شعار قسم مدونات

فارقت أهلك لتقرأ.. فماذا تنتظر؟

blogs_ هجرة

كان الشعور فكان الأدب، حيث ارتبط الأدب ارتباطاً وثيقاً بالشعور والإحساس، وأفضل ما في الأدب هو أنه يجعل الإنسان يعبّر عن مختلجات صدره من شعور وإحساس بأرقى العبارات وأرقها. والتي تكون بمثابة جواز سفر إلى قلوب الآخرين، حيث تجد لها موقعاً في قلوبهم مما يجعلهم يتفاعلون وينفعلون مع هذا الإحساس، سواء كان إحساس فرحة أو إحساس حزن. ذلك لأن حال الإنسان لا يخلوا من هذه الثنائية المتلازمة له، فهو إما فَرِح بما أكتسبه وبما أنجزه من أشياء جعلت منه داخلياَ يتفجر بهذا الشعور، أو حزيناً بما اقترفه وبما أصابه من أمور جعلت منه كذلك داخلياً يفيض بهذا الشعور. وأحياناً قد نجد أن الإنسان ربما اجتمع فيه كلا الأمرين معاً وإن كان أحدهما قد نجده غالباً على الآخر لأمور جعلت منه كذلك. فكيف لشعورين أن يتزاحما معاً في آن واحد على ذات واحدة هي في الغالب ليست متعودة إلا على أحدهما؟

من الأشياء الجميلة في هذه الحياة، أن يكون الإنسان مُجتمعاً مع أهله وأقربائه يعيش ويتقاسم معهم أفراحهم وأتراحهم، ولكن ما يلبث الإنسان على هذه الشاكلة حتى يأتي أمر من أمور شاءت له الأقدار أن يكون هو من يفصلك من أحضان هذا العش إلى خارجه. حيث ربما لا تكون فيه إلا وحدك تحاول بما استطعت أن تتأقلم مع هذا الوضع وتبتدئ رحلة أخرى أنت من تكون فيها قائدا لهذه الرحلة. ومن بين هذه الأمور التي تكون فاصلة بينك وبين من يحتضنوك أمر لابد وأن تصطدم به في حياتك وخاصة الدراسية منها هو: الفرقة عن الأهل والأحباب والخروج لإكمال دراستك خارج محيطك، ومدينتك، وربما أيضاً وطنك.. فهذا الأمر بقدر ما يَصَحبه شعور حزين لكونك ستفترق عن أناس هم من كان سبباً في وجودك، يَصحبه أيضاً شعور وإحساس بالفرح بما رأيت فيه من تحقيق لمشروعك الدراسي الذي سيكون تكميلاً لما بدأته في مدينتك ومحيطك.

إن الشعور كان فكان الأدب، وكان الأدب فكانت الكلمات، فهذه كلمات تولدت من شعوري وإحساسي وأنا راكب على متن حافلة ذاهب إلى مكان آخر حيث شاءت الأقدار أن نكمل فيه دراستنا.

فحقاً من أصعب الأشياء أن تفارق من تحب، ولا شيء أحب من الأهل والأحباب الذين تربيت فيهم وأشربت حبهم وعطفهم منذ نعومة أظافرك، إلى أن صرت من هذا الحب يقع لك شرخ في وجدانك وعاطفتك بمجرد أن تفترق عنهم أو يفارقوك. فهي لحظة تبقى منقوشة في قلب الإنسان وعقله ولا تفارقه أبداً. وأنت تُلملم أغراضك وتستعد للرحيل، ينتابك شعور غريب تجاه كل شيء من حولك، وكأنك للتو عرفت ما معنى كون الإنسان عاش حب الاجتماع والألفة بين أهله، وهم أيضاً يساعدونك وينظرون إليك بنظرة تقشع فيها حنيناً وحبهم إليك، فلا يسعك إلا والدموع تتشكل في عينيك وتسقط وكأنها في حياتك ما نزلت إلا للتو. وتأتي لحظة الوداع هي أصعب شيء يمكن أن تشعر به ويشعرون به أيضاً، فمقلة العين بعدما كانت صافية وناشفة من الدموع صارت هي الآن سيدة الموقف. فالدموع تغلبت على الكلمات والعبارات، فما بقي شيء تقوله إلا كلمات غلب عليها هذيان وزفير البكاء، حتى إن من كلمات الوداع تختفي آنذاك وتبقى الملامح هي وحدها من تتبادل الخطاب فيما بينها.

