شعار قسم مدونات

أميركا وإيران.. سرد تاريخي للعلاقة وسيناريوهات مقبلة!

blogs إيران و الولايات المتحدة

لنتمكن من دراسة سيناريوات المواجهة المقبلة بين الولايات المتحدة وإيران، علينا البحث في العلاقة التاريخية منذ نجاح الثورة الخمينية عام ١٩٧٩ حتى اليوم بين النظامين؛ ومن ثم الدخول في تحليل شكل هذا الصراع. عندما أطاح الخميني بحكم الشاه في إيران عام ١٩٧٩، كانت الولايات المتحدة تراقب الوضع من منظار الحرب الباردة، فوقعت بين مشكلتين: مشكلة دخول السوفيات إليها ودعم حزب توده الشيوعي والإطاحة بالخميني، وبين أن تدعم الخميني الراديكالي والذي خشي من ثورة مضادة تقودها الولايات المتحدة لاسترجاع الشاه فاحتل السفارة الأميركية. سعى ريغان منذ أن تولى الرئاسة عام ١٩٨١ إلى اعتماد استراتيجية: "ممنوع انهيار النظام الإيراني، وممنوع انتصار إيران على العراق". وبقي على هذه الاستراتيجية طيلة حرب الخليج الأولى.

 

تورط ريغان لاحقاً أثناء الحرب بفضيحة "إيران كونترا"، وقد مدّ إيران بالأسلحة مقابل الإفراج عن الرهائن. بقيت العلاقة بين إيران والولايات المتحدة طيلة حرب الخليج الأولى غير منضبطة؛ استطاع تنظيم لبناني بتدريب إيراني القيام بعملية تفجير مقر المارينز في بيروت، وحصلت بعض المعارك في الخليج، ومنها أزمة صواريخ "سيلكوورم" الصينية، انتهت بإسقاط الجيش الأميركي لطائرة مدنية إيرانية عن طريق الخطأ، فهمها النظام الإيراني كرسالة لإنهاء الحرب، وقد حصل بالفعل.

حققت الولايات المتحدة المعادلة التي سعت إدارة ريغان إليها: "الاحتواء المزدوج". وبعد وفاة الخميني، سعى الرئيس "المعتدل" رفسنجاني إلى مد يد التعاون للولايات المتحدة، وكان شرط الأخيرة إطلاق سراح الرهائن الأميركيين في لبنان، وقد حصل بالفعل. أما ردة فعل إدارة بوش الأب، أن رفض التعاون وقام بعزل إيران ورفض دعوتها إلى مؤتمر السلام الإقليمي في مدريد، ما شكل صفعة قوية لقوى الاعتدال في إيران. يقول المرشح السابق لرئاسة إيران أمير أحمدي "لن تسمح أي حكومة إيرانية لعدوّيها – العرب وإسرائيل – بالتحالف أو حتى بولادة تحالف بينهما" (حرب الشفق – ديفيد كريست)؛ وبعد اتفاق أوسلو ووداي عربة، بدأت مرحلة جديدة بين إيران من جهة والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى، مرحلة الحروب بالوكالة، لجأت إيران إلى دعم ميليشيات راديكالية لضرب مصالح الدولتين. ولكن انتخاب خاتمي عام ١٩٩٧، أعاد للخليج هدوئه النسبي لسنوات أربعة قادمة.

عادت من جديد إيران لتطلق تحذيرات ضد المصالح الأميركية في المنطقة، وتواجه اليوم عقوبات أميركية قاسية، لا تستطيع الصمود ومواجهتها إذا بقيت كذلك

وكما حصل عام ١٩٩١، قيام بوش الأب بعزل إيران مع ترتيب المنطقة بعد الدخول في نظام القطب الأوحد، حصل الأمر نفسه مع بوش الابن عام ٢٠٠٢. فقد قدمت نفسها إيران كدولة تحارب الإرهاب بعد هجمات سبتمبر ٢٠٠١، فأعطت الضوء الأخضر لغزو أفغانستان، وأيضاً لم تعيق الغزو الأميركي للعراق للإطاحة بنظام صدام حسين. ولكن لجوء بوش الابن إلى وضع إيران في محور الشر، أعاد العلاقة إلى التوتر من جديد، وعادت إيران لدعم الفصائل الراديكالية لاستنزاف القوات الأميركية في العراق وإحباط مشروع "دمقرطة" العراق كمحطة في مشروع "الشرق الأوسط الكبير"، خاصة مع وصول المتشدد نجاد إلى الرئاسة.

