شعار قسم مدونات

تونس.. هل يمكن أن تكون أرض الأحلام؟

مدونات- الأحلام

علم النفس وعلم الاجتماع لهما عندي مكانة شخصية لأنهما علمان مهمان لفهم الواقع وتفكير الأفراد، مما يُسّهل فيما بعد طريقة تقربنا للمواطنين لتغيير فكر أو تصور معين. المجتمع بالنسبة لي هو نسيج أفراد متنوعين ومختلفين، لكن يجمعهم وطن واحد، ثقافة وتاريخ مشترك، يعيشون نفس الحاضر وكل حدث له تأثير عليهم أن كان من قريب أو من بعيد. لكن رغم هذه اللحمة فنحن أفراد وكل منا يعيش في عالمه الخاص، فلكل فرد منا نظرته للحياة، للواقع وللمستقبل بالتالي تفسير الأمور يختلف من فرد لأخر حتى وإن كان موضوع النقاش نفس الشيء.

فعلى سبيل المثال، بالنسبة للفرد الأمومة كلها تتجسد في ذات والدته رغم أنها مختلفة عن الأمهات الأخريات، تقييمنا للصداقات والعلاقات مرتبط أيضاً بنظرتنا الشخصية التي تُحَدد معها عالمنا الشخصي. هذا لا يعني أننا منفصلون عن الأخرين بل نحن نشأنا على احترام الآخر باعتباره إنساناً مثلنا وفرداً من أمتنا، كما تعلمنا احترام حدودنا وحدود غيرنا. حياة كل فرد منا رواية يوجد فيها شخصيات مُساعدة وأخرى معرقلة، نجد فيها ايضا عقد وتحديات لكن كل فرد منا هو بطل روايته ومحور احداثها. كل فرد منا بطل روايته الخاصة التي يكتبها بأحلامه وآماله، إنجازاته وإخفاقاته، بذكرياته الجميلة وذكرياته الحزينة، بالتالي تصير تلك الرواية تجسيداً لإرادته، وتلك الصورة التي رسمها لنفسه منذ الطفولة.

عندما يصير الفرد شخصية ثانوية في حياته ويفقد السيطرة عليها فإن عالمه ينهار، لأنه أصبح مُسَيّراً ليس مُخيراً حتى في قراراته المصيرية

فمنا من حلم أن يكون جنرال، طبيب أو مهندس، لكن رغم أننا أبطال رواياتنا ونخطط لها، أغلبنا لم يحقق مجمل تطلعاته أو بالأحرى وجد نفسه في بعض الأحيان مجبراً على التنازل عن أحلامه. وذلك بسبب عوامل خارجية لها تأثير مباشر على حياته ومستقبله حتى بطريقة غير مباشرة. أرض الأحلام ليس تمهيداً للحديث عن رواية (أليس في بلاد العجائب) أو عن الجمال الطبيعي للبلاد، أرض الأحلام يحمل ورائه تساؤل آخر، هل بلادنا هي أرض أحلام؟ هل بلادنا اليوم تمكن مواطنيها بأن يعيشوا أحلامهم، لسوء الحظ وكما هو معلوم الإجابة بنسبة كبيرة سلبية. يمكن لنا فهم ذلك عند الحديث مع أفراد فقدوا الأمل أو مع الذين يشعرون بعدم الرضا في حياتهم رغم أن الكثير منهم يعيش حياة عادية.

عندما تفرض عوامل خارجية على الفرد قيوداً وأغلالاً فإنها بالتالي تُكبله وتُصبح تتحكم في حياته وخياراته، بالتالي ينتقل الفرد من شخصية (بطل القصة) إلى شخصية ثانوية وهذا ما يولد عدم الرضاء. فكم من شخص يشتغل في وظيفة ليس مقتنعاً بها، بل لأنه مرغم على ذلك لأن المنظومة التعليمية لم توفر له تعليماً متكاملاً يمكنه من التكون في الميدان الذي يرى فيه قدرته على الإضافة والتميز. كم من فنان تخلى عن فنه لأنه يعيش في وطن لا يقدر مبدعيه ومفكريه، بالتالي لا يصير قادراً على توفير عيش كريم له ولعائلته. كثير من المواطنين – أن لم يكن أغلبهم – يتشاركون تلك الرؤية المليئة بالحسرة، مما يولد لدى البعض إحساس بعدم الانتماء لمحيطهم أو رفضهم له، وأن واقعهم ليس خيارهم بل ما وقع فرضه عليهم بحكم الظروف، وتلك العوامل الخارجية التي لا تحترم إرادته وأحلامه.

إذا فقد الفرد الأمل وأحس بالقطيعة مع المجموعة فان ذلك سينمي فيه احساس الاغتراب والعزلة مما يدخله في عبثية الحياة ويتجه تركيزه نحو هجرة الوطن آملا أن يجد أرض أحلامه في وطن غير وطنه، أو أن يُلقي بنفسه في بؤر الفساد والإجرام كانتقام من تلك الظروف والعوامل التي كبلته. عندما يصير الفرد شخصية ثانوية في حياته ويفقد السيطرة عليها فإن عالمه ينهار، لأنه أصبح مُسَيّراً ليس مُخيراً حتى في قراراته المصيرية. يفقد وجود الفرد في هذه الحالة كل مغزى وكل معنى، ونحن نرى نتائج ذلك مع اللذين ينتحرون يومياً من شبابنا وحتى كهولنا، أو اللذين يختارون الهجرة الغير الشرعية كمفر من سجن يرون أنفسهم فيه.

ظاهرياً لا يمكن تمييز شخص فاقد الأمل وشخص عادي، فكلاهما يعيش حياته بطريقة عادية، لكن باطنياً عالم أولئك الأفراد منهار وخارج عن السيطرة رغم أن كل ذلك كان يمكن تفاديه. فإن كان المواطن يعيش في مجتمع واعٍ ودولة نخب ومفكرين توفر مقومات العيش الكريم وتحترم المواطن مهما كان اختلافه، وتعطيه كرامته وتعلمه القيم، دولة تعمل على أن تكون أرض أحلام أبنائها. إن توفرت تلك الظروف لما كان المواطن يعيش في عزلة وكره في بعض الأحيان للأخر. استرجع في ذهني سؤال دائماً تعرضت له ما الذي تريد تحقيقه؟ ما هو حلمك؟ إجابتي ببساطة هي التالية: حلمي هو بناء جيل جديد من القادة والمفكرين لبناء تونس، حديثة تكون أرض أحلام أبنائها. أرض يمكن لأي مواطن فيها أن يكون بطل روايته التي يكتبها شخصياً بدون قيود أو عراقيل خارجية.

هذا هو هدفي! وهذا هو حلمي! أن تكون تونس بلداً يعيش فيه الفرد أحلامه، فالحلم مهم في حياة المواطن فهو خزان خياله الذي بدوره سيخرج كل طاقاته الإبداعية المستوحاة منه. بالنسبة لي أن وضع البلاد مسألة ظرفية فامتنا أظهرت انها قادرة على التجديد والتطور وانه حتميا سنتخلص من افراد حبست العقول في صراعات النفوذ التي فقرت العقول وقضت على أحلام العديد. ستنهض البلاد بجيل جديد، بنفس جديد يجعل من تونس أرضا خلاقة وشعبا مبدعا. بلادا يكون فعليا أرض الأحلام

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.