شعار قسم مدونات

قلبي يختنق يا الله!

blogs عبادة

قال الله تعالى: "وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ" (سورة الحجر، الآية 97) تمر بنا أيام صعبة نفشل فيها، يضعف الجسد، يتألم القلب، نبكِ كثيرًا.. كأن كل شيء في هذا العالم واقف ضدنا مُصرّ على تحطيم ما تبقى منّا، وفوق هذا يأتي الناس معاتبين عن سبب تجاهلك لهم، عن تأخر ردك وقلة اتصالاتك، لا أحد يفهم الصراع الذي تعيشه، كأن يُقال لك: "لا تدّعِ يا هذا أُنظر جسدك مُرتاح يدل على رغد عيشك وقلة تعبك، كنت نحيفًا يا صاح لكن اليوم وجهك مشرق من الواضح أنك غارق في النعيم فنسيت من حولك اذهب هيا كفاك كذبًا، وفوق هذا تمتلك شهادة عليا ومستقبل زاهر لكنك تُتقن الشكوى وإبعاد الأعين عنك". تتثاقل خُطاك، تُحس بوخز في قلبك، يضيق صدرك، فلا أحد يفهم ما يجري داخلك، لا علم لهم بمرضك بتعبك، بكثرة تفكيرك، أرقك وهجران النوم لمضجعك، ولا حتى بنضالاتك الفاشلة، تندم على سكوتك وعدم دفاعك عن نفسك، ثم تتذكر أن الله يعلم بكل شيء فتربت على قلبك بذكره تسبيحًا وحمدًا.

قال تعالى: "فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ" (سورة التوبة، الآية 40) أنظر ما أجمل هذه الآية، تُذكِّرك بأنَّ الله هو الشافي، فبعد تخبطاتك تلجأ إليه تدعوه بعيون مليئة بالدموع، تسجد له وحده، فيأتيك السكون من حيث لا تدري، حينها تُدرك بأنّك خُلقت لاجتياز امتحانات الدنيا فلا أحد يسلم منها، مثلما تألمت فرحت، مثلما ابتسمت بكيت، فلا تجعل من كلام الناس داء فرضاهم غاية لا تُدرك مهما سعيت لها، ستندم ويضيع عُمرك في السراب. خذها مني الصادقين من حولك إن لم تتصل يفعلون، يدعون لك بظهر الغيب، حتى لومهم بطعم السُكَّر لذا تجنَّب كل ما يُؤديك اقطع حبل وِصاله، استمتع بألمك ففيه نُضجك، تعلّم أن تلجأ إلى الله في كل الأحوال ولا تنسى أبدًا قوله تعالى: "فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا" (سورة الشرح، الآية 5).

سنرجع كل مرة إلى الله، سواءً في الفرح أو في الحزن، وحده من يبعث فينا الأمل، وحده من يعلم بما يجول في خواطرنا، يُدبِّر أمورنا، يصرف عنّا ما يؤدينا، يأخذ بأيدينا في أحلك أيامنا

لا تشتكِ لأي شخص، فلكل منهم هم يخنقه، تعلّم أن تكتفي بنفسك، حتى أُمك لا تشغلها بك فإن كان بها ألم ما سيتحول إلى مرضٍ أعمق يأخذ منها الراحة، يلفُّها بالتعب والسهر، صديقك الذي يستمع إليك بحب خفف عنه قليلاً، لو يبدأ بسرد تفاصيل وجعه ستخجل من تفاهة ما يُكدِّر معيشتك، ستقول لماذا نحن أصدقاء! معك حق فقط حاول أن تستمع إليه في زحام شكواك هو أيضًا بحاجة إلى حُضنٍ دافئ. كل يوم نفتح فيه أعيننا نقول في أنفسنا الحمد لله الذي منحنا فُرصة أخرى للعيش، لكن فجأة تبدأ الذاكرة باسترجاع التفاصيل الدقيقة، والأشياء الناقصة التي نسعى إلى تحقيقها، وإذا بنا ندور في ذات السيناريو وهكذا يمضي العمر في غياهب الماضي وهلوسات المستقبل، وعلى إثر هذا وذاك يضيع الحاضر.

لسنا بحاجة إلى حضور دورات التنمية البشرية بقدر ما نحن بحاجة إلى جلسات نتأمل فيها ذواتنا، لسنا بحاجة إلى أطباء نفسانيين يكتبون لنا أدوية مضادة للاكتئاب، لسنا بحاجة إلى الخروج للتسوق وتبذير الأموال ظنا بأنه كسر للروتين، لسنا بحاجة إلى الهجرة من أوطاننا لأجل المتعة بالعكس نحن بحاجة إلى الذهاب إلى تلك الدورات من أجل شحن طاقاتنا من جديد، الأطباء النفسانيين بحاجة أيضا لمن يستمع لهم بهدوء، نعم قد تخدمنا الهجرة من حيث الوظيفة وتحقيق الإنجازات التي حُرمنا من الوصول إليها بسبب الفساد المتفشي في أوطاننا، كما أنّ في التسوق متعة لكنه لا يقودنا للشعور بالسلام الداخلي بل نحن بحاجة إلى الحب والاهتمام حينها سنحب أوطاننا ونسعى إلى تغييرها وقبل كل شيء تغيير أفكارنا. لا أدري لماذا يلجأ الناس إلى مهاجمة بعضهم، لماذا نُراقب بعضنا من أجل تحطيم الناجح فينا، لا أدري لماذا تحول الحب إلى مصلحة ما إن تنتهي تندثر معها المشاعر، نحن في أمس الحاجة إلى الصدق تعبنا من الكذب والأنانية، فيا الله أنقذنا من متاهات أنفسنا.

سنرجع كل مرة إلى الله، سواءً في الفرح أو في الحزن، وحده من يبعث فينا الأمل، وحده من يعلم بما يجول في خواطرنا، يُدبِّر أمورنا، يصرف عنّا ما يؤدينا، يأخذ بأيدينا في أحلك أيامنا، يبعث لنا بأناس يُحبّوننا ويهتمون بنا، عندما نرتكب الخطأ ونستغفره يعفو عنّا فـــــــــــهو الذي قال: "اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً" (سورة هود الآية 3)، حتى أنه وعدنا بالفرج بعد الصبر وباليسر بعد العُسر، هو الأقرب دائمًا، في قُربه سعادة الدارين فاللهم لك الحمد وكل الحب، لذا حينما يختنق قلبك وتغرق عيناك في الدموع تذكَّر الآية: "لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا" (سورة التوبة، الآية 40)، حينما تشعر بالوحدة وبأنّ الجميع ابتعدوا، ولم يتبقى لك أحد تذكَّر قوله تعالى: "وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ" (سورة ق الآية 16) نعم يا جماعة العناية الإلهية تُبهِج القلب وتُحيي الأمل من جديد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.