استطاعت إيران، بحنكة اعتيادية أن تستخدم "الإرهاب" لإرباك الولايات المتحدة، وأيضاً سلاح جهل الأخيرة في فهم تعقيدات المجتمع العراقي، بتنوعه العرقي والاثني والطائفي، لتتوسع في العمق العربي، فأسست لنفسها عمق استراتيجي مهم، أخلّ بالتوازن المفروض مسبقاً على الساحة الخليجية. وقد زاد الأمر صعوبة، انكفاء إدارة أوباما عن المنطقة وإبرامها الاتفاق النووي الذي فصل الملف النووي عن باقي الملفات، مما أتاح للنظام الملالي التوسع والتحرك بمرونة أكثر في المنطقة. والأمر بات كالتالي: انعدام توازن جيواستراتيجي بين إيران من جهة، وبين الدول العربية من جهة أخرى. أتى ترامب إلى سدة الرئاسة ليخلط الأوراق، فتنسحب بلاده من الاتفاقية مع إيران منفردة.

عادت من جديد إيران لتطلق تحذيرات ضد المصالح الأميركية في المنطقة، وتواجه اليوم عقوبات أميركية قاسية، لا تستطيع الصمود ومواجهتها إذا بقيت كذلك، رغم أن الأوروبي متردد حول فك علاقاته التجارية معها، ولا زالت روسيا والصين وتركيا على علاقات مميزة معها. ومن هنا، يمكننا طرح سيناريوهات المواجهة المقبلة:

1- سيناريو كوريا الشمالية

بعد تفجير الطائرة المدنية الإيرانية عن طريق الخطأ بصاروخين أميركيين عام ١٩٨٨، نقل الصحافيان الأميركيان بولوك وموريس في كتابهم "حرب صدّام"، إجراء قادة إيرانيون بحضور الخميني اجتماع سري عرضوا الأوضاع المستجدة، وتوصلوا إلى خلاصة أن النظام الإيراني معزول، ويواجه تحالفاً أميركياً عراقياً سيسعى جاهداً لهزيمة إيران، وأن لا قدرة لديهم على إعادة ما خسروه في الحرب، وأن الاقتصاد الإيراني في حالة من الفوضى، كما أن بقاء النظام كان على المحك بفعل المظاهرات التي تنادي بوقف الحرب؛ فاقتنع الخميني بوقف الحرب.

من الممكن أن تلجأ إيران إلى هذا القرار، الموافقة على طلب الرئيس ترامب بالدخول إلى مفاوضات جديدة، لا تُفصل فيها الملفات: الملف النووي والصواريخ الباليستية وسلوك إيران في المنطقة. خاصة أن الاقتصاد الإيراني يتهاوى والعملة الإيرانية مهددة بالانهيار. العامل الوحيد الذي يتوفر لصالح إيران اليوم، هو أن العزلة محدودة، فهل ستراهن على الصداقة مع روسيا وعلاقتها الجيدة مع أوروبا والصين وتركيا؟ سيناريو كوريا الشمالية حاضر وبقوة، وكما اجتمع ترامب مع كم جونغ يونغ، يمكن جداً أن نرى اجتماعاً يجمع ترامب بالروحاني.

سيناريو الحل من الداخل هو السيناريو الذي سيجنب المنطقة ويلات الحروب والمعارك، فالحرب المباشرة إن اشتعلت، ومؤشرها ضعيف جداً، لن يتمكن أحد من السيطرة عليها
سيناريو الحل من الداخل هو السيناريو الذي سيجنب المنطقة ويلات الحروب والمعارك، فالحرب المباشرة إن اشتعلت، ومؤشرها ضعيف جداً، لن يتمكن أحد من السيطرة عليها
 
2- سيناريو الحرب المحدودة

لا شك أن إسرائيل أصبحت قلقة من تنامي قدرات إيران الصاروخية، والتي أصبحت متوفرة بقوة مع ميليشياتها في المنطقة. وستكون إسرائيل على موعد لاحتواء هذه القدرات عبر استهداف لمواقع محددة في سوريا ولبنان وربما إيران، خاصة بعد تقديم نتنياهو الأدلة المصورة لمصانع الصواريخ في لبنان وصور تثبت، حسب زعمه، وجود مخزن سري للأسلحة الذرية فى طهران. ستكون الضربات محدودة وستكون حروب بالوكالة. في هذه الحالة سيساهم الوجود الروسي في سوريا على احتوائها، ولديه قدرة على ذلك بسبب الصداقة التي نشأت بين بوتين ونتنياهو.

