شعار قسم مدونات

أهلا وسهلا بكم في غوانتانامو لبنان!

blogs سجن رومية

إن صناعة "داعشي" أو الذبح على الطريقة الخاشقجية لا تحتاج إلى أمور معقدة أو عناء كبير. إذا كنت تبحث عن إرهابي، يمكنني أن أعطيك وصفة واقعية تصنع متطرفاً أو تنتج إرهابياً في فترة زمنية قياسية. الشرارة في لبنان لا تحتاج لسحر، هي بحاجة فقط لجيل منهك، فقير، منبوذ، مظلوم، مضطهد، يائس، كفر بدولته الفاسدة وبحكامها الفاسدين. افتتح سجن "رومية" عام 1970، وتبلغ طاقة استيعابه 1500 سجين وهو اليوم يتجاوز 5500 سجين. ويعتبر مبنى "ب" السجن الأكبر في لبنان مع الإشارة إلى أن المعتقلين ‏وخاصة المشايخ وكبار السن منهم يعانون من عدة أمراض لأن معظم الغرف تحت الأرض فلا يرون الشمس أبدا.‎

  

دخلت المبنى "ب" في سجن رومية عام 2013 عندما كنت مشاركاً في احدى البرامج التلفزيونية ورأيت بأم العين ومن داخل المبنى – الذي أطلق عليه أسماء ‏عدة منها "غوانتانامو لبنان" – كيفية التعاطي مع الموقوفين.‏ هناك عمليات تعذيب نفسي وجسدي ونفي للسجين ‏وعزله عن البشر وتفتيشه معرى والتقصد في إهانته و إذلاله. وإن أراد مواجهة أهله يساق إليهم مكبل اليدين يرافقه رجال أمن ملثمون. وطبعاً عندما يرى أمهات ‏المعتقلين هذا المشهد يبدأن بالبكاء والصريخ فتبدأ مسيرة جديدة من التعب النفسي ترافق السجين عندما يرى والدته تنهار ‏أمامه.‎ كل هذا مع فرضية أو احتمال أن يكون السجين بريئاً ومظلوماً وهو في الأصل لم تجر محاكمته! فماذا ننتظر بعد خروج هؤلاء المعتقلين من السجن؟ وهل السجن هو للإصلاح أم لزرع الأحقاد والضغينة في النفوس؟

   

عند الإفراج، غالبا ما يواجه السجناء العديد من التحديات بما في ذلك البطالة ونقص المساعدة القانونية، وكذلك صعوبات في إعادة الاندماج المجتمعي بسبب وصمة العار المجتمعية والتمييز ضدهم

لقد أضافت إدارة سجن رومية في بيروت مبنى جديدا أطلقت عليه اسم "المبنى ‏ذو الخصوصية الأمنية‎" وهو خاص بالمعتقلين الإسلاميين، وهذا يضاف إلى السجل الحافل لوزير الداخلية نهاد المشنوق تجاه "الموقوفين منذ عدة سنوات بلا أحكام قضائية" عداك عن أن معظمهم مظلومون وبعيدون كل البعد عن تهمة الإرهاب التي حيكت ضدهم. هذا المبنى كما يصفونه من الاستحالة العيش فيه بسبب المعاملة القاسية والإجراءات الصارمة.

  

وقد نفّذ أهالي الموقوفين الإسلاميين اعتصاماً، منذ أسبوعين، أمام مركز الصليب الأحمر الدولي في طرابلس، للمطالبة بوقف عملية نقل أبنائهم إلى المبنى الجديد في سجن رومية – المعروف بـ"مبنى الخصوصية الأمنية". وقد سلّم الأهالي مندوبي الصليب الأحمر الدولي رسالة طالبوا فيها الصليب الأحمر بالدخول والكشف على ما اعتبروه انتهاكاً لحقوق الإنسان يمارس بحقّ أبنائهم في المبنى الجديد. لقد رأينا كيف أن السجناء في هذا المبنى يقبعون في غرف انفرادية. طول الغرفة متر وعرضها متر ونصف وبأعلى الغرفة يوجد شباك صغير تم إغلاقه ‏بالحديد فيه بضعة ثقوب يمر الهواء من خلالها.‎

   

وكانت قوى أمنية تابعة لإدارة سجن "رومية" وبإيعاز من المشنوق، قد عملت منذ فترة قصيرة على وضع المبنى الجديد في الخدمة فعليا، ‏حيث قامت باقتياد موقوفين إسلاميين من القسم الخاص بهم في مبنى "ب" ‎إلى المبنى الجديد والمصادفة أن معظمهم من طرابلس. وكان المجتمع المدني في طرابلس قد نظم حملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي أخذت وشم ‏‎"‎سجون لبنان مسالخ بشرية أم ‏مؤسسات تأهيل‎ ودمج مجتمعي" حيث شرحنا كيف أن هناك حاجة لمساعدة وتسهيل انتقال السجناء إلى المجتمع الخارجي، مع إعداد شامل لبرامج دعم السجناء حتى مرحلتي الإفراج وبعد الإفراج.

   

فوفقاً للقواعد النموذجية العامة لمعاملة السجناء، فإن إعادة التأهيل المجتمعي والتحضير لإطلاق سراحهم ينبغي أن تبدأ خلال فترة تنفيذ حكم السجين وتستمر بعد الإفراج أيضاً. هذا إذا كان مجرماً حقاً، فكيف إذا كان بريئاً مظلوماً؟ للأسف بسبب مجموعة من العوامل بما في ذلك الموارد المحدودة واكتظاظ السجون وعدم الاهتمام الكافي باحتياجات مرحلة ما بعد الإفراج عن السجناء، ليست إعادة التأهيل في مجال الأولوية في نظام السجون اللبنانية.

   

عند الإفراج، غالبا ما يواجه السجناء العديد من التحديات بما في ذلك البطالة ونقص المساعدة القانونية، وكذلك صعوبات في إعادة الاندماج المجتمعي بسبب وصمة العار المجتمعية والتمييز ضدهم. وغالباً ما تؤدي هذه التحديات إلى الإجهاد والاكتئاب والقلق في العديد من السجناء، والتي قد تتطور إلى اضطرابات أشد خطورة على الصحة العقلية للسجناء وحقد على الدولة خاصة إذا كان رمي السجين في السجن ظلماً وعدواناً. وقد يلجأ إلى الانتقام بوسائل عنفية أو حتى إرهابية. وقد شهد سجن رومية الكثير من حالات التمرد والعصيان من قبل المساجين رفضاً لسياسته المهينة التي تستخدمها إدارة ‏السجن.‏ ومع تشكيل الحكومة الحريرية نتطلع الى أن يكون في برنامجها موضوع إعادة النظر في سجون لبنان من ألفه إلى يائه. وإلا فنحن شركاء في الدعشنة من ألفها إلى يائها!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.