول حاليا ولا أتبنى نظرية أن إسرائيل وإيران حليفان فهما ليسا كذلك، لكن المصالح والمتغيرات مفتوحة على كل الاحتمالات، خاصة مع الخناق الشديد الذي يضيق على النظام الحالي في إيران، ما يجعل تغييره أو تغيره أمرا ليس بالمستبعد، كما أن ترمب رفيق السيف ورقصة العرضة الشهيرة الذي كان يكيل الهجاء لزعيم كوريا الشمالية، وقع في نهاية الأمر في حبه، وبات عاشقا له. نظريات ابن خلدون تقول بأن التاريخ يعيد نفسه فربما يكون من غير السار للعواصم الخليجية احتمالات انطباق هذه النظرية في الحالة الراهنة، لأن من لا يتعلم من دروس التاريخ سيصبح هو شيئا من الماضي، فالفرس الجدد ربما، وإسرائيل، وقوى هيمنة أخرى سيقتسمون ما تبقى من وطن عربي بخليجه وشامه ويمنه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.