شعار قسم مدونات

مهمة مستحيلة.. كيف تقنعنا السينما بصورة البطل المثالي؟

BLOGS مهمة مستحيلة

ساد اعتقاد عند الإغريق، أن البطل كائن خارق للطبيعة، بل هو مرتبط بالآلهة يستمد منها قوته، كما أنه يعد شفيعا لباقي البشر العاديين عندها لذلك لا تخلو الميثولوجيا الإغريقية من أساطير للأبطال الذين يحاربون ضد الشر، وينتصرون للخير، والذين غالبا ما يكون الحظ حليفا لهم. يعتمد المخرجون في الكثير من أفلامهم على هذا المعتقد، لأغراض شتى، فإذا كان الإغريق يختلقون هذه الأسطورة ويؤمنون بها، رغبة منهم في إيجاد أمل محتمل للانتصار على الشر الموجود، فالمخرجون يعتمدون على هذا المعتقد لأنه يعد أكثر تشويقا وتصديقا، وذلك يعطي فرصة لنجاح العمل، مما يعني تحقيق أرباح خيالية، لكن هذا الغرض تجاوز الهدف الاقتصادي المادي ليصبح له هدف فكري أيديولوجي؟

هناك العديد من الأمثلة في مسلسلات وأفلام غربية، لكن لنقف عند أحد أشهر سلسلة الأفلام، وهي التي تعرف بـ "مهمة مستحيلة" والتي تعتبر من أقدم سلسلة الأفلام مع حفاظها على نفس البطل، بدأ إنتاجها سنة 1996 لتستمر إلى سنة 2018. كان أول فيلم بعنوان مهمة مستحيلة 1 سنة 1996، ليليه بعد أربع سنوات مهمة مستحيلة 2 سنة 2000م ثم مهمة مستحيلة 3 سنة 2006م بعد الجزء الثالث بدأ يطرأ تغير على مضمون السلسلة، كما تجلى ذلك من خلال العنوان في الجزء الرابع الموسوم بـ "مهمة مستحيلة بروتوكول الشبح" في سنة 2011م، ثم تلاه جزء خامس هو مهمة مستحيلة أمة منشقة، سنة 2015، وأخيرا ثم إصدار الفيلم السادس من سلسلة مهمة مستحيلة: "سقوط"، 2018م.

"هانت" يلعب دور المنقد أو المخلص المثالي الذي ينتظره العالم، حيث يسعى لإنقاذ العالم بأهداف سامية، وهذا المُخلّص الأنيق يمجد صورة البطل الأميركي، والتي تسعى أمريكا جاهدة لترسيخها لدى الشعوب الأخرى

احتلت هذه السلسة المركز 17 عشر من حيث الأرباح في تاريخ السينما، لتصنف بذلك ضمن أنجح سلسلات الأفلام من حيث الدخل المادي، لكن كما قلنا مع تغير الأحداث العالمية، بدأت تهتم بها بشكل عام، وذلك رغبة من منتيجيها في توجيه الرأي العام، كان لدور البطل في هذه الأفلام حظ الأسد في نجاحها، والذي لعب دوره الممثل الأمريكي توم كروز المشهور بمغامراته حيث تقمص دور البطل "آثان ماثيو هانت" وهو شخصية خيالية.

تدور أحداث السلسلة حول عضو في قوة المهمات المستحيلة، وهي فرع غير رسمي لوكالة المخابرات المركزية، تسند لهم مهام مستحيلة كي ينجزونها، غير أن هذه المهام لا يستطيع البشر العادين إنجازها في إشارة إلى إعطاء صبغة العظمة للمخابرات الأمريكية المحاربة لقوى الشر "الإرهاب العالمي"! تدور أحداث الفيلم الذي صدر مؤخرا بعنوان "سقوط" حول مهمة ينجزها فريق IMF بقيادة إيثان هانت والذين يسابقون الزمن بعد فشلهم في إحدى مهماتهم، يحاولون منع استخدام ثلاثة رؤوس نووية على يد متطرفين يدعون "الرسل" والجذير بالذكر أن ما نلاحظه في هذه الأفلام هو أنها دائما مرتبطة بالأحداث التي تقع في الواقع، إذ أن أهداف "Mission: Impossible" تتخذ طابعا سياسيا كما ذكرنا سابقا.

حيث تكون مهمتهم هي عرقلة عملية بيع ثلاثة أجسام بلوتونيوم، والتي تسبب بيع أعداد منها في زيادة عدد الهجمات الإرهابية في عدد كبير من البلدان وانتشار الثورات في عدد من بلدان العالم، وهذا يتزامن مع ما يحدث في الواقع أيضا من ثورات في البلاد العربية، وازدياد عدد العمليات الإرهابية في البلدان الأخرى مثل أوروبا وأميركا وغيرها من الدول.

"هانت" يلعب دور المنقد أو المخلص المثالي الذي ينتظره العالم، حيث يسعى لإنقاذ العالم بأهداف سامية، وهذا المُخلّص الأنيق يمجد صورة البطل الأميركي، والتي تسعى أمريكا جاهدة لترسيخها لدى الشعوب الأخرى، ناسية بذلك ما يمثله أبطالها الحقيقيون في جوانتانموا، والسجون في العراق أثناء فترة احتلالها له، غير أن بطها هذا يبدوا أنه مختلف إذ يسعى لخدمة البشرية بإقدام وشجاعة دون أن يكترث أحد بحياته، ودون أن تحميه أيدولوجيا معينة حسب ما يريد مخرجوا الفيلم إرساله لنا، إنه يعرف جيدا الحدود بين الخير والشر فيستجمع قواه ويضع الخطط التي يسعى لتنفيذها، وبعد قتال ومطاردة لا بد وأن ينتصر، هكذا تسعى هذه الأفلام لترسخ في ذهننا صورة البطل، إنه يقاتل جميع قوى الشر من أجل فتاة وكأس فودكا في مستنجع هادئ!

لكن حقيقة هناك تقنيات زادت الفيلم تشويقا، خاصا ما يتميز به من المطاردات المتنوعة، فأحيانا بالسيارة وأخرى بالدراجات إلى طائرات الهليكوبتر، بين "توم كروز" والجاسوس "أوجست لوكر"، لا يخفى على أي من المتتبعين لهذه السلسلة من حرفية عالية أضفت على الفيلم متعة خاصة، وكذلك ما يعرف عن هذا الممثل الشهير والمتميز بالمغامرات التي يقوم بها أثناء تصويره لأفلامه، فتكون أحيانا هي السبب الأول في نجاحاته، وكذلك مهاراته المتعددة التي ساعدته في أداء مهماته المختلفة، ولا ننسى اللياقة البدنية التي يتمتع بها، ويمكننا القول أن هذا الفيلم أفضل أفلام السلسلة، لتنوع مشاهد الهروب التي أتقنها مثل القفز من الطائرة والهبوط على سطح الفاتيكان، والقفز فوق الأسطح والتسلق إلى الطائرة عبر الحبل، حيث أفرد المخرج لكل لقطة فترة زمنية طويلة ليتحول هذا المشهد من مجرد قتال إلى صورة فنية قتالية تحبس الأنفاس، وينغمس المشاهد في متابعته كأنه درس فني في فنون الأكشن.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.