شعار قسم مدونات

الأدب الرخيص.. مصعد الشُهرة الكهربائي!

BLOGS كتب

الأدب على طول الزمان هو المرآة التي تعكس تحضر المجتمعات وثقافتها، وحالة الانحطاط القيمي والانهزام الحضاري التي تعانيها الأمة يمكن معاينتها بوضوح من على صفحات الروايات وأغلفة الكتب الرائجة هذه الأيام.. إذ أن الأدب صار وكأنه هو الشيء الذي يجب أن تتخلى عنه بالذات لتصبح أديباً في عُرف بعض النخب الأدبية المعاصرة.. إذ أنك لن تصير أديباً مشهوراً يشار إليه بالبنان مالم تهاجم السائد وإن كان صحيحاً، لست أديباً إن لم تنسلخ من أصولك وفروع ودينك ومن ثم تبدأ بالهجوم عليهم، وبعدها تستلقي لتدخن السجائر وتحتسي القهوة وتلعن التقاليد وتمارس البقية الباقية من الملحقات الأدبية.

 

عزيزي القارئ إن أغلب الأدب المعاصر الرائج هذه الأيام مبتذل وموغل في الإسفاف والانحطاط، فيكاد يكون من سابع المستحيلات أن تمر عليك رواية عربية معاصرة نظيفة تماماً من تلك المشاهد الخادشة للحياء، عندما تسأل كتّاب هذا النسق من الروايات عن السبب وراء ذلك، تجد التبرير الحاضر عندهم هي أن تلكم النصوص الخليعة ضرورات أدبية لا تستقيم الرواية إلا بها. لكن إذا تمعنت قليلا في هذه الروايات فستدرك بسهولة أن الأمر ليس كذلك، فمعظم هذه المشاهد "غير المحترمة" يتم الزج بها عنوة وحشرها حشراً في سياق غير ملائم لها، فلو اُستُثنيًّت هذه النصوص لما أختل ابدا السياق العام للرواية.. إذن فمن الواضح أن هذا الابتذال ليس ضرورة روائية، بقدر ما هو ضروري لنجاح الرواية وانتشارها!

 

تلجأ بعض الحركات إلى أدب الرواية بالذات كطريقة غير مباشرة لتخاطب بها المجتمع على أمل أن تجعل الوعي الجمعي للناس أكثر ألفة بأفكارها وأيدولوجياتها المريضة

فأغلب هذه الروايات -إن لم يكن جميعها- لا تمتلك القيمة الأدبية التي تمكنها من النجاح والانتشار، كتابات لا تناقش أيما قضية أو فكرة، وإنما مجرد أواني يتم الترويج فيها للرذائل.. لذلك يسعى هذا النوع من الكتَّاب إلى تعويض فقرهم الأدبي باللجوء إلى هذه الأساليب اللاأخلاقية رغبة في الانتشار وجني الأموال وكسب الشهرة على حساب المجتمع والأخلاق والمبادئ. تجد هذا النوع الكتاّب يجنح إلى مهاجمة التقاليد والأخلاق السائدة – وإن كانت صحيحة – لا لشيء سوى طلباً للشهرة ولفت الأنظار.. وهذا النوع لا يقتصر فقط على أدب الرواية إذ أن مواقع التواصل الاجتماعي مليئة بأمثال هؤلاء من المتنطعين، الباحثين عن الظهور وإثارة الجدل بشتى الأساليب التي لا تقل سخفاً وغرابة عما فعله الإعرابي الذي تبول في بئر زمزم طلباً للاشتهار.

 

هذا طبعا بالإضافة إلى حملات الأدلجة الممنهجة التي يقودها الكتَّاب المسيَّسون، وناشطي حركات الفيمنست.. وغيرها من الحركات اليسارية المتطرفة التي بدأ بالصعود، ولعدم قدرتها على التصريح بأفكارها السياسية والاجتماعية – على وجه الخصوص – خشية رفضها من قبل مجتمعاتنا المحافظة، تلجأ هذه الحركات إلى أدب الرواية بالذات كطريقة غير مباشرة لتخاطب بها المجتمع على أمل أن تجعل الوعي الجمعي للناس أكثر ألفة بأفكارها وأيدولوجياتها المريضة.

 

للأسف السياسات التقليدية والغبية التي تتبعها الحكومات تجاه هذا النوع من الأدب الرخيص غالباً ما تساهم في انتشاره، إذ أنها تلجأ في اغلب الأحيان إلى مصادرة هذه الأعمال – مع العلم انه لا يمكن للدولة أو سواها أن تمنع شيئا في عصر الفضاءات المفتوحة – وهي بذلك – أي الدولة – تمنح هؤلاء الكتَّاب بالضبط ما يريدونه من ضجة إعلامية واشتهار. في كثير من الأحيان تكون "إماتة الباطل بالسكوت عنه" لا بلفت الأنظار إليه..! لكن في النهاية لا يصح إلا الصحيح، وعلى أي حال لن تمتلك الخلود إلا تلك النصوص التي تستحق ..! (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ).

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.