3- سيناريو الحل من الداخل

السيناريو الذي سيجنب المنطقة ويلات الحروب والمعارك. فالحرب المباشرة إن اشتعلت، ومؤشرها ضعيف جداً، لن يتمكن أحد من السيطرة عليها. الرئيس الروحاني من قوى "الاعتدال" في وضع ليس جيد بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وهي صفعة في وجه هذا المحور في الداخل الإيراني؛ ولكن الحال نفسه مع قوى "المحافظين" الذين يواجهون معارضة شعبية. ستحاول الولايات المتحدة الضغط أكثر على الاقتصاد الإيراني، وحذرت الأوروبيين من التلاعب والتحايل على حزمة العقوبات. وستراهن على معارضة داخلية قوية، تقوم بفعل انهيار العملة الإيرانية بالانقلاب على نظام الملالي في طهران.

4- سيناريو الحرب الشاملة

هو سيناريو ضعيف جداً. ما سبق لإيران أن دخلت حرباً مباشرة مع الولايات المتحدة أو إسرائيل. في حرب الخليج الثانية، قام صدام حسين باستهداف تل أبيب في العمق الإسرائيلي بصواريخ سكود. ولولا الضغط الأميركي الكبير، لدخلت إسرائيل على خط المواجهة وأربكت وجود قوات للدول العربية في التحالف. لذلك، فإن دخول إسرائيل في الحرب إن حصلت، وربما تكون هي من تريدها اليوم وستشعلها، فإنها ستربك الدول العربية التي تطالب بكبح جماح إيران.

استغل نتنياهو الصرح العالمي لإقناع المجتمع الدولي بضرورة الوقوف بوجه طموح القيادة الإيرانية بامتلاك السلاح النووي وتزويدها الميليشيات بالمنطقة بالصواريخ القادرة على تهديد التفوق العسكري الإسرائيلي
استغل نتنياهو الصرح العالمي لإقناع المجتمع الدولي بضرورة الوقوف بوجه طموح القيادة الإيرانية بامتلاك السلاح النووي وتزويدها الميليشيات بالمنطقة بالصواريخ القادرة على تهديد التفوق العسكري الإسرائيلي
 

فهل ستوافق الدول العربية، الخليجية خاصة، بالدخول في تحالف تقوده الولايات المتحدة، وستجد نفسها في الخندق نفسه مع إسرائيل لمواجهة إيران!؟ في تقرير للجنرال زيني، من مشاة البحرية الأميركية عام ١٩٩٦ أخبر وزير الدفاع كوهين أن الإطاحة بالنظام الإيراني سيتطلب ما لا يقل عن نصف مليون جندي أميركي وثلاث سنوات من القتال، وهذا يعني أن الخيار العسكري لتغيير النظام في إيران لم يكن واقعياً.

لا يمكن الاعتماد على تصريحات نتنياهو الأخيرة باعتبارها قرع لطبول الحرب. لقد استغل الأخير الصرح العالمي لإقناع المجتمع الدولي بضرورة الوقوف في وجه طموح القيادة الإيرانية بامتلاك السلاح النووي وتزويدها الميليشيات في المنطقة بالصواريخ القادرة على تهديد التفوق العسكري الإسرائيلي. لقد أرادوا إقناع الجميع بالسبب وراء انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، والالتزام بحزمة العقوبات الأميركية الجديدة. يبقى الرهان على الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة، هل ستقوي من مواقف إدارة ترامب أو تُضعِفه؟ نستذكر ما حصل ١٩٩٥، عندما وصل التوتر بين الدولتين إلى ذروة الحرب، حاول رفسنجاني نزع فتيلها وتحسين العلاقات بين البلدين، فقام، بموافقة الخامنئي، بإبرام عقد بقيمة بليون دولار مع الشركة الأميركية "كونوكو" لتطوير أحد الحقول النفط.

 

عندما وصلت أنباء الصفقة إلى واشنطن دعمها كلُّ من وزارة الخارجية ووكالة الاستخبارات المركزية، ولكن في تلك السنة سيطر الجمهوريون على الكونغرس، فسنّ مجلسا الشيوخ والنواب تشريعات جديدة تهدف إلى إغلاق التجارة بين البلدين وإلى وأد اتفاقية "كونوكو" في مهدها. فهل يعيد التاريخ نفسه، بشكل معاكس، فيسيطر الديمقراطيون على الكونغرس وينزعوا فتيل التوتر؟!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.