شعار قسم مدونات

مزرعة جورج أورويل والدولة العميقة!

blogs مزرعة الحيوان

ما يحصل اليوم في جميع الدول التي خرج فيها الشعب ليقول كلمته بكل سلمية ويجابه الرصاص بالورد تجعلني أرجع إلى سطور رواية (مزرعة الحيوانات) لجورج أورويل. مزرعة جورج أورويل التي تحدث عنها وكأنها إسقاط على واقعنا الحالي ونتائجها التي تحصل الأن ونشاهدها كل يوم في نشرات الأخبار ما هي إلا واقع مؤلم أصاب كل البلدان التي حدثت فيها ثورات شعبية حقيقية لمجابهة الحاكم الأوحد والطغاة فكأنك اليوم بيننا عندما قال ذات يوم في روايته مزرعة الحيوانات (جمهورية الرعب). لك أن تعرف كيف تبدأ الثورة على أهداف وتطلعات لنتائج نبيلة، وعند نجاحها يتغير مجراها وتصبح في صالح أشخاص ماكرين ويبقى المتضرر الوحيد الشعب الذي يرضى بالأوهام ولا يستطيع حتى التفكير والتعبير عن رأيه. 

 

وهذا ما نلمسه الأن في كل دول الثورات العربية التي بدأت بثورة نظيفة خالية من السلاح وانتهت بإبادة شعوب كاملة وهدم وتدمير أوطان بجميع مؤسساتها وعادت بالحاكم الأوحد أقوى وأقذر مما كانوا عليه سابقاً ليحكموا سيطرتهم على الشعوب بالنار والحديد دون أن يستطيع أحد أن يتفوه بكلمة واحدة والمطلوب الوحيد من هذه الشعوب بعد كل هذا الدمار والقتل والتنكيل أن يعودوا إلى المزرعة كالقطيع خاضعين رؤوسهم لحاكمهم الذي أوغل بالبلاد عندما أطلق كلاب الصيد (رجال الأمن) لديه ليقتلوا شعوبهم بأيديهم.

 

وهناك بعض الدول استغلت كل هذه المصائب التي حدثت لتردع شعوبها من الخروج على الحاكم والدولة بُحجة أنهم عليهم النظر حولهم إلى جميع الدول التي حدثت فيها ثورات وبعد ذلك عليهم أن يقرروا إما الخروج والإبادة وإما العودة للمزرعة ضمن القطيع. وهناك أنواع في هذا المجتمع نستطيع القول وبصوت مرتفع بأنهم خُلقوا ليكونوا ضمن القطيع ولا شيء سواه من خلال التطبيل الإعلامي في كل قناة وندوة وحوار وكذلك من خلال الصحف والمواقع الإلكترونية. جعلوا منا شعوب يائسة لا تفكر سوى بالهجرة أو الانتحار أطفئوا بداخلنا كل شعلة أمل في تحقيق الأفضل لبلداننا من خلال إحباطهم وفسادهم وسرقتهم لهذا الوطن باسم حب الوطن.

 

الوطن هو البيت وهو الكرامة وهو العزة وهو كل مكونات هذه الحياة التي تجعلنا نمدحه رغم جفاه ونحبه رغم كرهه لنا ونعانقه رغم برودة مشاعره

وكذلك هؤلاء (النخب) الذين يقطنون في الدولة العميقة لهذا الوطن لن يستطيعوا أن يفهموا في يوم من الأيام عن صوت الشعب الذي لا يمكن لحاكم عاقل إلا أن يستمع إليه هؤلاء هم أصحاب المزرعة الكبيرة التي نسميها (الوطن) هؤلاء هم سارقي الأحلام لهذا الوطن وهؤلاء هم الذين ينظرون إلى كل فرد في هذا الوطن على أنه العبد الذي عليه أن يُطيع أسياده سواء بالصمت أو بالسياط أو بزنازين الظلام. لن يتركوا لك أمل في أن ترى هذا الوطن أجمل وأرقى الأوطان لأنهم لا يستطيعون التعايش مع لغة الحوار وهذا الرأي لك وهذا لي.. بل كل ما عليك أن تقوم به أن تقول (حاضر سيدي). لذلك يوماً ما سيصل صوت هذه الشعوب إلى كراسي من يحكموها ليحركوا الماء الراكد الذي سيجعل من هذا الوطن في مصاف الدول العظمى التي يُفتخر بها بدون نقطة دم واحدة.

 

يقول أحمد شوقي:

 

وطني لو شُغِلتُ بالخُلدِ عنّه

نازعتني إليه في الخُلدِ نَفسي

 

لذلك الوطن هو البيت وهو الكرامة وهو العزة وهو كل مكونات هذه الحياة التي تجعلنا نمدحه رغم جفاه ونحبه رغم كرهه لنا ونعانقه رغم برودة مشاعره ومع كل هذا وذاك تبقى الأوطان هي ملاذنا لذلك لا نريد لها أن تصبح مزرعة كمزارع جمهوريات الرعب والموز.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.