شعار قسم مدونات

لماذا نخجل حين نتحدث عن الجنس؟

blogs couple

نشعر بالفخر عندما نتحدث عن الفن، والثقافة، والجمال، بينما نشعر بالخزي عندما نتحدث عن الجنس، ونشعر "داخلياً" بيقينية أن الجنس قذارة وتلويث، ولا نقبل التشكيك بهذا اليقين، حتي ولو كنّا خارجياً نبدي غير ذلك، على الرغم من أننا جميعاً أبناء الجنس، وكل الكائنات علي سطح كوكبنا ما هم إلا نتاج التكاثر الجنسي. الأمر الذي يعني أن الجنس من أهم الموضوعات على الإطلاق.

 

ولا شك أننا بحاجة إلى المزيد من المصارحة والانفتاح، والصدق مع أنفسنا، لكي نخوض في هذا الموضوع الهام الذي يعد أحد أهم الموضوعات المحورية على الإطلاق لا في تاريخ الجنس البشري فقط، بل في تاريخ كل الكائنات الحية. فدعونا نكن منفتحي الذهن حول هذا الموضوع لنناقش أبعاده الفلسفية والنفسية.

 

كثيرة هي المشكلات التي يرجع سببها النفسي إلى الجنس في مجتمعنا العربي، والأكثر هو الجهل بهذة الحقيقة. ولا شك أن هذا الجهل يرجع إلى ثقافتنا العربية الجامدة علي التطور، والتي تعتبر أن الجنس شيئاً قذراً لا يجب أن نناقشه في العلن، ونتيجة لذلك نتكتم علي كل ما هو جنسي ونغمض أعيننا عنه مُدّعين أنه غير موجود، على الرغم من أنه موجود أمام أعيننا، ولكن الوعي الساذج الذي نضحك به علي أنفسنا ونورثه لأبنائنا جيل بعد جيل هو الذي يحول بيننا وبين رؤية الحقيقة. إلى متى سنظل في هذا السجن الذهني من الوعي الساذج؟

 

الجنس هو أقوى غريزة لدى الإنسان، ويمكنها توجيه الإنسان بأي اتجاه، وبالتحكم في تلك الغريزة يمكن التحكم في الإنسان بدقة تصل إلى مستوى التحكم بالآلات

وفي مجتمعنا الذي يدّعي الخجل بينما هو في الحقيقة غير قادر على المصارحة، لا توجد أي دراسات عن الجنس، ولا يوجد أي بحث في هذا الموضوع الهام والمحوري لدراسة أبعاده وتأثيره في كل مرحلة عمرية، وفي كل علاقة اجتماعية، وفي كل سلوك إنساني. فقط نكتفي بأن نكون أتباعاً للغرب في كل العلوم والمباحث وليس الجنس وحده.

 

وصحيح أن الغرب أكثر منّا انفتاحاً على هذا الموضوع، وجرت العديد من الدراسات عليه في بعض الجامعات إلا أن المعرفة المتوفرة عن الجنس في كل العالم إلى الأن ليست كافية، ولا تليق بموضوع محوري كهذا الموضوع الذي يعد مصدر كل الكائنات الحية. وليس لديّ شك بأن هناك الكثير من المعارف المحجوبة عن البشرية والمحتكرة من قبل بعض البشر ومن ضمنها معارف خاصة بالجنس لأهميتها الاستراتيجية. كما أن ليس لدي شك ايضاً بأن جميع هذه المعارف سيتم كشف النقاب عنها وطرحها للبشرية ضمن زخم المعلومات الهائل ولكن بعد التأكد من انشغال البشر الدائم كلٍ بدوره في آلة عملاقة تدار لمصلحة قلة يحكمون العالم من خلف ستائر سوداء.

 

ولن يستطيع فك شيفرة هذا الكم الهائل من المعلومات واكتشاف أهم الحقائق التي كانت مخفية عن البشرية إلّا الفلاسفة والعلماء المختصين، لكن البشر سيكونوا منشغلين جداً ولن يستمعوا إلى الفلاسفة. اسمعك صديقي القاريء تقول أن هذا يتحقق الآن، وأقول لك أن هذه مجرد بداية.

 

إن الجنس هو أقوى غريزة لدى الإنسان، ويمكنها توجيه الإنسان بأي اتجاه، وبالتحكم في تلك الغريزة يمكن التحكم في الإنسان بدقة تصل إلى مستوى التحكم بالآلات. وهذا الأمر يتطلب المزيد من المعلومات والفهم لطبيعة تلك الغريزة الجنسية.

  

والجنس يتنوّع ولا يقف معناه عند تلك العلاقة المقدسة بين الجنسين، بل إن العلم والفن والموسيقى وهذا المقال شكل من أشكال الجنس. وكل شيء في حياتنا الإنسانية ما هو إلا نتاج عملية الجذب الجنسي للشريك الآخر، والذي يعبّر عن هذه الغريزة تعبيراً مبدعاً ذكياً يكرس العقل البشري فيه كل خلاياه. إن الجنس يتحكّم في العقل البشري، والعقل يتحكّم في كل شيء في الوجود.

 

وهذا يدعونا للتوقف أمام هذا الموضوع ودراسته دراسة مكثفة، وفهمه فهماً صحيحاً وتفسير جميع مشكلات مجتمعنا في ضوء ذلك الفهم الصحيح. إنه محوري ويلعب دوراً مهماً في انتاجية البشر وقدرتهم على الإنجاز وتحقيق النجاح، وهذا يعني أيضاً أنه يلعب نفس الدور المحوري في دفعهم نحو هاوية الفشل، والسؤال هو كيف نستخدم نقطة التحكم هذه (الجنس) من أجل دفع المجتمع إلى الأمام؟

 

وقد يتحول الجنس إلى سلاح في أيدي قلّة يريدون أن يسجنوا البشرية في سجون من المرض والعجز، فقد يتحوّل إلى إدمان لا يقل خطراً عن أخطر أنواع الإدمان، والإدمان هو السبب الرئيسي للفشل. وهناك مليارات من الدولارات ُتنفق سنوياً علي صناعة وترويج الجنس والأفلام الاباحية، وهناك ألعاب اباحية اخرى يتم إنتاجها وترويجها لجذب جمهور الأطفال، حتى أن حجم الإنفاق على صناعة الجنس أصبح مثل حجم الإنفاق على الصناعات الاستراتيجية كصناعة السلاح والدواء. ماذا يعني هذا؟ وألا يثير هذا الكثير من التساؤلات؟

 

انني في هذا المقال اكتفي فقط بإلقاء الضوء على هذا الموضوع الهام والمحوري، وبإثارة التساؤلات حوله، وسوف أترك لك عزيزي القاريء حرية استخلاص الأجوبة من خلال بحثك وارتحالك المعرفي في هذا الموضوع.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.