وأنت في الطريق بعدما افترقت عنهم على متن حافلة أو غيرها من وسائل النقل، وجهك منذبل تنظر إلى الخارج تلتقط لقطات من آخر منظر يمر بك وكأنك لحظتها أول مرة تمر بعينيك، وتحال متابعتها بنظرك عسى أن تجد لها مكانا في قلبك تبقى خالدة فيه تذكرك بحنين ذلك المكان والشوق إلى الرجوع إليه متى تيسر ذلك. ولكن سرعان ما تجد نفسك منغمس في دوامة من التفكير تراود عقلك وتحاول أن تخلق صراعاً بين عاطفتك الجياشة تجاه هذا الشيء الذي جعلك كذلك. فيبدأ عقلك يطرح أسئلة محاولا بها إيجاد شيء يُعيد توازناً لهذا الوجدان الذي أصابه شرخ جعله منغمساً هو بدوره أيضاً في دوامة من الحزن والاكتئاب.

وأنت تبتعد شيئاً فشيئاً عن المكان، تبدأ في محاولة مع نفسك لإيجاد أجوبة تكون بمثابة تبرير لهذا الفراق، فتجد أنه بقدر ما فيه من المرارة، فيه أيضاً دافع وحافز لتنطلق في مسيرة دراسية ستكون فارقة في حياتك، إما أن تكون أو لا تكون. فهم حقاً ودعوك ولكن توديع الآمل، آمالهم منعقدة عليك لتقرأ وتكون شيئاً بالنسبة لك أولاً ولهم ثانياً. فتذكر دائماً وأنت بعيد عنهم تقرأ يتساءلون عنك ويقولون إنه ذهب إلى هناك ليقرأ! فخذ هذا الأمر بمحمل الجد واعتبره حافزاً لك على تحقيق ما تصبوا إليه في مسيرتك الدراسية. وتذكر أيضاً أنه لابد من شيء من التضحية وأنت تتسارع مع ما تتلقاه في مسيرتك الجديدة، المهم ألا تخيب آمال متمنياتك التي جعلتها أمامك وتصبوا الوصول إليها أولاً، وثانياً وثالثاً متمنيات أهلك وما هو منعقد عليك من حمل الأمانة تجاه هذه الأمة لإضافة شيء إليها، حتى يسجل التاريخ في صفحاته أنك كنت ممن أضافوا شيئاً لصفحاته في جانبه المشرق طبعاً.

نعود ونقول إن الشعور كان فكان الأدب، وكان الأدب فكانت الكلمات، فهذه كلمات تولدت من شعوري وإحساسي وأنا راكب على متن حافلة ذاهب إلى مكان آخر حيث شاءت الأقدار أن نكمل فيه دراستنا. فحاولت لملمتها وجمعها فيما بينها على هذه الشاكلة. وأخيراً ما بقي شيء بقدر ما هو تعزيز لما ذكر، إذ نجد أن تجارب الكثير ممن فارقوا الأوطان والأحباب حينما تقرأ مذكراتهم وما كتبه عنهم غيرهم، أنهم كانوا حريصين كل الحرص أن يكونوا من المتفوقين ليعودوا إلى بلادهم متمكنين فيما هم قد درسوه حتى يقدموه أيضاً إلى أولادهم وأحفادهم، كل ذلك محاولة منهم في المساهمة بالدفع بهذه الأمة إلى الأمام قدر الإمكان، وهذا واجب حقاً على كل أحد يحمل هم هذه الأمة حتى تستطيع اللحاق بالركب وتستعيد مكانتها في مقدمة الطالعين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.