شعار قسم مدونات

الخوف سلاح الطغاة للسيطرة على الشعوب

blogs ثورة

فى رواية واقعية وربما مسلسل درامي لا يعرف كم عدد حلقاته، أو فيلم من السينما الهابطة المنتشرة هذه الايام، وفي مسرحية كوميدية تراجيدية هزلية في نفس الوقت، في هذا المشهد ترى اُناس ضاق بهم الحال من غلاء الاسعار وسوء الاوضاع، وسكتت السنتهم فما عاد النطق يعرف لها سبيل، وعلى الجانب الآخر ترى فئة قليلة استُضعفت تقبع خلف القضبان كانوا قد حملوا على عاتقهم مصير أمة بأكملها وفوق كل هذا مدرعة تدهس الجميع ولا تفرق بين أحد في مشهد تكرر في مصر منذ آلاف السنين بل وفى الوطن العربي كله.

   

عند رؤيتك لهذا المشهد يتبادر إلى ذهنك سؤال واحد فقط، لِمَ يرتضون كل هذا الذل والهوان؟! والإجابة هي قطعاً الخوف. كاذب من قال انه لا يخاف، فالخوف فطرة بشرية فطر الله الناس عليها حتى انبياء الله ورسله – وهم أكمل البشر – لم ينزع من قلوبهم الخوف، ولكن الاختلاف هو كم نسبة هذا الخوف وإلى أي مدى يمكن أن يؤثر في الإنسان ويتأثر به.  فنرى مثلا نبى الله موسى – عليه السلام – كان يخشى أن يكذبه قومه لأن لهم عليه ذنب "ولهم علىّ ذنب فأخاف ان يقتلون" وكذلك عندما ألقى السحرة حبالهم وعصيهم "فأوجس في نفسه خيفة موسى"

  

إننا بحاجة ماسة الآن إلى لحظة مثل لحظة إلقاء موسى العصى ونحتاج إلى لحظة كمثل التي كانت في غار ثور "لا تخف ولا تحزن إن الله معنا" ونحتاج للحظة مثل ٢٥يناير ننزع فيها هذا الخوف ونقاومه ونتغلب عليه حتى نستعيد كرامتنا وحريتنا وأوطاننا المغتصبة

إذن فلا عيب من أن نخاف ولكن كل العيب أن نستسلم لهذا الخوف، تُرى لو أن موسى -عليه السلام- لم يسمع كلام ربه "لا تخف" واستسلم لخوفه وشعوره الفطري؟! بالتأكيد كانت ستُكتب الغلبة للسحرة وسيتم تكذيب موسى -عليه السلام- بحجة مبنية على دليل، ولكت عندما تغلب على هذا الخوف وطرده من قلبه وتوكل على ربه كانت النتيجة هي الانتصار. المعادلة بسيطة جدا، فخوف معه استسلام ينتج عنه جبن وانهزام وعلى النقيض تماما خوف معه مقاومة ينتج شجاعة. وهكذا تكون الشعوب، فالشعوب التي تستكين وتستسلم للطغاة تصبح أجبن ما يكون وترضى بأقل القليل مخافة البطش والظلم، أما الشعوب الثائرة والمقاومة تتحدى الخوف فتنتصر عليه ومن ثم تنتصر على الظلم والاستبداد وتصبح حرة أبية.

   

وإذا أردنا أن نأخذ مثالا حيا فالشعب المصري خير مثال في كلا الحالتين فنرى أن الشعب المصرى قد عانى كثيرا طوال ٣٠ عاما من الفقر وضنك المعيشة وتكميم الأفواه وكل أشكال الظلم والاستعباد وكان يخشى أن يتكلم حتى لا يتم الزج به في المعتقلات، ولكن في لحظة فارقة هي لحظة طرد الخوف من القلوب هب الشعب المصري بصوت واحد "الشعب يريد اسقاط النظام" وصمد وقاوم حتى أسقط النظام وانتصر بالفعل، انتصر على الخوف الذي تولد بداخله منذ عشرات السنين وانتصر على نظام ظل جاثما على صدره طوال تلك السنوات. ولكن دائما كما يقول علماء التنمية البشرية ليس المهم الوصول للقمة ولكن الاهم هو المحافظة عليها، فقد عاش الشعب المصري أكثر من عامين في حرية وكرامة لكنه لم يصمد كثيرا امام الدبابة هذه المرة وعاد الخوف مجددا لكنه هذه المرة أكبر وهيمن على العقول قبل القلوب.

 

ربما ثار الشعب المصري لأنه فاض به من أفعال نظام مبارك لكن ما نراه الآن يفوق أضعاف ما كان يحدث أيام مبارك فقد أخرست الدبابة السنة الكثير من الناس والجمتهم لدرجة "اضرب خلينى اتوب"، عاد الخوف مُحملا بكل أنواع الأسلحة التى تعصمه من السقوط بل عاد ليهاجم من جديد ولم يكتفِ بالدفاع والوقاية فقط، وقد سيطر هذه المرة على القلوب والعقول والجوارح، لكن ترى كم سيصمد بهذه الأسلحة والدفاعات المتكتلة؟! يتوقف ذلك على مدى استسلام الفريسة له ومدى درجة المقاومة ..

   

مازلت أتحدث عن هذا الخوف البغيض الذي سيطر على عالمنا العربي وجعله يستكين ويستسلم لأنظمة قمعية تحكمه بالحديد والنار، فقد خافوا من القتل والآن يموتون جوعا وقهرا وخافوا من السجن فأصبحوا في سجن أكبر، الخوف سلاح استخدمه الطغاة للسيطرة على الشعوب ومقدرات البلاد وقوت العباد فنشروه بين الناس ليحققوا احلامهم الخبيثه او ربما احلام اسيادهم من الغرب والصهاينة.

  

إننا بحاجة ماسة الآن إلى لحظة مثل لحظة إلقاء موسى العصى ونحتاج إلى لحظة كمثل التي كانت في غار ثور "لا تخف ولا تحزن إن الله معنا" ونحتاج للحظة مثل ٢٥يناير ننزع فيها هذا الخوف ونقاومه ونتغلب عليه حتى نستعيد كرامتنا وحريتنا وأوطاننا المغتصبة من العملاء والخونة.. فمتى تحين هذه اللحظة؟!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.